«يسقط الفيسبوك»!

«يسقط الفيسبوك»!

يستهلك الموقع الازرق الشهير ساعات كثيرة من أيامنا، وما زال الكثير منا يطرق رأسه طوال النهار أمام شاشته الصغيرة ليتابع «منشورات» الصفحات ويتواصل مع «الأصدقاء»، الافتراضين منهم والحقيقيين، لقد حقق «فيسبوك» نجاحاً كبيراً طوال السنين العشر الماضية وتجاوزت أعداد المشتركين الملايين، لكن الكثير قد تغير، واليوم، تعاني «ظاهرة الفيسبوك» من العديد من الانتقادات، كما أنها تتحضر لجولة جديدة من المنافسة.

هناك الكثير من الملاحظات التي سمعناها حول مثل هذا النوع من المواقع، تحدث البعض عن ظاهرة «التواصل الاجتماعي» الرقمية التي تبعدنا شيئاً فشيئاً عن حالة التماسك الهش التي تميز المجتمعات المعاصرة، وهذا بالطبع صحيح، لكن هناك جانب مريب آخر تميزت به النسخة المعاصرة من الموقع الأزرق، تركز في الآونة الأخيرة في الوثائق التي تسربت عبر الكثير من القنوات الرقمية وعن طريق كثير من المنظمات الحقوقية والتي تتحدث عن انتهاك فاضح لسياسات الخصوصية المتعلقة بكل مشترك، وعن تعاون كامل مع الحكومة الأمريكية لجمع وتحليل جميع تلك البيانات في إطار خطة كبرى تهدف إلى «اصطياد» الجميع عبر تلك «الشبكة».
هجرة المشتركين
لقيت هذه الظاهرة اهتماما كبيراً من قبل مجتمع التقنيين في الآونة الأخيرة، وبالأخص حين لاحظ المراقبون «هجرة» العديد من المشتركين من مواقع التواصل الاجتماعي التقليدية إلى أخرى أكثر وضوحاً وأماناً، ولم يعد خافياً على أحد أن ضغطة زر الإعجاب تعني تسجيل نمط معين من السلوك والرغبات يضاف إلى مجموعة كبرى من البيانات لنحصل في النهاية على «مزاج عام» يدخل كعامل مؤثر في مجال الدعاية السياسية للحكومات، أو «أنماط استهلاك» تباع إلى كبرى الشركات بغية تحسين سبل التسويق وإحكام السيطرة على أذواق الزبائن.
«ماذا تعرف عن الإيبولا؟»
أصبحت الصفحات التجارية تدفع في وجهك وأنت تطالع أخبارك اليومية، وتم تخصيص جزء كبير من صفحتك الشخصية للإعلانات التجارية التي تدفعك للضغط على زر الإعجاب، كما أنها تطالعك برسائل استفسارية إن أردت إزالتها: «لم لم يعجبك هذا المنتج؟» لتبدأ سلسلة متلاحقة من الأسئلة التي تهدف إلى تحليل ذوقك وأسباب رفضك لإحدى تلك السلع، «ما رأيك بما يحصل في العراق؟» .. «ماذا تعرف عن الإيبولا؟» والكثير الكثير من الأسئلة الاخرى تبحث في عقلك وتحلل سلوكك الرقمي، «ما هي الأوقات التي تطالع فيها صفحتك الخاصة على الفيسبوك؟» إن الإجابة على هذا السؤال مفيدة جداً لأي شركة تريد أن تجعل من هذا الموقع منصة لتسويق منتجاتها.
لسنا منتجات للبيع والشراء
ما الحل إذا؟ هل هناك من بديل أكثر حيادية واحتكاراً من الفيسبوك؟ يجيب موقع «Ello» على هذا السؤال، بعد ان تناقلت المواقع التقنية خبر إطلاق نسخة تجريبية جديدة من الشبكات الاجتماعية الرقمية، والتي وصفتها بانها «مناهضة للفيسبوك» بكل صراحة، وتحدث القائمون على إطلاق هذا الموقع، وبكثير من الكلمات الرنانة، عن قيام إدارة الموقع الأزرق بمتابعة كل رابط وكل مشاركة وكل منشور وتحويله إلى بيانات رقمية تباع إلى شركات الإعلان والتسويق، «أنت هو المنتج الذي يتم بيعه وشراؤه»، هذا ما تقوله الصفحة التعريفية ل موقع «Ello» ، وتضيف : «نحن نؤمن بوجود بديل أكثر جرأة وشفافية وجمالا، نحن نؤمن بشبكة اجتماعية كأداة للتطور والرقي، وليس كأداة للخداع والاستغلال، نريد مكانا للتواصل بحرية، نحن لسنا منتجات للبيع والشراء!».
«البيان التأسيسي»
يا للروعة، تبدو كلمات «البيان التأسيسي» لهذا الموقع مليئة بالأحلام الواعدة، ولقد ساهمت بالفعل في جذب الكثير من «الفيسبوكيين» إليها وفي زمن قياسي، لقد أصبح هذا الموقع حديث الشارع التقني بعد أن أثبت قدرته على جمع الآلاف من المشتركين خلال الأيام الأولى من إطلاقه، على الرغم من كونه لا يرتقي لمزايا «الفيسبوك» التقليدية في نسخته التجريبية الأولى، كما أنه يعتمد على التواصل فقط مع الناس الذين قد قبلوا دعوة المشترك للتواصل، أي أنه «حصري» للغاية، لكن البعض ما زال يشكك في قدرة هذا الموقع على الوفاء بوعوده والحيلولة دون «تلويثه» بالتدخل الاحتكاري لشركات التسويق والدعاية، فنسخته التجريبية تلك ما زالت حديثة العهد ولا تحوي أي خطة واضحة ترسم منهجاً مناسبا لمواجهة سطوة تلك الشركات، فوصفه البعض بأنه «فيسبوك» آخر، أكثر حيوية وشباباً، وكأنه الموقع القديم ذاته وقد تم صبغه بألوان براقة جديدة تجذب من سئم من تجربة «الفيسبوك» التقليدية، ما زال على «Ello»  » أن يثبت الكثير كي يرتقي للوعود الحالمة التي تحدث عنها.
«من تحت الدلف لتحت المزراب!»
لم يتعلق الأمر يوماً بهذا الموقع أو ذاك، فمسألة التخلص من سيطرة الشركات الرأسمالية والرقابة الحكومية لا تتوقف عند حدود «الفيسبوك» دون سواه، الأمر يتعلق بمركزية البيانات الرقمية عبر الشبكة العنكبوتية التي تسمح بالتنصت واستخراج المعلومات عبر العديد من المنافذ، ومن خلال أي موقع لـ «التواصل الاجتماعي»، تكمن القضية في استغلال الحكومات للمصادر التقنية في نصب شباك الرقابة و احتكار بيانات المستخدمين، وليس في الأدوات التي تستخدمها تلك الحكومات لفعل ذلك، فهي في النهاية مجرد وسائل تخدم غاية أكثر عمقاً وتعقيداً، لذا ينبغي على المهتمين أن يدعوا المستخدمين المضللين إلى رفع الغطاء عن أولئك المحتكرين و الدعوة إلى شبكة عالمية أكثر حيادية يتعاون الجميع في التحكم بتدفق المعلومات عبرها بدلا من القفز من شبكة اجتماعية إلى أخرى، أو كما يقول المثل : «من تحت الدلف لتحت المزراب!»