طباعة
د.عثمان سعدي د.عثمان سعدي

التشظي اللغوي ومأساة مومباي.. ما العلاقة بين وحدة اللغة.. والتقدم.. والاستقرار الاجتماعي؟

ينبغي تناول أحداث مومباي الدموية بصفة معمقة، والصفة المعمقة هي أن نتساءل: لماذا سبقت الصين الهند في التقدم بالرغم من أن الهند دخلها التقدم والعصرنة عن طريق المستعمر البريطاني قبل أن تدخل الصين بقرون؟ ولماذا الأوضاع مستقرة بالصين اجتماعياً وجغرافياً وثقافياً وتنموياً، بينما نجد الأوضاع بالهند مضطربة مهتزة بصراعات دينية وعرقية ولغوية، تمزق الأغلبية المجاعة وترفل أقلية في ثروات فاحشة؟ بالصين يشعر زائرها والمتنقل في أطرافها الواسعة بأنه يزور أمة واحدة، بينما يرى زائر الهند أمماً وأعراقاً وشعوباً مختلفة وأحياناً متناحرة؟ السبب يعود إلى اللغة القومية الحاضرة بالصين والغائبة بالهند.

في الصين ومنذ 1919 بدئ في البحث عن لغة (غيو يو) التي تعني اللغة الوطنية، وعندما جاء للحكم ماو تسي تونغ سنة 1949 وضع هذه الفكرة موضع التنفيذ، وسمى اللغة المطلوبة (بو تونغ هوا)، ومعناها (اللغة المشتركة) بين سائر الصينيين، ومر إيجاد لغة واحدة لكل الصينيين على مراحل حيث تذبذب موقف الحزب الشيوعي بين اللغات المحلية واللغة الواحدة المشتركة، حتى انعقاد مؤتمر 1955 الذي درس مسألتين: تنميط اللغة الصينية الحديثة، وإصلاح اللغة المكتوبة، (وكان عدد الحروف الصينية آنذاك رقماً متكونا من خمس أربعات: 44444 حرفاً)، وثبّت مبدأ اللغة الوطنية الواحدة لكل الصينيين، ووضع مخططاً استمر تطبيقه علمياً بين 1956 و1965 سمي (مخطط بو تونغ هوا) أي اللغة المشتركة، وحدد المخطط أن تكون هذه اللغة مؤسسة على نُطق لهجة بكين، وتقرر أن يكون البدء في تدريس اللغة والأدب باللغة المشتركة سنة 1956، وفي سنة 1959 بدئ في تدريس المواد الأخرى بما فيها العلمية والتقانية باللغة الوطنية أي المشتركة، وأُسّس مركز تكوين المعلمين في بكين لإعداد المعلم الذي يطبق هذه الخطة. وانطلقت هذه العملية الكبرى في إطار الشعار الكبير (فلتتفتح مئة زهرة) الذي أعلنه قائد الصين سنة 1957 والذي أعطى المثقفين دوراً كبيراً، وحق نقد الحزب الشيوعي الصيني. وأثّرت حملة اللغة الوطنية الواحدة على التنوع اللغوي الذي كان سائداً بالصين قبل 1949، لكن بقيت اللغات المحلية تدرّس في الولايات إلى جانب سيطرة اللغة المشتركة، وتحدد مفهوم اللسانيات بالصين في نشر اللغة المشتركة على الصعيد الشعبي الواسع.

