بعض دروس انهيار الاتحاد السوفيتي نجحت الإصلاحات وانهار الاتحاد السوفيتي تحت غطاء التوجه لاقتصاد السوق

 - إنّ أحد أهم نقاط الضعف في المنظومة السوفيتية كان عدم الانسجام الكبير بين السلطة والملكية. لقد امتلك الناس الذين قادوا الاتحاد السوفيتي، في واقع الحال، سلطة كبيرة، بل مطلقة عملياً، أداروا وتصرفوا بخيرات بلادنا، لكنّهم لم يملكوا هذه الخيرات بأنفسهم، بل إنّهم لم يحوزوا على الملكية الخاصة. لقد كان مستوى حياة قادة البلاد (في المعنى الواسع لهذه الكلمة) أعلى من مستوى حياة بقية أبناء الشعب، لكنّه أدنى بكثير من مستوى حياة قادة البلدان الأجنبية. لم تكن سيارة "الفولغا" السوداء بمستوى «المرسيدس». ولم يعادل البيت الصيفي في ضواحي موسكو الفيلا في جزر المحيط. كما أنّ أعضاء النخبة الحزبية استخدموا البيوت الصيفية وبيوت الراحة، والطائرات، والسيارات، وغيرها، طالما كانوا يمارسون مهامهم في المناصب العليا.

ما أن يفقد المنصب حتى تفقد السيطرة على الملكية. الملكية تتوارث، أما المنصب فمن المستحيل وراثته. لم يصبح ابن ستالين أميناً عاماً. على ماذا كان حتى الموظف الحزبي الكبير أن يعتمد بعد استقالته؟ أعلى المصانع؟ كلا. على مناجم الذهب؟ كلا. أم على آبار النفط؟ كلا أيضاً. حكومة الثلاث السوفيتية الكلاسيكية هي: شقة مريحة، وسيارة، ومنزل صيفي ـ وهذا، إذا فكرنا ملياً، شيء زهيد، بالمقارنة مع ما تمتلكه نخبة جمهوريات الموز التي ظهرت عندنا، وبالمقارنة مع ما تمتلكه نخبة الدول المتقدمة. ويتفوق «رجال الأعمال» المعاصرون على أي مسؤول حزبي في الجمهوريات السوفيتية السابقة، أما الطغمة المالية فتتفوق على الأمين العام نفسه.
لقد فهمت النخبة السوفيتية ذلك جيداً، ولم تناسبها هذه الحالة. الإنسان بطبعه ضعيف، وإن مرت من بين يديه الملايين بل ومليارات الروبلات (الدولارات)، فالغواية ستكون كبيرة. لقد أخذت المحظورات التي تراكمت في البنية السوفيتية تجتذب جزءاً من النخبة. لكن عملية إعادة ولادة النخبة جمدت كثيراً، لأنّ الاتحاد السوفيتي تطور في وسط معادٍ. كان الوضع في الثلاثينيات حاداً، لدرجة أنّ الجميع فهموا، ووعوا ضرورة التحديث الشامل ـ وتبنى الجميع مسألة التصنيع. كما عرف الخونة الكامنون والمحتملون بأنّ أمن البلاد واستقلالها هو ضمانة وجودهم. ففي حال انتصار الألمان، على سبيل المثال، على الاتحاد السوفيتي، فستنتقل الملكية إلى الألمان، أولاً، وسيتم إعدام جميع الشيوعيين ثانياً. لذلك يجب شد الحبال، وتأجيل عملية تنفيذ خططهم إلى المستقبل. علماً بأنّه وحسب عدد من المعطيات غير المباشرة، يمكن الحكم بأن عدداً من المستعجلين غير الصبورين، لم يريدوا الانتظار! ولقد تم إعدام هؤلاء، لكن ليس من قبل الألمان. لكن، أكرر، الغالبية العظمى من النخبة لم تقدم على «البيرسترويكا» في الثلاثينيات. فضلاً عن أنّ القسم الأكبر من النخبة كانت زاهدة متنسكة، لأنّها خرجت من القاع، وحلم كثيرون منها بالثورة العالمية، وتحدثوا عن بناء الشيوعية بشكل جدي. أي كانت تلك نخبة فتية، لم يكتس عظمها، ولم تفقد عناصر القداسة. وبالتالي فالتناقض بين السلطة والملكية لم يصبح حتمياً في المرحلة الستالينية للاتحاد السوفيتي.

