على حافة الانهيار
مروى صعب مروى صعب

على حافة الانهيار

القلق من الاحتباس الحراري، وما سينتجه بعد بضعة أعوام إذا استمر العالم على هذا النحو من التلويث، ينسحب على العديد من التبعات اليومية التي قد تودي بالبشرية كما نعرفها. لذلك يشدد العديد من الباحثين البيئيين على ضرورة التقليل من المواد التي لا تتحلل في الطبيعة، وبخاصة المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلل، والتي يرمى بعضها في المحيطات بدلاً من إعادة تصنيعها.

 

فتستقبل المحيطات نحو 80% من نفايات العالم، بحسب تقرير الأمم المتحدة عام 2016، حوالي 80% من هذه النفايات هي المواد البلاستيكية، والتي تقدر بحوالي ثمانية ملايين طن من البلاستيك. وصدرت 288 مليون طن إلى المحيطات من دول أمريكا الشمالية، أوروبا، وشرق آسيا عام 2016 فقط. والتي كلفت الاقتصاد العالمي 13 تريليون دولار أمريكي عام 2016. كما تؤثر هذه النفايات على حوالي 800 نوع من الحيونات البحرية، والتي ارتفعت من 663 نوعاً في 2012 إلى 817 عام 2017.
لا يعود إنتاج واستخدام المواد البلاستيكية كثيراً إلى الوراء. فقد بدأ هذا الإنتاج منذ عام 1950، وارتفع من 1,5 مليون طن في عام 1950 إلى 288 مليون طن في عام 2008. أما ما قد يقلق إلى حد كبير، هو: عدم القدرة على تفرقة هذه المواد من الغذاء من قبل العديد من الحيوانات البحرية، وأنها تتفتت إلى جزيئات صغيرة في المحيط، نتيجة أشعة الشمس، مما يجعل انتقالها إلى الحيوانات أسهل. أي: أن المواد البلاستيكية إما أن تقضي على الحيوانات التي تأكلها، أو تدخل الجزيئيات البلاستيكية إلى أمعائها، فإما تقتلها ببطءٍ أو تنقلها إلى حيوان آخر، أو إلى البشر.
استيراد النفايات
أما في المقلب الآخر، تعمل الأمم المتحدة والعديد من الدول التي تقع قرب المحطيات، على التقليل من النفايات والمواد البلاستيكية التي ترمى في المحيطات. لأنه من المتوقع أن تتضاعف كمية المواد البلاستيكية في المحيطات إلى 100% عام 2050 مما هي عليه اليوم، أن لم تتخذ إجراءات عالية في التقليل منها. مثلاً: مؤخراً وقعت معاهدة جديدة بين الصين ودول المحيط الهادئ، حول إعادة تصنيع المواد البلاستيكية، الألومينيوم، والمواد المستنفذة لطبقة الأوزون في هذه الدول، من قبل شركة صينية. بينما أعلنت الصين أنها ستقلل من استيرادها للنفايات هذا العام، وهذا ما عرضته الولايات المتحدة، واعتبرته خرقاً لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية (نسبة من نفايات الولايات المتحدة كانت تورد إلى الصين). حيث إن الصين بدأت باستيراد كميات كبيرة من نفايات دول عديدة، مثل: الولايات المتحدة، منذ عام 1950 لعدم وجود مواد أولية للنهوض بالصناعة.
من أين تاتي هذه الكميات؟
للكمية الهائلة من هذه النفيات في المحيطات عدة أسباب. النفايات الصناعية التي ترمى بأغلبها في مجاري المياه (أحد أسباب تكاثر المواد البلاستيكية مثلاً في المحيطات)، رمي النفايات المنزلية والطبية، وتفريغ مياه الصرف الصحي في مجاري المياه، المحدودية في إعادة التصنيع، والاحتباس الحراري الذي تسبب بالعديد في الأعاصير التي نقلت مخلفاتها إلى المياه. بينما لا تعتبر الأمم المتحدة أن الاحتباس الحراري جزء من السبب في تكاثر النفايات في المحيطات، ولا تربط السبب في الوضع الاقتصادي والسياسي للبلدان. وتذكر في تقاريرها أن علينا ألّا نلقي كل اللوم على الدول النامية، بل على الدول المتقدمة أيضاً وأن تجد حلولاً وتقلل من استخدامها للمواد البلاستيكية، حتى لو كان هذا التصريح يتناقض مع أن 275 مليون طن من المواد البلاستيكية، يتسرب إلى المياه من الدول المتقدمة.
الموارد الطبيعية حق لمن؟
اعتاد الإعلام والتعليم والعلوم السائدة عامةً، طرح حركة الحياة والبيئة على كونها وجدت ولن تفنى، ووجدت لكي نستخدمها ونعيش حياة افضل. وتم استخدام الموارد الطبيعية على أنها حق مطلق، وبعماء من قبل النظام الرأسمالي الذي يحمله نحو الربح السريع والتسابق على الأرباح. فمن حَكَمَ هو المشتت في عناصر الحياة، والتي لا تربط جوانب الحياة ببعض بل تراها متباعدة، ولهذا لم ترَ أن أسلوب الإنتاج والاستهلاك أدى إلى دمار جزء كبير من مرافق الحياة، حتى لو أننا الآن نستخدم أشياء ما كنا لنستطيع استخدامها سابقاً. فبغض النظر عن مدى استخدامنا لهذه البيئة، خلقنا فيها ولا يمكننا العيش خارجها، ولا يمكن فصل بقاء الجنس البشري أو الحياة عامة عن بقاء البيئة التي وجد وتطور فيها. لكون تبعات وجود كميات هائلة من النفايات في المحيطات، لن تؤدي إلى انقراض الحيوانات البحرية فقط، وبالتالي انخفاض مصدر غذائي كبير، بل أيضاً من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع في حرارة الكوكب، وإلى خسارة اقتصادية كبيرة. ومن التبعات التي قد تصبح واقعاً لا يمكن تغييره، فنحن نقترب من نقطة اللاعودة في القضاء على العديد من الكائنات الحية، وتدمير موطن مسكنها. كما اقتربت الرأسمالية من نقطة اللاعودة عن وجودها حتى لو كلفها هذا القضاء على الحياة كافة.
فإن الكوكب على حافة الانهيار، الاحتباس الحراري، ذوبان الجليد في القطبين، تلوث البحار، القضاء على الكائنات الحية، والحروب التي تنهك ببعض بلدانها، هذا ما أنتجته سنين حكم الرأسمالية والتي لا تتعدى بضع سنين من تاريخ البشرية.