موفق إسماعيل موفق إسماعيل

الحرب الإمبريالية: حلول عسكرية..لأزمة اقتصادية شاملة ملف الحقيقة المدفونة إلى الأبد: صدفة.. أم ألف ميعاد؟؟!!

لم تفلح كل المحاولات اليائسة لانتشال الاقتصاد الأمريكي من الأزمة التي استفحلت وأخذت تنحدر بالولايات المتحدة باتجاه الهاوية وبدورها تحاول الولايات المتحدة سحب العالم كله خلفها.

فرغم تخفيض معدلات الفائدة على الاستثمار تسع مرات خلال العام الحالي فقد استمر الركود والإفلاسات وتقليص عدد العمال في الكثير من المؤسسات. ورغم أن الولايات المتحدة تمتص ثروات العالم الثالث كما يمتص الإسفنج الماء، محاولة ضخ الدماء في عروق آلاتها من عائدات استثماراتها في دول العالم كافة، إلا أنها أصبحت الدولة الأكثر مديونية في العالم. وإذا كانت الديون لا تشكل هماً في الأحوال الاقتصادية الجيدة فإنها تصبح كارثة في الأحوال الاقتصادية السيئة التي تمر بها الولايات المتحدة.

في التوقيت الصحيح
ومما يزيد الأوضاع صعوبة ، تزايد حركات الاحتجاج عالمياً ضد سياسات رأس المال. فلم يعد بإمكان زعماء الدول الرأسمالية وممثلي الاحتكارات المالية الكبيرة عقد اجتماع واحد دون التحصن خلف المتاريس الإسمنتية والجدران المسورة بالحديد والأسلاك الشائكة، وفي حماية كتائب حفظ النظام والبوليس، إضافة إلى قوات الجيش، حيث يحولون كل اجتماع للزعماء إلى مهرجان عنف دموي ضد المحتجين. وفي دول العالم الثالث لم يعد الاحتجاج يقتصر على الشعوب فقط بل انضم حكام هذه الدول إلى الاجتماعات التي أصبحت تعبيراً عاماً عن رفض النهب الممارس ضدهم.
في هذه الأوضاع فإن الرأسمالية، وخاصة الرأسمالية الأمريكية في سعيها للتخلص من أزمتها لا تجد أمامها إلا الحرب. و«بالمصادفة» فإن أسوأ عمل إرهابي في التاريخ قد حدث في هذه اللحظة الحرجة.
لا شك أنها كانت مجرد ضربة حظ، إذ لا يوجد في العالم كله حكومة قذرة أو وكالة مخابرات مجردة من الأخلاق والقيم إلى درجة تنظيم مذبحة بحق مواطني دولتها، ولا حتى من أجل أرباح ضخمة، بضخامة الأرباح التي تجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من اندلاع الحرب. أم تراهم يفعلونها؟!

الجواب «نورث وودز»
في أوضاع اقتصادية أفضل من الأوضاع التي تمر بالولايات المتحدة، وفي أوائل الستينات، قامت أجهزة المخابرات الأمريكية ومع قيادة أركان الجيش الأمريكي بالتخطيط والتجهيز لموجة أعمال عنف وإرهاب شملت عدة ولايات أمريكية. وكان الهدف المطلوب من العمليات تأمين الدعم الشعبي محلياً وعالمياً لغزو كوبا عسكرياً. إذ رغم الحملات المعادية للشيوعية طيلة عشرين عاماً لم يقتنع الأمريكيون ولا حلفاء الولايات المتحدة بمبرر دعم الحرب ضد كوبا. لذلك برزت الحاجة إلى العملية السرية جداً التي أطلق عليها اسم «نورث وودز» والتي كشف عنها الصحفي الأمريكي «جيمس بامفورد» في كتابه: «BODY OF SECRETS».

السيناريو الفعال
يقتل عدد من الكوبيين «الهاربين من الشيوعية» إلى بلاد «الحرية» في شوارع بعض المدن الأمريكية. ودون أدنى شك سوف تتجه أصابع الاتهام إلى «عملاء كاسترو» . ويمكن إغراق قوارب تقل لاجئين كوبيين في البحر قبل وصولهم إلى شواطئ فلوريدا. وسوف يتهم بها أيضاً عملاء كاسترو أو قوات البحرية الكوبية. كما تضمنت الخطة خطف طائرات على أيدي كوبيين موالين. ولأن المخططين للعملية كانوا يعرفون مدى فائدة هذه الأعمال ومنافعها للفعاليات العسكرية الأمريكية يذكرون: «نستطيع تدمير سفينة أمريكية في خليج غوانتا نامو واتهام كوبا». كما يضيفون: «بعد أحداث كهذه سوف تتولى الصحف الأمريكية إثارة المشاعر القومية وتأجيجها».
ومازال الجيش الأمريكي يعمل بهذه القاعدة طبعاً. إذ لديه وحدة خاصة مهمتها الرئيسية التسلل إلى داخل البلدان التي تريد الولايات المتحدة مبرراً لها لمهاجمتها، لابسين زي الجيش الرسمي لهذا البلد ويهاجمون مواطنين أمريكيين. وفي الحقيقة فإن هذا ليس اختراعاً أمريكياً فقد سبقهم هتلر إلى استخدامه عندما بحث عن مسوغات للهجوم على بولونيا.
كما تضمنت تفاصيل عملية نورث وودز هجمات إرهابية ضد أمريكيين في المدن الأمريكية دون اعتراض أحد من قادة الجيش الأمريكي. وتم تقديمها إلى وزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكنمارا في آذار 1962، الذي لم يعط إشارة البدء بالتنفيذ. وليس بسبب الرادع الأخلاقي طبعاً. فقد سبق للولايات أن ارتكبت أعمالاً إرهابية مشابهة بعد الحرب العالمية الثانية في بلجيكا حيث كان الحزب الشيوعي يتمتع بسمعة طيبة نظراً لدوره البطولي في قيادة مقاومة النازية، وكان مرشحاً للفوز في أول انتخابات عامة تجري بعد الحرب. ولمنع ذلك قامت الولايات المتحدة بجملة من عمليات قتل في الأسواق مثيرة موجة من الرعب والخوف، واتهمت الشيوعيين بأنهم يحاولون الاستيلاء على السلطة بالعنف. وليس هذا المكان الأوحد الذي مارست فيه الولايات المتحدة إرهابها.
لم تعط عملية «نورث وودز» الضوء الأخضر للتنفيذ ولكن ملفها لم يغلق منذ أربعين عاماً. وإذا كانت هناك عملية مشابهة خلف تدمير مركز التجارة العالمي والبنتاغون، فإننا نستطيع أن نرتاح ونثق بأن سرها سيبقى مدفوناً إلى الأبد + يوم.
حتى ذلك اليوم، سنعتبرها «مجرد مصادفة»!.

مقال بقلم «روب غولاند» الصادر في صحيفة «الغارديان» التي يصدرها الحزب الشيوعي الأسترالي.

معلومات إضافية

العدد رقم:
162