خصخصة الخدمات العامة... خسائر للمجتمع وأرباح للشركات
اتحاد نقابات الخدمات الأستراليّة اتحاد نقابات الخدمات الأستراليّة

خصخصة الخدمات العامة... خسائر للمجتمع وأرباح للشركات

يبيّن تقرير أعده اتحاد نقابات الخدمات الأسترالية، حول خصخصة الخدمات العامة وتأثيراتها: أنّ نسبة متزايدة من أموال دافعي الضرائب، التي كانت تُستخدم بشكل تقليدي من أجل الخدمات والبنية التحتيّة القيّمة، يتم تحويلها إلى منظمات جني الأرباح، وأنّ دافعي الضرائب قد تحولوا بشكل متزايد إلى «بقرة» حلّابة للنقود بالنسبة لمتصيدي الأرباح.

تعريب وإعداد: عروة درويش

لقد كانت بعض مؤسسات القطّاع العام ناجحة جدّاً في تحقيق إيرادات ثابتة إلى الحكومات المتعاقبة، لتحافظ على موازناتها عاماً تلو الآخر، ممّا مكّن الحكومات من موازنة الدعم وتمويل المدارس والمستشفيات، والأبحاث العلميّة، والإسكان العام ومساكن الأزمات، ومجموعة واسعة من الخدمات الأساسيّة. رغم ذلك، فإنّ السياسيين الأستراليين مستعدون بشكل متزايد لبيع المصلحة العامّة، والتخفّي وراء حجج زائفة من أجل التحايل وخصخصة الأموال العامّة. وذلك بالتعاون مع الشركات_ والحكومات في بعض الحالات_ الأجنبيّة، التي استحوذ نجاح شركات القطّاع العام على انتباهها.
هنالك أسباب قويّة، اجتماعيّة واقتصاديّة وديمقراطيّة وسلطويّة، تدعو للحفاظ على الملكيّة العامّة، وعلى التشغيل العام لمجموعة من الخدمات. ويعود ذلك لحدٍّ كبير إلى أنّ أهداف القطاع العام تختلف عن أهداف المنظمات الربحيّة. مثال: انظر القانون الناظم لعمل الشركات المملوكة للقطّاع العام في ولاية نيوويلز الجنوبيّة، والتي عاصمتها مدينة سيدني، إنّه يتضمن: شرط «النهج المسؤول اجتماعياً»، وأن تتطابق الأنشطة مع «التنمية المستدامة بيئياً»، فضلاً عن «المسؤولية عن التنمية الإقليميّة»، وغيرها من الالتزامات.

