وقت الفراغ الراديكالي: من سيطالب بساعات عمل أقل؟
إيفا سويدلر إيفا سويدلر

وقت الفراغ الراديكالي: من سيطالب بساعات عمل أقل؟

إنّ الارتباط بين الحركة العمّالية وأنصار البيئة، سواء أكان ارتباطاً مأمولاً أم حقيقياً، هو أمر تتمحور حوله الأخبار في الخمسين عاماً الماضية. لقد وصل مثل هذا الترابط إلى وجهة نظره الأوسع في احتجاجات برج التجارة العالمي في سياتل عام 1999، عندما تمّ تشكيل تحالف بين النقابات وغيرها من مجموعات التحالف التي احتّلت عناوين الأخبار بعبارات مثل: «سائقو الشاحنات يتظاهرون من أجل السلاحف» أو بعبارات أكثر رتابة مثل: «تحالف الأزرق-أخضر»، في إشارة إلى انضمام عمّال الياقات الزرق إلى ناشطي البيئة الخضر. ورغم الإمكانيّة الجديدة والمثيرة للمأسسة الجديدة لمنظمات مثل «شبكة العمّال من أجل الاستدامة» أو «التحالف الأخضر-الأزرق» أو «العمالة المستدامة»، فإنّ التغطية تتجه ناحية الخطاب البيئي السائد، وتمّت إزاحة العمّال من المشهد.

تعريب وإعداد: هاجر تمام

وكي نكون عادلين، فإنّ الحركة البيئيّة قد ضمّت الكثير من القضايا العمّاليّة إلى مناهج تفكيرها بشكل أو بآخر، مثل الإشارة للأخطار الصحيّة التي يواجهها العمّال نتيجة اعتماد مواد سميّة والمطالبة بمباني «خضراء» من أجل النفع الاجتماعي وتحقيق الفاعليّة في الطاقة ...الخ. لكن رغم ذلك، لا يزال مناصرو البيئة يجدون ديناميات الرأسماليّة في قلب الدمار البيئي المعاصر، ويبقون غير قادرين على الوصول إلى استنتاج أنّ مناهضة الرأسماليّة هو الطريق لتخطي هذا الدمار والمضي قدماً. فحركات مثل «البساطة الطوعية» و «المدافعون عن النمو الصفري» و «تحويل المدينة»، تعترف جميعها بأنّ النموّ المستمر والتوسّع الاستهلاكي غير المتوقف هو المحرّك للدمار البيئي. لكن رغم ذلك فلا ترى أيّ من هذه الحركات أنّ النظام الذي يسعى العمّال إلى استبداله هو كنه نضالهم أيضاً.

ولكن في مقابل الحركة البيئيّة، فإنّ الراديكاليين يقعون أحياناً في مشاكل متعلقة بتوحيد الرؤى. فقد قالت نعومي كلاين في كتابها «هذا يغيّر كلّ شيء – الرأسمالية ضدّ البيئة» بأنّ ساعات العمل الأقصر يمكن اعتمادها كاستراتيجيّة هامّة للحدّ من تغيّر المناخ. وأوضحت في المقابلات التي أجريت معها بأنّ أسابيع العمل الأقصر يمكن أن تقلل حجم الاقتصاد، وبالتالي أن تحدّ من الدمار البيئي، وذلك أثناء السماح باستمرار الإنتاج الضروري. وهذا من جهة أخرى من شأنه أن يمنح الناس وقتاً أطول ليحيوا يطريقة أقلّ استهلاكيّة: مثل زراعة حدائق منزليّة أو طبخ الطعام في المنزل أو المشي وركوب الدراجة إلى مختلف الأماكن بدلاً من الاضطرار لركوب السيارة أو الحافلة. لطالما رددت جولييت شور ومنظمات مثل «شبكة استرجع وقتك» و «مؤسسة الاقتصاد الجديد» ذات الكلام لسنوات عديدة: بدلاً من أن يذهب «عائد الإنتاجيّة productivity dividend» (وهو الطاقة الإنتاجيّة الأقصى التي تنجم عن الزيادة المستمرّة في إنتاجيّة العمل) تجاه تحقيق ربح أقصى للرأسماليين، أو أحياناً إلى أجور أعلى، يمكن أن تؤدّي الزيادات السنويّة في إنتاجيّة العمّال إلى تقليص مقدار الوقت الذي يعمل به الناس، مع بقاء كميّة السلع والخدمات المنتجة دون تغيير. إنّها «تعبير عن الرضا voilá»، حالة اقتصاد مستقرّة.

