شرق المتوسط مهد تدجين النباتات والحيوانات

شرق المتوسط مهد تدجين النباتات والحيوانات

كان تدجين النباتات والحيوانات من أهم الاختراعات البشرية وأكثرها عمقاً في نتائجه على تطور المجتمعات البشرية، حيث سمح بانتقال الإنسان من مجتمعات الصياد-الجامع إلى مجتمعات المزارع وسمح بتأسيس مستوطنات دائمة

، وبالمقابل كان لهذه الثورة نتائج هامة جداً على التنوع الحيوي في منطقة المتوسط.

كانت الخطوات الرئيسية لتدجين النباتات والحيوانات دون الدخول موضوع العديد من الدراسات الحديثة. وعلى الأخص تعاون علمي الآثار والوراثة الذي كشف عن تعقيد العلاقات بين النباتات والحيوانات المدجنة وأسلافها. تظهر البيانات الوراثية الحديثة، الطبيعة متعددة المناطق لتدجين الحبوب، مما يناقض النظرة الكلاسيكية التي تقول بأن كل نوع من المحاصيل قد دجن بسرعة كبيرة في منطقة جغرافية صغيرة فريدة.
تدجين النباتات
يعتبر حوض البحر المتوسط وخاصة الجزء الشرقي منه من أهم المراكز في العالم لأصول نباتات المحاصيل. لاحظ مستكشف النباتات الروسي نيكولاي فافيلوف Nikolai I. Vavilov في عشرينيات من القرن العشرين، أن العديد من الزراعات القديمة والعديد من النباتات المزروعة وأسلافها أتت من منطقة بلاد الشام، من شرق المتوسط ونهر الأردن ووادي البحر الميت وشمال وشرق سورية وتركيا والعراق وإيران.
ورغم أن دراسة الأشكال الدقيقة لتنوع المحاصيل غير ممكنة، إلا أن هناك أكثر من 500 نوع محاصيل مزروعة في حوض المتوسط، بما فيها الأنواع الأصلية والغريبة التي زرعت هنا في بادئ الأمر. إن الأصل الدقيق للزراعات في المنطقة التي وجدت بين حوالي 9000 إلى 11000 سنة خلت، مع الشعير (Hordeum) والقمح (Triticum) ربما تكون أول الأنواع  المزروعة التي دجنت في بلاد الشام. وربما كان الصيادون- الجامعون يستغلون الحبوب البرية منذ 20500 – 23000 سنة خلت.
تم إعطاء «دفعة» تطورية للأعلاف والنباتات الرعوية للماشية –مثل البرسيم أو الفصة (Medicago sativa) – من قبل البشر في الوقت نفسه الذي ظهرت فيه الحبوب الأولى المزروعة أو قبل ذلك.
وجدت أدوات الطحن والملاط وكذلك المناجل في الشرق الأدنى التي تعود إلى عصور قديمة جداً لكنها لا تتطابق بالضرورة مع تاريخ بذر المحاصيل حول القرى. ومهما يكن التاريخ الدقيق فقد قسم اختراع الزراعة عالم النباتات المرتبط بالممارسات الزراعية إلى قسمين، وهي النباتات الحقلية والنباتات غير الحقلية. كما قسم التاريخ الحديث إلى فترة عصر الحقول، الذي بدأ مع التدجين النيوليتي للنباتات وعملية استقرار المجموعات البشرية في قرى زراعية، وعصر ما قبل الحقول.
تدجين الحيوان
كذلك يبدو أن المتوسط هو المنطقة التي جرت فيها التجارب الأولى الناجحة لتدجين أنواع الثدييات. وبالتالي فهذه المنطقة غنية بشكل استثنائي بالأنماط الوراثية من الماشية التي انتخبها الناس عبر الأجيال، في كل منطقة مصغرة لكل مراكز نشوئها، ومعظمها في الشرق الأدنى.  إن تنوع سلالات الماشية في المتوسط يعكس تنوع البيئات حيث انتخب البشر حيواناتهم. وعندما أنجزوا ذلك انتشرت ممارسة التدجين على الأنواع المدجنة المختلفة في العالم في فترة قصيرة من الوقت. وقد أمنت الثدييات المدجنة اللحم والحليب والصوف والجلود لصناعة الأدوات والثياب والخيام،  بالإضافة إلى كونها قوة عمل إضافية ضاعفت إمكانيات العمل في الحقول والأراضي الغابية للنقل والتجارة.
تعود الإشارات الأولى عن تدجين الحيوانات في المنطقة إلى أكثر من 10000 سنة خلت وكما في النباتات فقد حدث ذلك حين بدأ المناخ يتحسن بعد العصر الجليدي الأخير وقد كانت الحيوانات المدجنة الأولى إما مفترسة كالكلاب أو حيوانات آكلة كل شيء كالخنزير البري التي تبعت المجموعات البشرية للاستفادة من مخلفاتها القابلة للأكل.
ظهرت السلالات المدجنة من الأبقار البرية الناشئة من الثور البري  auroch  في السجلات الأحفورية منذ أكثر من 6000 سنة خلت من أشكال كانت قد دجنت في بلاد الرافدين.