كذبة الكفاءة!
غالباً ما يلجأ دعاة الخصخصة إلى الادعاء بأنّها وسيلة لزيادة الفاعليّة والمنافسة من أجل تخفيض الأسعار. بيد أنّ نتائج الدراسات المكثّفة بشأن الخصخصة لا تزودنا بدليل يثبت هذا الادعاء. ويظهر عدد هائل من الدراسات، أنّ الخصخصة لا تحسّن الخدمات، ولا المنافع الاقتصاديّة. مثال: أظهر تقرير نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD» عن الخصخصة والتشريعات والمنافسة ما يلي: «تؤكد الدراسات الاختباريّة عدم وجود علاقة تلقائيّة بين الخصخصة وتحسين الأداء. لقد ارتبطت الخصخصة بتحسّن الأداء في بضع حالات فقط، ولم نسرِ عليها كلّها. إضافة إلى ذلك فإنّ التحسينات في الأداء تسبق غالباً عمليات الخصخصة، ممّا يترك مسألة الملكيّة غير ذات صلة».
في تقرير أعدّه «مركز التوظيف الكلّي والعدالة» في جامعة نيوكاسل، تمّ تلخيص نهج الخصخصة على النحو التالي: «لطالما تمّ تبرير الخصخصة منذ البدء بالوعود بتحقيق مكاسب أعلى، من حيث التكاليف، ونوعيّة الخدمات، بالمقارنة مع القطّاع العام. وبعد أن بدا واضحاً فشل حدوث هذا الأمر، فقد تحوّل التركيز إلى المبالغة في ضرورة بيع الأصول العامّة من أجل خفض أو تجنّب الدين العام».
كذبة الشفافية؟
يمكننا عبر دراسة حالة بيع بنك الدولة في ولاية نيوويلز، أن نقف على هذا الأمر، وسنستعين بعدّة دراسات وتقارير اختباريّة أجراها البروفسور، بوب والكر، مع الدكتورة بيتي كون والكر. حيث يظهر من هذه الدراسات، أنّ الحكومة أجرت عدّة عمليات بيع لصالح القطّاع الخاص، كان يجب أن تخضع لفحص دقيق، ناهيك عن كونها غير ناضجة. فقد تمّ في عام 1995 بيع بنك «فاهي» العام لصالح شركة «Colonial Mutual» الخاصّة بسعر رئيس يبلغ 576 مليون دولار.
وكان البيع مشروطاً بتحمّل حكومة ولاية نيوويلز مخاطر أكثريّة الديون المعدومة في سجلّ القروض البالغ 13 مليار دولار. وكان من المقرر أنّه بعد أوّل 60 مليون دولار في الديون المعدومة، أن يتم التعويض للمشترين عن 90% من الخسائر اللاحقة. ما لبث سعر البيع الرئيس أن تآكل بسرعة جرّاء دفعات التعويض، لتصل عائدات البيع الصافية في نهاية المطاف إلى ما بين 80 إلى 100 مليون دولار. لقد كان هذا الرقم أدنى من أرباح عام واحد للبنك، فقد سجّل البنك في عامه الأوّل بعد الخصخصة أرباحاً وصلت إلى 146,9 مليون دولار قبل الاقتطاع الضريبي.
وتمّ في عام 2000 تقييم ثمن بنك «فاهي» بسبب سعي شركة «colonial» للاندماج مع شركة «commonwealth bank» إضافة إلى مكتبين صغيرين في تسمانيا وفيجي، أي: بعد أقلّ من أربعة أعوام على خصخصة البنك، تمّ تقدير قيمته ما بين 2,5 مليار دولار و2,75 مليار دولار. أيّ: أنّ الدولة قد خسرت عند بيعها البنك العام أكثر من 2.5 مليار دولار.
لقد اعتبر بوب والكر وبيتي والكر: أنّ صفقة البيع هذه: «تستحق أنّ يتمّ اعتبارها واحدة من أسوأ الفضائح الماليّة في القرن الماضي. فخسارة الدولة التي بلغت 2,5 مليار دولار، عنت بأنّ البيع قد تمّ في الوقت الخطأ، وللأسباب الخطأ، وبالشروط الخطأ».
وليس هذا الأمر حالة عابرة، وهو لا يقتصر على أستراليا. ففي مثال من بلد الخصخصة: الولايات المتحدة الأمريكية، نشر «مركز المصلحة العامّة» في واشنطن قضيّة مواقف سيارات شيكاغو: حيث قام عمدة شيكاغو، ريتشارد دالي، عام 2008 بتأجير مواقف المدينة لمدّة 75 عاماً، لائتلاف الشركات الذي تقوده شركة «Morgan Stanley» بمبلغ 1,15 مليار دولار، وقبل أن يجفّ حبر الصفقة، أعلن المفتش العام للمدينة: أنّ المبلغ المدفوع أقلّ من المبلغ المستحق بمقدار مليار دولار على الأقل. علماً أن دالي بعد انتهاء فترته كعمدة، قد أصبح من كادر شركة «Katten Muchin Rosenman»، وهي الشركة التي كانت مسؤولة عن مفاوضات خصخصة مواقف المدينة.