وتثور المشكلة هنا في التالي: من سيطالب بساعات عمل أقل؟ هل سيقوم المجتمع بشكل طوعي، على مبدأ أخبر جارك، بالتكافل من أجل فعل هذا؟ إنّها قضيّة العمّال التي يصارعون من أجلها منذ بدأت الحركة العمّالية، والتي لا يذكرها أحد عند الحديث عن البيئة. الصراع على وقت الفراغ ومن أجل وقت عمل أقل. إنّ صراع العمّال ضدّ العمل ومن أجل وقت الفراغ هو حجر أساس في النضال من أجل الدفاع عن البيئة ضدّ النمو المستمر.

في المقال الكلاسيكي لعام 1967: «الوقت والانضباط في العمل والرأسماليّة الصناعيّة»، وصف ثومبسون كفاح العمّال الإنكليز اليومي ضدّ تنظيم الرأسماليين للحياة. قاوم العمّال من جميع الأنواع تعيين الوقت كممثل للعمل، ومقياس الوقت بوصفه مقياساً للعمالة. فقد كان الناس يدركون في ذلك الوقت أفكار بديلة للعمل وللوقت وللهوايات. في سياق دراسة المجتمعات السابقة للرأسماليّة حول العالم، وثّق مارشال سالينز ومن أتى بعده من علماء الأنثروبولوجيا كيفيّة إيلاء الثقافات الأخرى ثراء التفاعل الاجتماعي الأولويّة على ثراء البضائع الماديّة. ففي ما سمّاه سالينز: «مجتمع الثراء الأصلي»، كان الثراء يقاس بوقت الفراغ وليس بتراكم الثروة. ولتدعيم هذه الرؤية، فقد لاحظ المؤرخون الزراعيون أثناء بحثهم أيضاً بأنّ القدماء فهموا بشكل جيّد جدّاً آلية تدجين المحاصيل، ولكنّهم قاموا بشكل إرادي برفض أو بهجر الزراعة لكونها تحتاج ببساطة إلى الكثير من العمل، مفضلين على ذلك حياتهم غير الزراعيّة ذات الحريّة الأكبر، وذات وقت الفراغ الأكبر.

وكما كتب إيريك وولف في «أوروبا والشعب من دون تاريخ»، أنّ الاقتصادات الأوربيّة عشيّة التصنيع كان فيها العمل الصناعي مجرّد تكملة للعمل الأساسي في الزراعة، وكان على العمل الصناعي أن ينافس الأنشطة الترفيهيّة الأكثر إثارة بكثير مثل الأعياد والحياة العائليّة، ولهذا بحث منظمو الإنتاج الصناعي على طرق «لتطويع الأمزجة المقاومة للعمّال الذين اعتادوا على بذل الجهود بشكل غير منتظم»، وذلك على لسان أحد الصناعيين من عام 1835. فحياة العمّال التي وازنت ما بين الكفاف ووقت الفراغ، والتي أغاظت البرجوازيين، اشتملت على ما يكفي من الإنتاج الرأسمالي لإرضاء زعيم ما أو جابي ضرائب، وما يكفي ليقيم الأود، وليس أكثر من ذلك.