 2 - انتهت مشاريع وأعمال تصنيع البلاد، وبناء التعاونيات، والحرب، وإعادة البناء فيما بعد الحرب. تم اختراع القنبلة النووية، ووضعت عملية تصنيعها في مجراها المحدد. كان للقضية الأخيرة أهمية مفتاحية، لأنّ هذه الحقيقة، إن لم تكن قد ضمنت، فبالحد الأدنى رفعت بحدة مستوى أمن الاتحاد السوفيتي. كانت الحرب النووية في ذلك الحين ستقود إلى خسائر فظيعة لأي قوة نووية عظمى، لدرجة أنّ الحرب كانت دون معنى. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتفوق في كمية القنابل النووية التي كانت تمتلكها، لم يقرر الأمريكان الهجوم. في المحصلة، أنجزت الستالينية، التي تعد نظيرة للتجييش والتعبئة العامة، مهمتها التاريخية، ولم تكن هناك حاجة لتصبح نخبة. مات ستالين نفسه، وقد يكون قتل من قبل النخبة بالتحديد. وضعفت الرقابة الصارمة على النخبة وعلى المجتمع.

 3 - لقد نما الاتحاد السوفيتي بشكل ديناميكي، وازداد غنىً. وإذا كانت سابقاً جميع موارد وخيرات البلاد تصرف لتأمين القدرات الدفاعية للبلاد، فقد ظهرت الآن إمكانية تأمين حياة مريحة للسكان. أي سمحوا للناس أن يصرفوا على أنفسهم أكثر بكثير مما كانوا يصرفون سابقاً. وعنى ذلك نمو الوزن الفعلي لأولئك الذين يوزعون الموارد والخيرات. فمن يملك السيطرة والوصاية وحق التصرف بالموارد، هو من يستلم السلطة حتماً. لقد أصبحوا وكلاء بين السلطة الرسمية العليا، وباقي الشعب. أتحدث عن الموظفين والعاملين في التجارة ومجال الخدمات. لقد تحول هؤلاء بسرعة إلى مجموعة اجتماعية غنية ومؤثرة جداً. كما ولدت فكرة وسط هذه المجموعة مفادها أنّ إدارة المتجر أمر ـ جيد ومربح، ومع ذلك، فامتلاك المتجر أكثر متعة، للأسباب التي ذكرناه أعلاه نفسها. ظهر تطابق في الاهتمام والمصالح لدى المجموعات المؤثرة جداً. فضلاً عن أنّ النخبة الحزبية وشريحة التجار تشابكا بحميمية. ظهرت في تلك القطاعات من الاقتصاد التي يصعب عملياً مراقبتها (في القطاع الزراعي بالدرجة الأولى) ظهرت بضائع غير محسوبة (منتوجات)، تم تصريفها لاحقاً من خلال الشبكة التجارية الحكومية وأسواق الكولخوزات. أي نما الاقتصاد الموازي. احتاج المجرمون الصناعيون (أصحاب الورش السرية)، والمافيات التجارية إلى غطاء، لذلك بحثوا عن سبل إفساد الحزبيين بدءاً من الحلقات الدنيا. ووسعت سلطة الظل تأثيرها بالتدريج. لا داعي للظن بأنّ هذه العملية جرت بسلاسة وسهولة، ولم توجد أية قوى تقاومها. وجد في قيادة البلاد رجال دولة مخضرمون ونزيهون حكموا لفترات طويلة، لكنّهم تخلوا عن مواقعهم بالتدريج. حل محلهم أناس جدد، ذاقوا طعم الرفاهية، والحياة الآمنة الرغيدة. كانت «حصانتهم» أمام البهرجة، والرغبة في حيازة الملكية الخاصة أضعف. ومن الضروري التذكير بأنّ جزءاً ليس كبيراً من الانتيلجنتسيا لم يكونوا مرتاحين من وضعهم في المجتمع. وعلى الرغم من قلة عددهم إلاّ أنّهم كانوا ذوي هيبة وتأثير. اجتمعت العوامل أعلاه، وظهر أثر صداها.