خسارة تدفقات الدخل العامّة
من الجدير بالذكر، في مواجهة ادعاءات الخصخصة، أنّ العديد من الأصول العامّة تولّد تدفقات دخل مستمرّة، يدخل بعضها في موازنة الدولة، وبعضها في موازنة الحكومة المحليّة، وبعضها يبقى في المؤسسات العامّة. مثال: تذهب العائدات ومكافِئات الضرائب إلى موازنة الدولة من أجل إعادة توزيعها في الإنفاق على الخدمات الأخرى، مثل: الصحّة والتعليم. عندما يتمّ خصخصة الأعمال المملوكة للدولة، لن تكون الدولة مؤهلة بعد ذلك للحصول على هذه العائدات وعلى مكافِئات الضرائب. هذا ليس كلّ شيء، فهنالك أيضاً رسوم ضمان القروض، وهي لا تندرج مباشرة في الموازنة، وتقدّر في ولاية نيوويلز وحدها بحوالي 340 مليون دولار سنوياً. وهنالك أيضاً الأرباح غير الموزعة، والتي تقدّر أيضاً في ولاية نيوويلز وحدها بقيمة 2,6 مليار دولار.
وتمّ تبيين، أنّ عملية الخصخصة الجزئيّة للكهرباء في ولاية نيوويلز، التي تمّت عام 2010، تركت وستترك تأثيراً سلبياً على الموازنة. ففي مقابل المبلغ الذي حصلت الولاية عليه جرّاء الصفقة، وهو 347 مليون دولار، تظهر الورقة البحثيّة التي نشرت عام 2015 والتي تناولت الأرقام والتقديرات ما بين 2012 و2018، أنّ موازنة الولاية كان يتوقع أن تحصل على 7,075 مليار دولار من وكالات الكهرباء العامّة، ويأتي معظمها من الوكالات الشبكية عند 6,956 مليار دولار. وبالاعتماد على العائدات التي فاقت التوقعات عام 2013-2014، فإنّ البيانات تشير إلى أنّ الموازنة الكليّة كانت ستحصل على مبلغ يتخطّى مبلغ 7,438 مليار دولار.
وبخصوص التهرّب الضريبي وبيع الأصول العامّة، وفقدان حصّة الولايات والأقاليم المحليّة في هذه الضرائب، فالمثال الأفضل عليها هو: ما استعرضته مقالة نشرتها صحيفة «The Australian» في 17 آذار 2015، عن المعركة التي شنتها وزارة الضرائب الأستراليّة، بخصوص تحويل الأرباح وتقليل الضرائب على الشركات. وأفادت المقالة بأنّ الدولة المركزيّة قد خسرت 1,1 مليار دولار على شكال خسائر ضريبيّة، كجزء من عمليات الخصخصة. وبأنّ كلاً من الشركات العامّة المملوكة سابقاً للولاية «Spark Infrastructure» و«AusNet Services»  يجب أن تدفع عشرات ملايين الدولارات على شكل ضرائب متأخرة، كنتيجة للالتزامات بتمويل توسيع البنية التحتيّة والعقارات. وذلك بالإضافة إلى المعركة المستمرة مع الشركات المخصخصة وفقاً «لقانون مكافحة التهرّب الضريبي العام». وبيّن المقال: كيف أنّ الخصومات الضريبيّة والتهرّب قد سمحا للشركتين المخصخصتين بجني أرباح أعلى بكثير لصالح مالكيها خارج البلاد.
وأعلنت وزارة الضرائب الأستراليّة: «إنّ عمليات الخصخصة والاستثمار في البنية التحتيّة قد خلقت عدداً من المشاكل الضريبيّة: من انتشار مخاطر الضرائب التمويليّة، إلى خصم الضرائب على نفقات معينة، مثل: ضريبة أرباح رأس المال على بيع الأصول الرأسماليّة، والسماح الممنوح لرأس المال المستهلك».

هل يجب السماح بالاحتكار لغير الدولة؟
في السنوات التي تمّ فيها إنشاء وتطوير البنية التحتيّة في أستراليا، أدرك صانعو القرار، أهميّة الاستثمار في مشاريع البنية التحتيّة الكبرى. وبمرور الوقت، ساعد توفير الخدمات الهامّة، مثل: إزالة النفايات وتوفير المياه العذبة للمراكز السكنيّة الرئيسة، على تحسين الصحّة ومتوسط العمر المتوقّع للسكان المتزايدة أعدادهم.
ومن الواضح أنّ مؤسسات القطّاع العام، وهي الاحتكارات الطبيعيّة أو المهيكلة بشكل احتكاري، لا تناسب الأسواق المخصخصة لعدد من الاعتبارات، أهمّها: أنّ القوّة السوقيّة التي سيكتسبها المالك ستمنحه القدرة على إساءة استعمال سلطته لصالح جني الأرباح و لحملة الأسهم على حساب مصالح العامّة.
إنّ الشركات الخاصّة التي يُسمح لها بامتلاك أو بالسيطرة على هذه الأصول الهامّة، يمكنها أن تكون واثقة من تأمينها الحصول على تدفقات دخل ثابتة ومؤثرة بشكل نسبي في الاقتصاد العام. فالحكومة ستحرص على عدم السماح للسوق بالإخفاق، وبالتالي ستضطرّ لتزويد هذه الشركات الخاصّة بميزات وبدعم حكومي، وأيضاً بسلطة سوقيّة كبيرة.
يمكن للشركات التي تسيطر على الأصول العامّة، أن تتحصّل على عقود_ في مناطق الاحتكارات الطبيعيّة_ تعزز من هيمنتها على الأسواق، ممّا يناقض حتّى أبسط ما يروّج له دعاة الخصخصة من المنافسة. إنّ الدول الأخرى التي حدثت فيها خصخصة احتكارات الدولة، مثل: توليد الكهرباء وتوزيعها، أو المياه وتوزيعها، قد شهدت ارتفاعاً كبيراً في التكاليف، ومجموعة من المخاطر الأخرى. وكما صاغ البروفسور، جون كيغين، الأمر عندما تمّت خصخصة الكهرباء بشكل جزئي: «إنّه أمر غير مبرر وغير مسؤول».

