الصين انتصرت في الحرب التجارية... دون أن تضطر حتّى للقتال!
 آدم غاري  آدم غاري

الصين انتصرت في الحرب التجارية... دون أن تضطر حتّى للقتال!

اتخذت الحكومة الصينية مؤخراً قراراً داخلياً في السماح وتشجيع دخول المزيد من البضائع والخدمات الأمريكية إلى البلاد. حصل هذا بعد الإرسال المتكرر للوفود الأمريكية إلى الصين، من أجل تجنب حرب تجارية أعلنها دونالد ترامب على شكل رسوم جمركية، شملت مجموعة واسعة من البضائع الصينية. قامت الصين بعدها بفرض رسوم مقابلة، وتحديداً على المنتجات الزراعية الأمريكية، في حركة تهدف من خلالها الصين لأن تكون لها اليد الطولى والموقف الأعلى في المفاوضات. ومع ذلك، فإنّ الوضع الذي ذكرناه يشير بالمحصلة إلى أن الحالة كانت «خاسر_ خاسر» وهو الأمر الذي طالما سعت الصين إلى تجنب حدوثه.

تعريب: عروة درويش
أفضل أنواع الحرب، هي التي لا يطلق فيها أيّ طرف طلقة، ويدعي كلا الطرفين بعدها بأنّه انتصر. إنّ وضع «رابح_ رابح» هو الوضع ذهبت إليه العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين حالياً، تحديداً على المدى القريب. وفي حين أنّه سيكون هنالك الكثير من التفاصيل التي يجب ترتيبها، ورغم أنّ احتمالية ظهور الخلافات مجدداً لاتزال قائمة وبشكل كبير، فإنّ أسوأ سيناريوهات «حرب ترامب التجارية» قد تمّ تخطيها. فالصين بتوصلها لهذا الاتفاق فهي غالباً ستعبّد الطريق لإنجازات «ربح_ ربح» التالية:
1_ بسماحها بالمزيد من الواردات من الولايات المتحدة، منحت الصين الأمريكيين الشيء الوحيد المعقول أن يأخذوه، وعليه فليس أمام الولايات المتحدة أكثر من أن تطالب وتسوق المزيد من الحجج من أجل الحصول على «الأكثر من النوع ذاته».
2_ كشفت الصين عن مدى ضعف الولايات المتحدة في حرب تجارية تبعاً لاعتماد رجال الأعمال والمستهلكين الأمريكيين بشكل كبير على المنتجات والسلع والخدمات الصينية. ففتح السوق الصينية أمام البضائع الأمريكية لم يكن أمراً قامت به مكرهة، بل أمراً فعلته من موقع قوّة.
3_ إنّ الاتفاق بالنسبة للصين ليس استسلاماً، بل جزءاً من عملية كاملة بدأت قبيل استلام ترامب للسلطة، حين بدأت الصين القويّة اقتصادياً تسعى لتحظى باستثمارات جديدة من الخارج. وليس ذلك لأنّ بنيتها التحتية بحاجة للمساعدة الخارجية، بل لأنّ اليوان يتحضّر لرحلته التدريجية ليصبح عملة تطفو بحرية، واستثمارات رأس المال الجديدة في الصين ستكون قادرة على المساعدة في إطلاق اليوان الطافي من منصّة إطلاق قويّة.
«خاسر_ رابح» أم «رابح_ رابح»؟
إن أخذنا الموضوع من ناحية اقتصادية موضوعية، فالوضع هو «ربح_ ربح»، كذلك الأمر فيما يخصّ كيفية تصوير كلّ بلد للاتفاق محلياً، ووضع حرب المعلومات الفريدة بين البلدين. ستفترض الصين بشكل محق، بأنّها طالما تملك أكبر سوق محلي في العالم، فهي مهيأة لأخذ البضائع من مجموعة كبيرة من الدول دون أن يشكل هذا الأمر تهديداً لنموها المحلي. وعلى المنوال نفسه فإنّ دونالد ترامب سيكون قادراً على القول بأنّه استطاع بشكل فريد بالمقارنة مع بقيّة الزعماء الأمريكيين الحديثين أن يجبر الصين على فعل شيءٍ ما، تريده الولايات المتحدة.
لكن إذا نظرنا إلى الأمر عبر إطار أكثر اتساعاً، فسيبدو لنا بأنّ الصين تفهم «فنّ الاتفاق» أكثر من مؤلف الكتاب الذي يحمل الاسم ذاته: دونالد ترامب. قارب الصينيون مسألة احتمال حدوث حرب تجارية بثقة كاملة، فالصين تعلم بأن لديها العديد من مراكز التأثير على اقتصاد الولايات المتحدة. فبعيداً عن كون الأمر «مؤامرة وطنية صينية»، حذرت غرفة التجارة الأمريكية الرئيس الأمريكي من هذه الحقيقة باستخدام لغة قويّة ملائمة.