وضعفت آليات الدفاع عند الشعب. وانطفأت بالتدريج شعلة القداسة (قداسة الفكر الثوري). أخذت الروح البطولية الثورية، ونهضة الثلاثينات، وانتصار الأربعينات تثير لدى كثيرٍ من ممثلي الجيل الجديد عدم الاستيعاب أولاً، ومن ثم عدم الفهم، وبعدئذ الشك. يمكن شرح ذلك إلى حد بعيد من خلال نظرة على الخسائر الديموغرافية. نعرف جيداً المبدأ القائل: «الأفضل يموت أولاً». يذهب الشجاع طواعية إلى الجبهة ويستشهد. يذهب البطل إلى الحرب ويستشهد. المتفاني يقدم آخر قطعة خبز للجياع ويموت جوعاً. أما الجبان والانتهازي فيقوم بكل ما يستطيع كي يبقى في المؤخرة يأكل، ويتحاشى أي عمل صعب حفاظاً على صحته. يعيش، ويترك أحفاداً، يربي أولاده على أخلاقه، وينقل إليهم نموذجه في السلوك. لقد كان النصف الأول من القرن العشرين تقطيعاً وبتراً مستمرين لقوى الشعب. البطولة الجماعية ـ هي موت جماعي لخيرة وأفضل الناس. لقد فقدنا الجزء الأهم من الأمة، وترعرع ما اصطلح على تسميتهم بالانتهازيين.
تبنى جزء من النخبة الحزبية في أيام خروشوف نهج تغيير البنية السوفيتية. دعمتها سلطة الظل. هدفها ـ الانتقال من قادة ومديرين إلى ملاك لملكية الدولة.

 4 - وهكذا، بدأ في أعماق السلطة، يتراكم مشروع التغيير الجذري للمنظومة السوفيتية. لكن تحقيق هذا المشروع أمر صعب. يتلخص الخطر الرئيسي في أنّ الشعب، الذي يقوده الجزء الوطني من النخبة أو النخبة ـ المضادة، يكنس النخبة المعادية للسوفيت. ما العمل؟ من الضروري العمل أولاً لعدم ظهور نخبة ـ مضادة جديدة موالية للاتحاد السوفيتي، وثانياً، من الضروري أن تتولد الرغبة لدى الشعب في التخلص من البنية السوفيتية. وبذلك يبقون هم بالذات في الظل. وفي سنوات الستينات بدأت عملية الضغط المصطنع لعدم الرضى عند مختلف المجموعات الاجتماعية. كان الهدف الأهم عند الخونة جعل الانتيليجنتسيا معادية للسوفيت. لذلك جرى استعراض الأمور وكأن الانتيليجنتسيا تتعرض لسلسلة من الاهانات. أخذوا يهينون الانتيليجنتسيا، ويذلون من مكانتها. من المعروف أنّ الانتيليجنتسيا أيام ستالين كانت تتمتع بمكانة وحضور رفيعين، وباحترام، من هذه الشريحة بالتحديد كان بالإمكان ظهور النخبة ـ المضادة والدعامة الجديدة للدولة السوفيتية. لهذا السبب تستخدم النخبة المعادية للسوفيت بسرعة مبدأ المساواة (التسطيح على مستوى واحد) مع الانتيليجنتسيا، وتسوق الانتيليجنتسيا قسراً لـ«جمع البطاطا، ومجمعات الخضار»، وتخترع كثيراً من الأكاذيب عن المثقفين، وتفتتتح لهم العديد من أماكن العمل، حيث يجري تشويه العمل الذهني. هكذا تظهر مجموعة من المعدمين، المستائين من حياة الناس، يمتلكون كبرياء وعزة نفس، ورفض ومعارضة لمستوى النخبة المفكرة في المجتمع، والذين تتوارى