وحتى بعد وفاة ماو تسي تونغ سنة 1976 ومجيء تينغ هسياو بينغ، بقيت اللغة الوطنية الواحدة السائدة قائمة دون تغيير، بل سارت في إطار تمركز اللغة الواحدة الشاملة لسائر الصين. مع الإبقاء على ثنائية لغوية محلية في مناطق الحدود التي تقع لغاتها المحلية خارج بنية اللغة الهان لغة الأغلبية التي انبثقت منها اللغة المشتركة، ومن هذه اللغات المحلية: الكازاكية، والكورية، والتيبتية. والتي تمثل ستة في المائة من سكان الصين، وفي مناطق الثنائية تكون اللغة الأولى في التعليم هي اللغة المحلية، وتدرس اللغة المشتركة الوطنية بحجم كاف يجعل المواطن بهذه المناطق يجيدها ويحسن التكلم بها مع مواطني المناطق الأخرى.
وبالرغم من غلبة اللغة الوطنية على اللغات المحلية التي راحت تذوي، فقد رصد المربون الصينيون ثقافات هذه اللغات الخاصة وأدرجوها في التعليم العام والجامعي، وبخاصة في الكليات الإنسانية، بحيث يتكون مواطن مثقف صيني ملم بتراث الأمة الصينية الشامل وليس محصوراً بثقافة لغة واحدة.
وهكذا، وبفضل عبقرية ماو تسي تونغ صار مليار صيني يتكلم لغة واحدة هي لغة بو تونغ هوا، اللغة القومية والمشتركة بين سائر أفراد الأمة الصينية، وتخلص من التشتت اللغوي وسيطرة لغة أجنبية، وخلقت هذه اللغة القومية من هذا المليار نسيجاً اجتماعياً منسجماً، ذابت فيه كل الفوارق العرقية والاجتماعية. والذي لا يعرفه القارئ هو أن ماوتسي تونغ كان عالماً لغوياً ساهم في تخفيض عدد حروف اللغة الصينية، ويا ليت قادة العرب بمن فيهم جمال عبد الناصر لعبوا دوراً لغوياً في تعريب العلوم والتقانة اللتين ما زالتا حكراً على الإنكليزية مشرقاً، والفرنسية مغرباً، باستثناء سورية طبعاً
 
الهند.. غياب اللغة القومية الواحدة
ونعود للهند، حيث غياب اللغة القومية الواحدة، وتعيش حتى الآن مشتتة بين العديد من اللغات المحلية، جعلت اللغة الانكليزية هي اللغة الرسمية التي تربط بين الولايات والمواطنين. فإحصائية سنة 1961 تقول إن عدد اللغات واللهجات بالهند 1652 بينها لغات كبرى كالهندية، والكشميرية، والكجراتية التي يتكلمها 70 في المائة من السكان. ونتيجة لعدم وجود لغة موحِّدة انتشرت الحروب الشجارية التي أساسها لغوي، فقبل تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتي الهند وباكستان كان الصراع بين الهندية التي يتكلمها الهندوس وتكتب بحروف دنفاناغارية، وبين الأردية التي يتكلمها المسلمون وتُكتب بالحروف العربية. وقد وجدت لغة شعبية جمعت بين قاموس هاتين اللغتين هي اللغة الهندوستانية حاول المهاتما غاندي أن يجعل منها اللغة الوطنية، فاعتمدها كلغة رسمية لحزبه حزب المؤتمر، واستمر خليفته جواهر لال نهرو في ذلك، لكن الهندوس المتعصبون للغة الهندية أفشلوا هذه المحاولة، ولم يوجد زعيم في مستوى ماو تسي تونغ ولا حزب في مستوى الحزب الشيوعي الصيني بالهند ليفرض هذه اللغة. وما إن اختفى الرجلان غاندي ونهرو حتى عاد التشتت اللغوي، وسيطرت اللغة الانكليزية كلغة رسمية تجمع بين سائر أطراف الهند وبين المواطنين الهنود المتعلمين. أما الأميون فلا يوجد تواصل بينهم، كل فئة تتكلم لغتها المحلية. وفشلت اللغة الانكليزية في جمع شتات المليار هندي في نسيج اجتماعي منسجم. وهذا ما يفسر تخلف الهند عن الصين، ولماذا تمزقها الفروق العرقية والدينية والمذهبية والاجتماعية.
بل إن الهبّة الاقتصادية للهند في العقود الثلاثة الماضية ليست نابعة من جذور عميقة متغلغلة في أعماق المجتمع الهندي مثلما هو حادث في الصين، وإنما هو مرتبط بنخبة قليلة تكونت في قمة التعليم الانكليزي بالهند في قطاعات خدماتية موجهة للتصدير لأوروبا وأمريكا وبخاصة في ميدان المعلوماتية الحاسوبية، ومن غير شك فمع الأزمة المالية التي تعصف الآن بالعالم المتقدم فإن هذه الهبّة ستنحسر وستنجم عنها هزات اجتماعية خطيرة.

