العَمَلية العِلمية والتغيير
محمد المعوش محمد المعوش

العَمَلية العِلمية والتغيير

إن العلم السائد، إما مأزوم أو في موقع خدمة النظام الرأسمالي العالمي. حيث لا تخضع لهذه المعادلة_ وبشكل نسبي أيضاً_ التجارب العلمية في الدول الصاعدة، فنسبية خضوعها مرتبطة بالبنية الاقتصادية والفكرية لهذه الدول.


محمد المعوش

سبق، تشير إليه المنشورات، والتوظيف، والاستثمار، والمنهجية، والطرق المستخدمة في العلم السائد، ولكن ما الملامح التي يمكن أن تميز علماً نقيضاً يكون جزءاً من عملية فكّ التبعية الاقتصادية الاستغلالية وتحرر الشعوب والنمو والعدالة الواسعة والعميقة؟
هذه الملامح تم التطرق إليها مراراً في المؤلفات الفلسفية والعلمية والسياسية، من وجهة خط وقوى التغيير الجذري، في عدة مراحل تاريخية ودول مختلفة. أي: كون العلم خادماً لعملية النمو الاقتصادي والاجتماعي، والتحرر والتقدم الفكري والمادي، وبشكل أساس، في كونه منهجياً يخضع للفكر المادي التاريخي، لكسر أزمة التخبط التي تعانيها العلوم بشكل عام بنسب مختلفة، التخبط الناتج عن التجريب والتفكيك في البحث النظري والعملي.

التغيير السياسي  فاتحة لتغييرات مختلفة
في سياق الصراع الذي تخوضه دول العالم، وتحديداً دولنا، ضد التدمير والسيطرة الإمبريالية، وخصوصاً، أن النقاش سيفتح حول التنظيم الاجتماعي البديل عن السائد في دولنا، حيث يغلب الريع والاستهلاك والفساد، كأنماطٍ غالبةٍ على اقتصاداتها، فللعلوم دور أساس في هذا النقاش، كجزء من عملية التغيير الجذري.
والتغيير السياسي على مستوى النظام السياسي، والنمط الاقتصادي القائم، لا يحقق بالمعنى التلقائي نقلات سلسة، نحو مجتمع سريع وواسع النمو والعدالة. من هنا المساحة التي يحتلها العلم كأحد مستويات هذا التغيير، وفي صلبها.

دور النظرية والمنهج وعملية التغيير
نقاش دور العلوم وارتباطها بالمجتمع، ومنهجيتها وخلفيتها النظرية، سيكون له مساحة أساسية، فمهمة توظيف العلوم في عملية التغيير والنمو والعدالة المادية والمعنوية، ترتبط باستنهاض الطاقات العلمية الموجودة والممكنة، والمطلوب خلقها، وتقوم على أرضية البحث في التناقضات التي يواجهها المجتمع بشكل واسع من جهة، وفي تقديم نقلات اقتصادية وإبداعية في البلاد من جهة أخرى.
هذه التناقضات الاجتماعية، لا يمكن البحث فيها دون إجراء نقلات نظرية في آلية البحث العلمي وخلفياتها ومنهجياتها، على أسس مادية تاريخية تناقض العلم الرسمي السائد وتخبطاته، ودولنا ليست خارج هذا الواقع. المنهجية المادية التاريخية التي مكنت خطاباً وتحليلاً سياسياً من أن يلتقط اللحظة التاريخية، ويقدر استناداً إليها أن يرسم طرق المخارج من الأزمة، ويلعب دوراً في تقرير مصير المجتمع عامة، فهذا أيضا من العلم.
هذا التغيير النظري العلمي المرافق للتغيير السياسي، هو ضرورة لرفع طاقة العلوم في المرحلة القادمة، عبر التشديد على عنوان أساس، هو: وظيفة العلم في خدمة المجتمع وتقدمه المادي والمعنوي، وربطه بالقضايا الاجتماعية المطلوب حلها، وذلك ليس خارجاً عن الموقف السياسي الاقتصادي، كون حل التناقضات الاجتماعية مرتبط بتجاوز الرأسمالية، وفي حالتنا: التبعية الاقتصادية، نحو نظام اقتصادي عادل وتشريكي للشعب.
هذا التغيير المنهجي، يعيد تشكيل علاقة الميادين العلمية الإنسانية والطبيعية في وحدتهما، ارتباطا باللحظة التاريخية الراهنة وقوانين تطورها، ويخضع التناقضات الاجتماعية التي يجب دراستها انطلاقاً من موقف يطرح قضية الأصل الاقتصادي الاجتماعي للمشاكل الموجودة، وكيفية حلّها، وخصوصاً، أن الحرب ستترك نتائج يحتاج حلها إلى خيارات سياسية وعلمية في تتبع تطورها المستقبلي. وهذا يتطلب مركزة الطاقات العلمية وحشدها في صالح إيجاد الحلول لقضايا الاقتصاد والبيئة والصحة والتكنولوجيا والغذاء، وفي تشكلها المتحرك حسب المراحل التي يمر بها المجتمع.
هذا الميدان سيخلق في الوقت ذاته، الأرضية لقوى اجتماعية قادرة على لعب هذا الدور، ويعيد استقطاب الطاقات البشرية إلى هذ الميدان المُنتِج الإبداعي.

أدوات مادية في سبيل النقلة العلمية
في تجارب عديدة، تصير النهضة العلمية في سبيل المجتمع بناءً على قرارات مركزية سياسية، يتم توظيف قدرات مادية ومالية وبشرية في سبيلها، لتكون عنصراً من عناصر السياسات الاقتصادية، ولها موازنة ليست «ضحكاً على اللحى» كما نراها في دولنا المستهلِكة عامة.
هذه القرارات، إلى جانب الإمكان المالي والمادي، يفترض كذلك إعادة تنظيم البنية التعليمية البحثية في سبيل وحدتها الوظيفية، في مختلف الميادين وتكون بالتالي ضمن تحقيق متطلبات النمو الاجتماعي، والتناقضات التي تتطلب حلها، لا عملية بحثية تعليمية «مثالية». أي: إلى جانب الانتقال النظري يجب أن يحصل انتقال في السياسات التعليمية العلمية، التي لا تنفصل عن بعضها من عمر الطفولة وصولاً إلى المراحل اللاحقة، والتي يمكن أن توضع تحت خانة «توظيف العلوم/التعليم في إنتاج جيل يُنتِج العلوم».
الانتقال النظري والعملي العلمي، يستبق البحث التقني والتكنولوجي الذي عادة ما يذهب إليه الذهن عند نقاش التقدم العلمي في بلد ما. فإعطاء الجنسية لآلة «ذكية» في مؤتمر استثماري «استهلاكي» لبيع منتجات ميدان الذكاء الاصطناعي للدول النفطية مؤخراً في السعودية، لا يعني انتقالا علمياً، مهما تم تكديس آلات وتقنيات متقدمة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
835