الانتيليجنتسا البناءة بينهم. إنّهم يولدون الشك من قبل باقي أبناء الشعب، ويعتبرونهم طفيليين حقاً، وتنسحب هذه العلاقة على النخبة المثقفة والانتيليجنتسيا الحقيقية، التي تتشبع تدريجياً بالكره ليس للسلطة بل للنظام والبنية. تموه هذه السياسة بالشعارات الماركسية، حول الدور الطليعي للبروليتاريا، وتعزز بمقاومة الجزء الوطني من النخبة الحزبية، التي كانت في حينه قد هرمت وتكلست، ووقعت فريسة الجمود والدوغماتية. فضلاً عن أنّه يتم قمع أية محاولة من قبل الانتيليجنتسيا لتحليل بنية المجتمع السوفيتي. يخشى ممثلو النخبة المعادية لسوفيت، من أنّ مثل هذه البحوث تؤدي إلى كشف مخططاتهم، فيتخذ المجتمع إجراءات عقابية ضدهم. لهذا السبب يلجأ الجميع إلى طلاء نشاطهم وأعمالهم بكثير من ألوان الدجل والشعوذة الماركسية الكاذبة. ويزداد الوضع تعقيداً لأنّه يجري إعلان الماركسية لأيديولوجيا الرسمية، وأية محاولة للخروج عن إطارها، من قبل النخبة المعادية للسوفيت تعد خيانة وطنية، ويطارد العلماء الحقيقيون.
لهذا السبب يلاحظ ظهور الركود أولاً في مجال العلوم الاجتماعية، ومن ثم يظهر الانحطاط السريع. لقد تمت فبركة واصطناع الأزمة الأيديولوجية. لقد تم ملء الفراغ الأيديولوجي جزئياً بالمؤلفات الفنية والأدبية المعادية للسوفيت. وهنا نخرج إلى ما يسمى بالعامل اليهودي. على سبيل المثال في مجال صناعة السينما السوفيتية، كما هو الحال على سبيل الذكر الأمريكية، هيمن اليهود. والانتيليجنتسيا اليهودية بأغلبيتها كانت معادية للسوفيت. الشعب اليهودي، شعب ـ عشيرة، شعب ـ الأسرة، عانى كثيراً من حقيقة وواقع أنّ ستالين أزاحه عن السلطة، لقد استخدموا سلاح الدعاية للوصول إلى أهدافهم. كان لأغلب الأفلام السينمائية السوفيتية معنى مبطناً معادياً للسوفيت. كما هيمنت الحالة نفسها في المسرح السوفيتي، الذي سمح له أن يكون معارضة علنية.

5 -  يتم خلق حالات الحياة غير المريحة بشكل واع، ولا تتم معالجتها. على سبيل المثال «المحال التجارية» الستالينية المشهورة، التي جرت التجارة فيها بزيادة إضافية، ولذلك لم يعان المواطنون فيها من مشكلة الوقوف بالطابور، وزيادة حدة الفرق في ميزان العرض والطلب. فرض حالة «العجز» الدائم، أي زيادة الطلب على العرض من أجل خلق حالة عدم الرضى في المجتمع، كما كانت سلطة الظل مثمرة ومربحة جداً لممارسيها، والمافيات التجارية، بالمعنى الواسع للكلمة. تحول المبدأ المعلن والقائل بـ «التوزيع المتساوي»، إلى مبدأ: «أنت تمتلك ما توزع». أي حاز البائعون أنفسهم على البضائع بالأسعار المخفضة، وما يتبقى يصل إلى الشعب. هذا ما عجل في ظهور المضاربة، والانتهازية، وزاد من الدخل الفعلي والسلطة الفعلية لمجموعة الظل الاجتماعية التجارية.