وكان إنشاء نظام عمل قائم على الساعات هو أوّل هجوم على حياة العامل المستقلة، ولم يصبح مطلب العمل لساعات أقل هو مطلب العمّال إلّا عند خسارتهم المعركة النضاليّة ضدّ قياس عملهم على أساس الوقت. ويبدو بأننا لم نعد ننتبه إلى حقيقة أنّ الحافز القديم للآمال البروليتاريّة بعالم أفضل، والذي تمّت صياغته في الماضي بتعظيم أوقات الفراغ وأوقات الهوايات، قد تمّ استبداله برؤية للاستهلاك الشخصي دائم الاتساع.

ورغم أنّ الحركة العمّالية، بما في ذلك نشطائها وأدباءها ومؤرخوها، قد بدت عمياء من ناحية البحث في مسألة مقاومة العمل والسعي نحو وقت فراغ أكبر، فإنّ الرأسماليين قد نظروا دوماً إلى «أخلاقيات وقت الفراغ» لدى الطبقة العاملة بوصفها تهديداً في منتهى الخطورة. إنّ الحروب التي تمّ شنها على الشرب والكسل، والعقوبات القانونية على التشرّد، والتدريب النفسي للأطفال على الطاعة والانضباط في العمل عبر المدارس، يعكس جميعه الهجوم الشديد على المقاومة البروليتاريّة للعمل.

تعتمد هذه المناورات تاريخياً على عقوبات وأدوات أكثر أساسيّة، مثل الهياكل الاقتصاديّة التي تهدد بالمجاعة والكوارث أولئك الذين لا يعملون. في القرون الماضية، وبعد أن أصبحت المعركة مع مرور الوقت أكثر وضوحاً، صمّم الرأسماليون الغربيون مستويات أجور منخفضة كي تجبر العمّال على العمل لساعات أطول. في السنوات اللاحقة وفي أجزاء أخرى من العالم، تمّ توظيف استراتيجيات متنوعة لإجبار غير الراغبين على العمل، ومن بينها فرض ضرائب ورسوم على الاقتصادات الإعاشيّة المنزلية من أجل إجبار الناس على المشاركة في الاقتصادي النقدي، ونزع حيازة الناس لوسائل عيشهم أو إنتاجهم من أجل قيادتهم للعمالة لصالح آخرين. ورغم كلّ ذلك، استطاع العمّال المجبرون على العمل أن يحافظوا على رؤيتهم الخاصة لوقت الفراغ والوقت الحر. وقد أدّت هذه الرؤية إلى تحميس العمالة المنظمة وقيادتها إلى النجاح في مسار تخفيض ساعات العمل، وذلك حتّى منتصف القرن العشرين حيث تخلّت الحركة عن هذا المطلب.

وبغض النظر عن الأسباب التي دفعت لتوقف المطالبة بساعات عمل أقل، وبغض النظر عن النقص الشديد في الأبحاث العمالية عن «أخلاقيات وقت الفراغ»، فدون وجود فضاءات وثقافة عامّة حيوية يصبح وقت الفراغ غير جذّاب. فعندما لا نأخذ أيام عطل لأننا لا نعمل ما الذي سنفعله بحياتنا خارج العمل، وعندما يصبح طلاب المدارس تواقين للعودة لأنّهم لا يملكون نشاطات ينخرطون فيها خارج المدرسة رغم كرههم لها، فيمكننا أن ندرك بأنّ السعي لتخفيض العمل لا يمكن أن يعتمد في انطلاقه على منطلقات فردية. يجب كبديل عن الفردية أن يتعاظم الدور الاجتماعي المجتمعي الموجود إلى جانب عالم العمل، لكي يزودنا بمنزل بديل وبشبكة علاقات بديلة وبهوية بديلة وبكوكبة من القيم والنشاطات والأهداف البديلة.

إنّ الحركة العمّالية وحدها هي القادرة على تحقيق تخفيض للعمل، وبالتالي تخفيف العبء عن الكوكب. وهذا من بين أشياء أخرى كثيرة يمكن لانتصار العمّال أن يحققها لصالح الكوكب.