المياه مثال
إنّ إدارة الماء في أستراليا هي عمليّة معقدة تمرّ بخمسة مستويات: المستوى القومي، والعابر للحدود، والمحصور في حدود المقاطعات/الولايات، والإقليمي والمحلي.
ورغم الدراسات الأكاديميّة العديدة، والتحذيرات الشعبيّة، التي تبيّن خطورة خصخصة المياه، سواء على المجتمع أو على البيئة، فإنّ نغمة الخصخصة بدأت تسري في الدوائر السياسية للبلاد منذ عام 1994. وقد تركّزت هذه المحاولات في عهد حكومة أبوت عام 2014، عندما نشرت هيئة التجارة الأستراليّة ورقة تقول فيها: أنّ الحكومة الأستراليّة ترى في خصخصة المياه، فرصة للسماح للقطاع الخاص بالمشاركة في تدعيم البنية التحتيّة للبلاد. وبالفعل تمّ اتخاذ بعض الخطوات الفعليّة تجاه الخصخصة، فقد طُلب من «مكتب الحياة»، الذي أنشئ في ولاية فيكتوريا عام 2012، بأن يهيئ خطّة لإدماج خدمات المياه في مدينة ملبورن في جسد واحد وتغيير الطرق التي تدار بها المياه في ولاية فكتوريا. وأدّى هذا إلى قلق في المجتمع المحلي بسبب التقارير عن تضارب المصالح مع الترتيبات الأهليّة.
وتمّ في 2014 توسيع دخول القطّاع الخاص في قطّاع المياه العام، ومثاله: الشراكة بين الخاص والعام في معمل «مونداري» لمعالجة المياه في غربي أستراليا، والذي يمتد إلى 35 عاماً. ويتضمن هذا المشروع التصميم والبناء والتشغيل والتمويل، ويقدّر بقيمة 360 مليون دولار.
كما أنّ هنالك شركتين فرنسيتين متعددتي الجنسيات «Suez Lyonnaise des  Eaux»  و «Vivendi» تستمران في الهيمنة على المياه على المستوى العالمي. فقد كانتا تسيطران في عام 2002 على ثلثي سوق البنى التحتيّة للمياه العالميّة في أكثر من 100 دولة، وهما نشطتان كذلك في قطّاعات صناعية عدة أخرى عبر الكثير من الشركات التابعة لها. وقد أنشأت هاتان الشركتان مجموعات ضغط حكومي تابعة لهما، من أجل الضغط ناحية خصخصة المياه الأستراليّة. مثال: قامت شركة «فيفيندي»، عبر التعاقد من الباطن، بالسيطرة على أسهم شركة «المياه المتحدة» العامّة التي تدير المياه في مدينة أديليد، كما أنّها تشغّل منشآت أخرى في ولايات أخرى وقامت بالاستيلاء على عدّة شركات نشطة عبر أستراليا، مثل: شركة «Filter Corporation».
وحاولت المجتمعات المحليّة، أن تعترض على عمليات الخصخصة، على أساس أنّها ستؤدي إلى رفع الأسعار، وإلى انخفاض الإشراف ونوعيّة المياه المقدمة، وأنّ امتلاك الشركات الأجنبيّة، سواء عبر التعاقد من الباطن أو بشكل مباشر، سيؤدي إلى خسارة أمان العمل، وإلى خسارة الشركات المحليّة والعمالة المحليّة للتدريب والمهارة اللازمة، وإلى تقويض الديمقراطيّة المجتمعيّة. ويبيّن البحث الذي أعدّه، مايك بادون، بالتعاون مع «مجلس النقابات الأسترالي» كيف أنّ نشاطات الشركتين الفرنسيتين «ليون دو أوكس» و«فيفيندي» قد قوّضت الديمقراطيّة المحليّة بالطرق التالية:
- الضغط على المؤسسات الديمقراطيّة: تشترك الشركات متعددة الجنسيات مع الوكالات الدوليّة، مثل: البنك الدولي والمؤسسات الإقليميّة على شاكلته، بالضغط على الحكومات لقبول برامج خصخصة ذات شكل معين. ومثال ذلك: القرض الذي أصدره بنك التنمية وإعادة الإعمار الأوربي عام 1995 بقيمة تسعين مليون جنيه إسترليني من أجل دعم الخدمات البلديّة في بلدان وسط وشرق أوروبا الشرقيّة. ذهب المبلغ إلى خزائن شركة «ليون دو أوكس» وليس إلى الدول أو الحكومات.
- المحسوبيّة والفساد: لقد أدّت عمليات الخصخصة الفرنسيّة التي انتشرت في وسائل الإدارة إلى انتشار الفساد بين المسؤولين عن الشركات. ففي عام 1996 تمّ الحكم على عمدة ووزير في الحكومة ومدير في شركة «ليون دو أوكس» بعقوبة الحبس جرّاء تلقي ودفع رشاوى للحصول على عقود المياه لصالح شركة تابعة في مدينة غرينوبل. وكذلك تمّت إدانة المدير التنفيذي لشركة «جنرال دو أوكس» لرشوته عمدة سانت دينيس من أجل الحصول على عقود المياه. وتمّ التحقيق في أعمال كلتا الشركتين بتهم الفساد في بناء المدارس في المناطق التابعة لباريس.
- فساد القضاء المحلي: حاولت كلتا الشركتان تجنّب المساءلة أمام المحاكم المحليّة عندما صعدت قضايا العقود إلى السطح. فعندما حاولت حكومة إقليم توكمان الأرجنتيني أن تبطل عقداً بدواعي الفساد، أصرّت شركة «فيفيندي» أن يتمّ التقاضي خارج البلاد. وقد نصّ امتياز المياه الذي تمّ منحه لكلتا الشركتين في بيونس آيرس أن تتمّ عمليات التقاضي الناشئة عن النزاعات التعاقدية أمام المحاكم الفرنسيّة وليس الأرجنتينيّة.
- الاتفاق على التنافس: أصدر مكتب مراجعة الحسابات الرسمي الفرنسي عام 1997 تقريراً بشأن مجال أعمال المياه، يشير إلى مجموعة واسعة من المخالفات التي قامت بها الشركتان وغيرهما. وتتضمن هذه المخالفات التنسيق المسبق في زيادة كشوفات تكاليف المشاريع، وزيادة الأسعار، وتفشي الفساد، واستخدام التكتيك غير القانوني المسمّى مدفوعات الدخول، التي تقوم الشركات عبره بدفع المال إلى المجالس للفوز بالامتياز، حيث كشف حدوث الأمر في مدينة سانت إيتيان وفي مدينة باندول-سافري.