التشرذم الباكستاني
في باكستان تغيب اللغة القومية الموحِّدة، وتقع بها أربع لغات كبرى هي البنجابية والسندية والباشتو والبلوشية، وتعتبر اللغة الأُردية هي اللغة الوطنية، لكن اللغة الانكليزية هي المسيطرة كلغة رسمية. حاول الباكستانيون ترسيم البنجابية لكن القوميات الأخرى احتجت، ولدى زيارتي لباكستان قال لي أحد المثقفين البارزين بأن الحل الوحيد للتخلص من الانكليزية كلغة رسمية هو ترسيم اللغة العربية التي يقبل بها كل الباكستانيين لأنها لغة القرآن الكريم؛ ويبقى الإسلام الموحد بين الباكستانيين لكنه غير كاف في غياب لغة قومية واحدة تحل محل اللغة الانكليزية الرسمية، التي فشلت في إيجاد نسيج اجتماعي باكستاني منسجم.

إندونيسيا.. النموذج
أما في إندونيسيا فإنها تتمتع بلغة قومية واحدة هي لغة (بهاسا إندونيسيا) أي لغة إندونيسيا، المستمدة من اللغة المالوية. فقد اعتمدت الحركة الوطنية سنة 1928 لغة واحدة، كان الوضع اللغوي قبل هذا التاريخ كما يلي: يتكلم الناس أكثر من مائتي لغة، بينها ثلاث لغات كبرى هي: الجاوية ويتكلمها أربعون مليوناً، والسوندانية ويتكلمها اثنا عشر مليوناً، والمادورية ويتكلمها ستة ملايين، وهناك ست لغات أخرى يتكلم كلاً منها مليون أو مليونان. وتنتشر هذه اللغات على جزر إندونيسيا. وتنتمي اللغات الإندونيسية إلى أسرة (ملايو بولينسية) المنتشرة في ماليزيا وجنوب آسيا الشرقي، وفي جزر المحيط الهادي بما فيها جزيرة هواي، وهذه الأسرة مليئة بالكلمات العربية التي انتقلت مع التجار الحضرميين اليمنيين إلى الجزر الإندونيسية وجنوب شرقي آسيا، الذين كان لهم الفضل في نشر الإسلام بلا جيوش في هذه المناطق الواسعة من آسيا. وكانت اللغة الملاوية أصل اللغة الإندونيسية واللغة الماليزية ولغات جنوب شرق آسيا، تكتب بالحرف العربي، لكن اللغة الإندونيسية التي اشتقت منها كتبت بالحروف اللاتينية. ولغة الملايو هي اللغة الوطنية لاتحاد الملايو لكن بما أن سكان إندونيسيا يمثلون عشرة أضعاف سكان الاتحاد المذكور فإن الملايو اللغة الأم كبرت وتوسعت باللغة الوليدة (بهاسا إندونيسييا) التي كبرت وتوسعت أكثر من أمها.
كانت اللغة الهولندية ـ لغة المستعمر ـ هي المسيطرة على إندونيسيا طيلة ثلاثة قرون، كل شيء كان يدور بها. إلى أن ظهر بطل ثقافي اسمه جايا دانجرات سنة 1924 وتحدى المستعمر وخطب بلغة الملايو الوطنية في مجلس الشعب البرلمان الذي كان عضواً فيه، وقرر الحزب الإسلامي والحزب الشيوعي استعمال هذه اللغة. وفي سنة 1928 اجتمع مؤتمر للشباب وقرر تأييده للغة وطنية واحدة. واعتمد وطنياً هذا القرار. ونظرا للموجة ضد المستعمر الهولندي التي كانت لغته هي المسيطرة على إندونيسيا، ونظراً لشعور الحركة الوطنية الإندونيسية بخطورة الرواسب التي تحملها هذه اللغة فقد قررت الحركة الوطنية الاستغناء عنها، واعتماد اللغة الانكليزية كلغة أجنبية أولى في التعليم.
عدد جزر أرخبيل إندونيسيا 17508، استطاعت اللغة القومية الإندونيسية توحيد سكانها وإيجاد نسيج اجتماعي منسجم منهم. كانت إندونيسيا في أثناء سنوات استقلالها الأولى تعاني من عدم الاكتفاء ذاتياً من الغذاء، لكن بعد فترة زمنية قصيرة استطاعت أن تكتفي ذاتياً ثم صارت تصدر الكثير من منتوجاتها الصناعية والزراعية. كانت مصدرة للنفط، لكن في هذه السنوات الأخيرة صارت مستوردة له بعد أن انحدر مخزونها للنضوب. ويبلغ الآن ناتجها المحلي 863 مليار دولار، فهي الكبرى اقتصادياً في العالم الإسلامي، وتصنف الخامسة عشرة عالمياً. كل هذا تم بفضل تمتعها بلغة قومية موحِّدة أوجدت مجتمعاً يعمل بسائر طبقاته في تنمية البلاد. لأنه لم يحدثنا التاريخ أن أمة من الأمم نجحت في تطبيق تنمية اقتصادية واجتماعية بلغة أجنبية، واليابان والصين ونمور آسيا تؤكد هذه الحقيقة.