وعلى النقيض من ذلك، لا يمكن للولايات المتحدة أن تطلب من الصين أكثر من السماح للمزيد من البضائع الأمريكية بالدخول إليها، مع مسألة تعزيز التعاون فيما يخصّ مسائل الحقوق الفكرية، وذلك رغم أنّ الصين قد عملت إلى حدّ كبير على وقف موجة مثل هذه النزاعات بطبيعة الحال، وكانت لديها النيّة لمواصلة القيام بذلك في المستقبل للكثير من الأسباب، وليس أقلها أنّ الصين يجب أن تنشئ أرضية قوية لبراءات الاختراع الخاصة بها، والتي باتت ترتفع بشكل مستمر كجزءٍ من حملة «صنع في الصين» التي أطلقها الرئيس تشي. وبما أنّ الولايات المتحدة هي في الوقت الراهن منتج صناعي أضعف من الصين، ولأنّ القاعدة الاستهلاكية الصينيّة الثريّة ترى العالم الآن كمركز تسوق لها، بالطريقة ذاتها التي كانت فيها الولايات المتحدة هي المستهلك في منتصف القرن العشرين، فلدى الصين القليل لتخسره، إن هي فتحت الباب للبضائع الأمريكية في الوقت ذاته الذي تجذب فيه الاستثمارات الأمريكية لتساعد على جعل «اليوان عملة مستقبلية عظيمة».
وعليه، فإنّ إعلان الصين قد ساعد على جعل الصفقة «رابح_ رابح» إذا ما أخذنا بالاعتبار حقيقة أنّ الولايات المتحدة كانت تفاوض على أرضية ضعيفة، وهي الحقيقة التي أقرّت بها كلّ مؤسسة أعمال أمريكية رئيسة قبيل إصدار ترامب لقرار الرسوم الجمركية العقابية. هذا قد يعطي العبرة لكلّ من يعادي الشراكة التفاوضية مع الصين، سواء أكان هذا الشريك هو الهند أو فيتنام أو الاتحاد الأوربي أو أجزاء من أمريكا اللاتينية أو إفريقيا، ونقصد هنا خصوصاً القوى المعرضة للدعاية الغربية المناهضة للصين.
ترك أوروبا في الخلف
في حين أنّ الصين هي شريك تجاري كبير لكلّ دولة ولكلّ كيان اقتصادي في العالم ومن ضمنها الاتحاد الأوربي، فإنّ الاتحاد الأوربي كان تقليدياً أقلّ ودّاً مع الواردات الصينية منه من الولايات المتحدة، ورغم ذلك وفي الوقت الحاضر فإنّ الاقتصاد الأمريكي في حال أفضل من اقتصادات أوروبا مجتمعة.
بقي الاتحاد الأوربي مصرّاً على الحفاظ على «الاتفاق النووي مع إيران» رغم تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الشركات الأوروبية إن هي استمرت بالتعامل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن أجل تحقيق ذلك، على الاتحاد الأوروبي أن يتعاون مع الصين وروسيا. سيعني هذا بأنّ على الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى إسقاط العقوبات ضدّ روسيا أن يسقط بدوره الرهاب من الصين من سياساته التجارية.
والآن وبما أنّ الولايات المتحدة التي كانت أسواقها بالفعل مفتوحة بشكل كلي أمام البضائع الصينية، قد توصلت إلى اتفاق تبادلي مع الصين بخصوص الواردات الأمريكية، فقد تركت أوروبا من جديد دون خيار سوى مناشدة الصين لتطوير علاقات شبيهة معها، سواء من أجل الاتفاق النووي أو والأهم، من أجل قدرة أوروبا على الحياة كتجمع اقتصادي قوي على المدى الطويل.
السياق الكوري
تسود الولايات المتحدة نظرية مؤامرة شهيرة بأنّ كوريا الشمالية هي مجرّد دمية بيد الصين، والتي بدورها تستخدمها لمقارعة الولايات المتحدة في شمال شرق آسيا، وهي نظرية لاتزال رائجة منذ عهد مجتمع جون بيرتش إلى روش ليمباو. لكنّ الحقيقة أنّ كوريا الشمالية لطالما كانت دولة مستقلة بشراسة وقد ربطتها تاريخياً علاقات بموسكو أفضل من التي ربطتها بمنافستها بكين طوال فترة الحرب الباردة، والولايات المتحدة في 2018 ستحتاج للاعتماد على الصين لرعاية عملية سلام كورية إيجابية.