إليكم وقائع من السجل الذاتي لأكبر الطغم المالية الروسية، الذي عدهم الشعب خطأ، مبادرين لـ"لإصلاح". وأنا أريد البرهان على أنهم وجوه صورية مستعارة. أحكموا بأنفسكم.
إبراهيموفيتش. ولد في عام 1966. في نهاية سنوات الثمانينيات، أي عندما بلغ من العمر ما يزيد عن عشرين عاماً بقليل، قاد تعاونية "أويوت". وفي سن السادسة والعشرين وضع تحت الحراسة وفق المادة 90 من لائحة العقوبات في روسيا الفيدرالية نظراً للاشتباه به في القيام بسرقة  55 عربة قطار محملة بالوقود من مصفاة أوختينسكي لتكرير النفط، بما يعادل ما مجموعه 4 مليارات روبل. لكن، انتبهوا، خرج كل شيء من اليد وانتهى الأمر، وخلال عام أصبح إبراهيموفيتش يمتلك شركة أ.ر. «ميكونغ»، التي تاجرت بالنفط. وشكل صديقاه القديمان في تعاونية «أويوت» (شيفيدلر وأويف) شكلا لاحقاً حلقة القيادة «سيبير نفط».2
خاداركوفسكي. ولد في عام 1963. في عام 1986 أنهى دراسته في معهد مندليف في موسكو، عندما بلغ الثالثة والعشرين من العمر شغل منصباً في الكومسمول، وبدأ بتجارة الكومبيوترات. في سن السابعة والعشرين يؤسس مصرف "ميناتيب" ويبدأ بشراء المجمعات الكيميائية ومؤسسات التعدين. يمول الصفقات بالقروض الحكومية قصيرة الأجل، أو بالأموال التي يحصل عليها من الخارج. خلال خمس سنوات يحصل على 78% من أسهم شركة «يوكوس» النفطية العملاقة بما يعادل 350 مليون دولار أمريكي.
غوسينسكي. ولد في عام 1952 في موسكو. في عام 1986 عندما بلغ الرابعة والثلاثين من العمر، أسس مع بوريس خايتم تعاونية «المعادن»، التي أنتجت مختلف أنواع المواد ـ من الأسوار النحاسية، والحلى النسائية، وحتى الكراجات المعدنية. في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 1989 تم تأسيس مصرف موست ـ بنك الذي ترأسه غوسينسكي، برأسمال مقداره (18 مليار و25 مليون روبل). دخل موست ـ بنك في حينه في عداد العشرات من البنوك التجارية في روسيا، وأصبح أحد البنوك ذات الصلاحية من قبل حكومة موسكو.
حاولوا أن تقودوا في سن السادسة والعشرين مصنعاً عملاقاً. حاولوا في سن السادسة والعشرين أن تخضعوا للاتهام بالسرقة، وتخرجوا من الماء دون بلل، وفي سن السابعة والعشرين القيام بتجارة النفط. حاولوا أن تبدأوا عملكم بتأسيس تعاونية، وخلال بضع سنوات، في سن الثانية والثلاثين دفع 350 مليون دولار لشراء شركة نفط. هل تصدقون ذلك؟ هل نسيتم تحت إشراف وإدارة من كانت تمارس التجارة الخارجية في الاتحاد السوفيتي؟ فكروا كيف استطاع شاب يافع في سن الثالثة والعشرين أن يمارس تجارة الكومبيوترات. هل تصدقون أن هؤلاء الأغرار كانوا لصوصاً لتلك الدرجة التي استطاعوا بفضلها أن ينهبوا ذلك القسم الكبير من الملكية؟ ليكن الله معكم!
يخرج بيرزوفسكي قليلاً عن السلسلة العامة . فهو أكبر عمراً (ولد في عام 1946) أسس في عام 1989 أ.و «لوغوفاز»، في المرحلة الأولى تأخر قليلاً عن زملائه في الطغمة المالية، لكنّه لاحقاً عوض ما فاته.