نيجيريا.. المأساة
أما نيجيريا فهي أكبر دولة مسلمة بإفريقيا وهي لا تتمتع بلغة قومية موحِّدة، وإنما تسيطر عليها اللغة الانكليزية، التي عجزت عن إيجاد نسيج اجتماعي منسجم. توجد بنيجيريا لغة الهوسة تليها لغة يوروبا، كان في إمكان نيجيريا اعتماد الهوسة لغة قومية واحدة ورسمية مثلما فعلت أندنوسيا ببهاسا، لكنها لم تفعل، وهي تعاني الآن من صراعات لغوية قبلية حيث تنتشر بها العشرات من اللغات الصغيرة القبلية، وتهزها بصورة دائمة الحروب بين هذه اللغات. وفي أثناء قيام حوادث مومباي جرت أحداث أخطر منها في مدينة جوس عاصمة ولاية بلانو بنيجيريا سقط فيها 400 قتيل من قبائل الهوسا دون أن يتحدث عنها الإعلام العالمي، لأنه اعتاد على هذه الأحداث بها. نيجيريا متخلفة اقتصادياً، التنمية بها تعاني من فشل كبير، فيها طبقة طفيلية متعلمة بالانكليزية مرتبطة ثقافياً بالغرب لا توظف أموالها المستمدة من الثروة النفطية ببلادها بسبب استلابها. وأوضاع نيجيريا هي نفسها الأوضاع التي تحكم دول إفريقيا السوداء جنوب الصحراء الكبرى، فاللغات المسيطرة عليها هي اللغات الفرنسية والانكليزية والبرتغالية، لغات المستعمر السابق، فعجزت عن خلق نسيج اجتماعي منسجم في هذه البلدان، وفي غياب اللغات القومية تتحول هذه الدول من الدولة الأمة إلى الدولة القبيلة. وما الحروب القبلية برواندا وساحل العاج وكينيا والكونغو، وغيرها، إلا شاهد على ما نقول.

فيتنام... الجزائر
عرف القرن العشرون أعظم ثورتين: ثورة الجزائر وثورة الفيتنام.. بمجرد أن استقل الفيتنام أمر قائده «هو شي منه» بالفتنمة الشاملة والفورية، وهرع له أساتذة كلية الطب مذعورين فقالوا: «كليتنا صعب فتنمتها لأننا نحن وطلبتنا لا نحسن الفيتنامية»، فاستمع القائد لهم ست ساعات، وكان من النوع الذي يستمع أكثر مما يتكلم، ثم ختم الاجتماع بما يلي: «يسمح لكم استثناءً في هذه السنة أن تدرّسوا باللغة الفرنسية، على أن تتعلموا أنتم وطلبتكم اللغة الفيتنامية بحيث تجرى الامتحانات في نهاية السنة باللغة الفيتنامية». وهو القائل في وصاياه لمواطنيه: «حافظوا على صفاء اللغة الفيتنامية كما تحافظون على صفاء عيونكم، تجنبوا أن تستعملوا كلمة أجنبية في مكان بإمكانكم أن تستعملوا فيه كلمة فيتنامية». واللغة الفيتنامية فقيرة لكن خلال عشر سنوات بعد الاستقلال تم نحت مليوني كلمة جديدة.
أما ثورة الجزائر فقد قام بها الفلاحون باللغة العربية، واستلمها المفرنسون في سنتيها الأخيرتين، فأجهضوها، وفسّروا الاستقلال على أنه رفع علم وكفى، وقرروا بعد الاستقلال الإبقاء على هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة، فأسسوا بذلك الدولة الفرنكفونية، وهمّشوا اللغة العربية، بالرغم من أن الدستور ينص في مادته الثالثة على أن العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، وتزعم الدولة أنها دولة القانون. إن أية ثورة لا يمكن لها أن تعتبر نفسها ناجحة إلا إذا حققت هدفين: تحرير الأرض وتحرير الذات، الثورة الفيتنامية حققت الهدفين، أما الثورة الجزائرية فإجهاضها من طرف المفرنسين جعلها تحقق تحرير الأرض فقط، تاركين الذات مستعمرة فرنسية حتى الآن من خلال هيمنة اللغة الفرنسية على الدولة الجزائرية. قمت بإحصاء سنة 2006 فوجدت أن الفيتنام صدّر بالفتنمة خارج المحروقات مواد زراعية وصناعية بما قيمته ستة وعشرون (26) مليار دولار، بينما صدرت الجزائر بالفرْنسة خارج المحروقات بما قيمته ستمئة مليون دولار ثلثها خردة حديد ونحاس التي تعتبر بقايا مواد مستوردة بالعملة الصعبة.. مقياس أي بلد ماذا ينتج، وليس كيف ينطق الراء غيناً...