والآن، وبما أنّ الصين قد أعطت الولايات المتحدة ما كانت تطلبه قبل أسابيع فقط من جدولة اللقاء بين كيم جونغ أون ودونالد ترامب في سنغافورة، فإنّ الولايات المتحدة لن تكون في موقعٍ يؤهلها لتقويض الجهود الصينية خلف الكواليس لضمان نزع السلاح النووي من كوريا «بشكل منطقي» وضمان المخاوف الأمنية لكوريا الشمالية بوصفها شرطاً مسبقاً لنزع السلاح النووي بشكل كامل.
والآن، وبما أنّ الصين قد منحت الضوء الأخضر للأعمال الأمريكية لتتاجر بنشاط في الأسواق الصينية الثرية والضخمة، فإن قرر ترامب أو جون بولتون أو نيكي هيلي أن يقولوا شيئاً ما، أو يفعلوا شيئاً ما، لتقويض عملية السلام من وجهة نظر الصين، فبإمكان الصين بسهولة أن تحوّل الضوء الأخضر إلى أحمر. سيقابل هذا الأمر احتجاجات من جانب قطّاع الأعمال الأمريكي الذي لا يريد ترامب أن ينفره قبل انتخابات الفترة النصفية في الخريف القادم في الولايات المتحدة، ممّا سيضع ترامب في وضع «خسارة- خسارة» في حال الإخفاق في التوصل إلى الاتفاق الذي تمّ الترويج له مع بيونغ يانغ، وهو الأمر الذي سيثير حفيظة الصين التي باتت تملك في كفّها أوراقاً قويّةً لتلعب بها.
بيان الاتفاق بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية:
«بتوجيه من الرئيس دونالد ترامب والرئيس تشي جينبينغ، دخلت_ في 17 و18 أيار في العاصمة واشنطن_ الولايات المتحدة والصين في مشاورات بنّاءة بخصوص التجارة. ضمّ وفد الولايات المتحدة أمين سرّ الخزينة ستيفن مونشين ووزير التجارة ويلبور روس والممثل التجاري للولايات المتحدة روبرت ليتايزر. وكان يقود الوفد الصيني نائب رئيس مجلس الدولة ليو هي المبعوث الخاص للرئيس تشي. وكان هنالك توافق على اتخاذ تدابير للتقليل بشكل جذري من العجز التجاري البضاعي للولايات المتحدة مع الصين. ولتلبية احتياجات الشعب الصيني الاستهلاكية المتنامية، وبسبب الحاجة لنمو اقتصادي عالي الجودة، ستزيد الصين بشكل كبير من مشترياتها للبضائع والخدمات الأمريكية. سيساعد هذا على دعم النمو والتشغيل في الولايات المتحدة. اتفق الطرفان على زيادة مهمة لصادرات الولايات المتحدة في مجال الطاقة والزراعة. سترسل الولايات المتحدة فريقاً إلى الصين للعمل على التفاصيل. كما ناقش الوفدان توسيع التجارة في البضائع والخدمات المصنعة. كان هنالك توافق على الحاجة لخلق ظروف مريحة لزيادة التجارة في هذه المناطق. أكّد كلا الفريقين على الأهمية الكبرى لحماية الحقوق الفكرية، ووافقا على تدعيم تعاونهما. ستطبق الصين تعديلات ذات صلة بالقوانين الناظمة لهذا المجال ومن ضمنه قانون براءات الاختراع. وافق كلا الطرفين على تشجيع الاستثمارات المتبادلة، وعلى السعي لخلق حقل منافسة عادل. وافق كلا الطرفين على الاستمرار في اللقاءات على مستويات عليا، للسعي لحلّ مخاوفهما الاقتصادية والتجارية بطريقة استباقية».

العصا والجزرة الصينية
تدبرت الصين أمر تفادي حربٍ تجارية لم تردها، وذلك عبر منح الولايات المتحدة والمراقبين النقديين والمستهلكين ما يريدونه، وكل ذلك بعد إثباتها لقدرة الصين على التأثير في الولايات المتحدة أكثر من العكس. وبالاستناد إلى توقيت البيان، فليست الصين وحدها قادرة على الفوز في حرب تجارية عبر تفادي وقوعها الجدي، بل إنّ جناح بولتون في البيت الأبيض الآن إذا ما أراد تخريب عملية السلام المتفق عليها في كوريا، فبإمكان الصين أن تسحب الجزرة على الفور مستعيدة العصا. هذه هي الإستراتيجية الصينية الكلاسيكية، وربما هي الأجدى من حيث أنّ خصوم الصين لن يتمكنوا من فعل شيء.