هؤلاء شخصيات صورية! «حملوهم» المسؤولية، سجلوا الملكية بأسمائهم، أما ملوك ـ اللعب الحقيقيون فقد بقوا في الظل. إذا حصل طارئ فغضب الشعب سوف ينصب على الشخصيات الصورية، أما المنظمون الحقيقيون، ومروجو «الإصلاحات» فيتملصون. في الحقيقة، ليس مستبعداً، أن يقوم «الصبية» بعد أن ينموا بخيانة المتسترين عليهم في مرحلة ما، ويستولوا على السلطة ويتمسكوا بها بأيديهم. ليصبحوا ليسوا ملاك أسميين بل حقيقيين. هذا أمر ممكن مبدئياً. لكنهم في تلك السنوات كانوا شخصيات صورية مستعارة.
تجري الأمور بشكل مماثل مع سياسيي ـ الإصلاحات الجماهيريين.
تشوبايس. ولد في عام 1955. في عام 1990 (عندما بلغ الخامسة والثلاثين من العمر!) عين نائباً، ومن ثم النائب الأول لرئيس اللجنة التنفيذية لمجلس سوفيتات لينيغراد، والمستشار الرئيسي لعمدة مدينة لينيغراد سوبتشاك. ومنذ عام 1991 ـ رئيس اللجنة الحكومية في جمهورية روسيا الفيدرالية لإدارة الملكية الحكومية. في عام 1992 عين النائب الأول لرئيس وزراء روسيا الفيدرالية لشؤون الاقتصاد والسياسة المالية.
غايدار. ولد في عام 1956. قاد في الفترة ما بين عامي 1987 و1990 القسم الاقتصادي في صحيفة «الشيوعي»، في عام 1990 أصبح رئيس تحرير القسم الاقتصادي في صحيفة الـ"برافدا". في عام 1991 (عندما بلغ الخامسة والثلاثين من العمر!) عين نائب رئيس وزراء روسيا الفيدرالية. وفي عام 1992 . عين رئيس مجلس وزراء روسيا الفيدرالية.
شاهراي. ولد في عام 1956. في عام 1991 (في سن الخامسة والثلاثين!) ـ عين نائب رئيس وزراء روسيا الفيدرالية. قاد اللجنة الحكومية الروسية لشؤون السياسة القومية، وزارة العدل، وزارة الداخلية، ووزارة الأمن الروسية.
يمكن متابعة اللائحة، لكن هل من داع لذلك؟
 
استنتاجات نهائية:
اصطلح على الحديث في وسط المعارضة على أن الإصلاحات انهارت. وأن الإصلاحيين، غير مختصين، وقليلي الفهم، ولا يعرفون المجتمع الذي يعيشون فيه، جاهلين، ودغماتيين إلخ... يجب وقف مثل هذه الأحاديث فوراً. فهي تجافي الحقيقة والواقع، وتجلب الضرر لقوى المعارضة. لقد ارتبكت المعارضة: كيف استطاع هذا العدو الهزيل، أن يحقق النصر بسرعة قياسية علينا، بشكل ذكي. باعتماد وجهة نظر أخرى تتوضح أمور كثيرة.
إننا نتعامل مع عدو قوي جداً، يعلم جيداً، ما الذي عليه فعله، ويعرف المجتمع الذي يعيش فيه جيداً.
لقد توجت «الإصلاحات» بنجاح عظيم بالنسبة لـ«لإصلاحيين»، لقد حققوا جميع أهدافهم التي صبوا إليها وابتغوها.
يعني الحديث عن فشل الإصلاحات، تضليل الناس. لم يخطط أحد لإقامة أي اقتصاد سوق.
إنّ قسماً من الملاك الحزبي خطط لإعادة توزيع الملكية في صالحه، ونهب البلاد بشكل شامل، ومن الواضح أنّ هذه الأهداف تحققت.

■ د. زيكين
ترجمة: شاهر أحمد نصر

معلومات إضافية

العدد رقم:
284