«العربية» خارج العصر
نتناول الآن التعريب بالوطن العربي. الجامعات العربية ـ باستثناء سورية ـ تعلم الطب والعلوم والتقانة باللغة الانكليزية مشرقاً وبالفرنسية مغرباً. معنى هذا أن اللغة العربية خارج العصر الذي هو مطبوع بالطابع العلمي والتقاني، وهي محصورة في تعليم الأدب والعلوم الإنسانية. والسبب في ذلك راجع إلى:
تقصير مصر التي بها تعريب أعرج. كان التعليم بمصر معرباً في عهد محمد علي الألباني، كل شيء كان يدرس باللغة العربية. وعندما استعمرت بريطانيا مصر سنة 1882 كُلف اللورد كرومر بالإشراف على التعليم، فأنكلزه من خلال ربع قرن قضاها هذا اللورد الخطير في منصبه. ومن الغريب أن اليابان في بداية نهضتها أعجبت بتجربة مصر التعليمية التصنيعية فأرسلت بعثة درست خطة محمد علي وطبقتها باليابان، وهي الآن ما هي عليه بفضل ذلك. وعندما جاء عبد الناصر للحكم لم يكن يملك وعياً لغوياً شبيهاً بوعي ماو تسي تونغ، أو وعي تيتو، أو سوكارنو، فترك الطب والتقانة تدرس باللغة الانكليزية. وعندما اتحدت مصر مع سورية سنة 1958 ضغط السوريون فتقرر تعريب الطب في مصر، وعربت السنة الأولى، لكن الانفصال حدث سنة 1961 فجمد التعريب وبقيت السنة الأولى فقط معربة، وبعد عشر سنوات أي في سنة 1971 أعيدت السنة الأولى إلى اللغة الانكليزية. وعلى حدود أرض الكنانة يقع الكيان الصهيوني الذي أعاد الاعتبار للغة العبرية الميتة وصار يعلم بها سائر المواد العلمية الصرفة والطبيعية والتقنية. ومن الغريب أن علماء اللغة العبرية يقولون بأن اللغة السامية الوحيدة التي بقيت حية هي العربية، ولابد أن تستمد منها العبرية أي مصطلح جديد، والأعضاء الرئيسيون لمجمع اللغة العبرية يشترط فيهم معرفة اللغة العربية.

تجارب هامة.. وخلاصات
في إيران، وفي عهد الشاه فُرّس التعليم بما فيه الطب والتقانة بالرغم من أن أربعين في المئة من قاموس اللغة الفارسية كلمات عربية، بحيث يقول لي أحد علماء إيران «عندما تقررون تعريب الطب عندكم ستجدون في معجم الطب الفارسي نعم المعين لأنه مليء بالمصطلحات العربية». تركيا كل التعليم بها بالتركية، حتى ألبانيا بملايينها الخمسة الطب بها يدرس بالألبانية. جزيرة مالطة الطب يدرس بها باللغة المالطية ذات الأصول الكنعانية العروبية. وأرض الكنانة الطب يدرس بها بالانكليزية، إنه لأمر محزن!. عربنا التعليم بالجزائر، وعندما طالبنا بتعريب الطب قيل لنا: «كيف تريدون أن نعرب الطب بالجزائر، ومصر وما أدراك ما مصر الطب فيها غير معرب»!!.
والخلاصة، لا يمكن لأمة أن تنهض إلا بلغتها القومية، فاللغة الأجنبية فاشلة في تحقيق أية نهضة.

 
د.عثمان سعدي: رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية





معلومات إضافية

العدد رقم:
385
الموقع الرسمي لحزب الإرادة الشعبية.

جميع الحقوق محفوظة، kassioun.org @ 2017