المعركة مستمرة
إنّ ما ذُكر ليس إلّا جزءاً يسيراً من الدراسات والاعتراضات والبيانات الاختباريّة والتجريبيّة عن فشل الخصخصة في تحقيق أيّ نفع للعامّة. فالخصخصة تخدم النخب الثريّة في تكديس الأرباح على حساب: إفساد المجتمعات المحليّة وتأهيل العمالة والتكاليف المعقولة والاعتبارات البيئيّة وجودة الخدمات، والقيام بإخراج الأموال العامّة إلى الخارج وتقليص السيطرة الديمقراطيّة وعدم الشفافيّة ...إلخ. لكنّ المعركة لا تزال مستمرّة من أجل الحفاظ على ما تبقّى من القطّاع العام، واستعادة ما تمّت خصخصته، كما حدث في العديد من البلدان التي بدأت فعلياً بالتراجع عن عمليات الخصخصة التي أثبتت فشلها لديها، مثال: فرنسا التي تعيد تأميم مياهها، وبريطانيا التي أمامها الفرصة عند خروجها من الاتحاد الأوربي، بأن تتخلّص من كون خطوطها الحديديّة هي الأعلى ثمناً في أوروبا، بعد خصخصتها في نهاية التسعينيات. لقد انطلقت في جميع أنحاء أستراليا حملات ضدّ الخصخصة، كحركة «ليست للبيع» التي أطلقتها فروع اتحاد نقابات الخدمات بالتعاون مع المجتمعات المحليّة، والتي تشكّل مثالاً على النشاط المجتمعي المناهض لتدابير الخصخصة، والرافض لتقليص حجم القطّاع العام. ومثلها انطلقت العديد من الحركات النقابيّة والمجتمعيّة في ولايات أخرى.