داود تلحمي داود تلحمي

هل بالإمكان تجاوز الأزمة الاقتصادية العالمية دون حروب كبيرة؟!

قد يثير العنوان أعلاه بعض الاستغراب، خاصةًً في المناخات التي تسود الأجواء العالمية حالياً، بعد انتهاء ولاية جورج بوش الابن، ومجيء إدارة باراك أوباما التي تبدو أقل عدوانية وأكثر استعداداً للحوار والاستماع إلى الأطراف العالمية الأخرى، كما كرر أوباما نفسه في تصريحاته خلال جولته الأوروبية والشرق متوسطية الأخيرة.

الأزمة الأكبر منذ أزمة الثلاثينيات الطاحنة

 واقع الأزمة الاقتصادية الحالية، التي انفجرت بشكل فاقع في أيلول 2008 مع انهيار مؤسسة ليمان براذرز المالية والمصرفية في نيويورك، ، قد يكون أصعب بكثير مما يستطيع إصلاحه أسلوب أوباما السلس وإجراءات إدارته الجديدة، فالأزمة كبيرة وعميقة، وربما مازالت في بداياتها، ولا أحد يستطيع أن يتوقع متى ستنتهي، أو إذا ما كانت ستنتهي أصلاً دون أن تترك آثاراً عميقة في الواقع الاقتصادي، وبالتالي السياسي، العالمي.

فبعد أن كانت هناك نغمات كثيرة في بدايات اندلاع الأزمة تحاول إعطاءها طابعاً محدوداً، وتقارنها بأزمات الركود المتعددة التي شهدتها الولايات المتحدة وبلدان ومناطق أخرى من العالم بشكل متواتر في العقود الأخيرة، وخاصة منذ السبعينيات الماضية، بات الجميع يقرّ الآن بأنها الأزمة الأعمق والأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وعملياً منذ الأزمة الكبرى التي اندلعت في أواخر العام 1929، من الولايات المتحدة أيضاً، ومن «وول ستريت» تحديداً كذلك. وهي الأزمة التي استمرت طوال الثلاثينيات، وانتشرت لتشمل العالم كله تقريباً، باستثناء الاتحاد السوفييتي، الحديث العمر آنذاك. والاستثناء السوفييتي له تفسيره: فالنظام الجديد هناك أحدث قطيعةً، بعد ثورة العام 1917، في العلاقة مع النظام الاقتصادي (الرأسمالي) السائد عالمياً.

وأحدثت تلك الأزمة بتفاعلاتها، خضات كبيرة في أنحاء العالم. ومن بين إفرازاتها صعود نجم نماذج الحكم الفاشية، وخاصة بعد وصول الحزب النازي إلى الحكم في ألمانيا في أوائل العام 1933.. وهو تطور قاد في نهاية المطاف إلى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي كلفت البشرية أكثر من 60 مليون ضحية من مختلف القارات والجنسيات، ودماراً هائلاً في البنى التحتية وفي عمران وإنجازات بلدان العالم المختلفة. وهذا الدمار كان له استثناء كبير أيضاً: الولايات المتحدة، التي لم تدُر فصول الحرب على أرضها، إلا في يوم الهجوم الياباني الأول على أسطولها الحربي في ميناء بيرل هاربر، في جزر هاواي، أواخرعام 1941. بالمقابل، شهد العديد من بلدان أوروبا وآسيا الشرقية والجنوبية الشرقية دماراً هائلاً، أوصله الأميركيون أنفسهم إلى أوجه في نهاية الحرب مع اليابان في أول استخدام للسلاح النووي، بقصف مدينتي هيروشيما وناغازاكي في آب 1945. 

التهديد الأكبر للأمن القومي الأميركي..

اعتبر المسؤول الأول لجهاز الاستخبارات في إدارة أوباما الأميركية الأدميرال المتقاعد دينيس بلير، أثناء شهادة له أمام لجنة الإستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي، أن الأزمة الاقتصادية العالمية هي «التهديد الأمني الأكبر على الأمد المباشر» للولايات المتحدة، حيث يمكن أن يقود استمرارها وتفاقمها إلى زعزعة الاستقرار السياسي في أنحاء العالم، والإضرار بحلفاء الولايات المتحدة، وإضعاف التقبل العالمي للتجارة الحرة التي تدعو لها الولايات المتحدة: «إن الزمن هو ربما التهديد الأكبر لنا... فكلما تأخر زمن استعادة عافية (الوضع الاقتصادي)، تزايدت احتمالات الضرر الجدي بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة».

ويلفت الانتباه هنا أن الولايات المتحدة في عهد أوباما لم تعد تعتبر أن التهديدات والمخاطر على أمنها تقتصر على الجانبين العسكري و«الإرهابي»، كما كان متعارفاً عليه في عهد بوش، بل وسّعت هذا الإطار ليشمل الجانب الاقتصادي، وجوانب أخرى.

ومن الواضح تماماً أن استمرار الأزمة الاقتصادية الرأسمالية في الولايات المتحدة، كما في بلدان العالم الأخرى، قد يقود، ربما ليس في الأمد القريب وإنما في أمد متوسط، إلى وضع حلول أخرى على بساط البحث غير الحلول «التصحيحية» الجزئية التي اتبعت حتى الآن، والتي تسعى إلى إنقاذ بعض المؤسسات الكبرى للنظام المصرفي والمالي في البلدان المتطورة اقتصادياً، وتنشيط الاستهلاك الداخلي في هذه البلدان، والحد من الانعكاسات الدرامية المتوقعة للأزمة على بلدان العالم الفقيرة وقليلة الموارد. وهذه الاعتبارات هي التي حكمت الإجراءات المالية الأولى لإدارة أوباما بعد توليه مسؤولياته في مطلع العام الحالي، كما وإجراءات الحكومات الأوروبية والآسيوية الأخرى، والى حد كبير، تلك القمم العالمية التي حاولت الخروج بحلول جماعية للأزمة، وخاصة قمة العشرين  التي انعقدت في لندن في مطلع شهر نيسان، وشاركت فيها، إلى جانب الدول الصناعية المتطورة وروسيا، دول صناعية أخرى، مثل إسبانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا، ودول صاعدة، مثل الصين والهند والبرازيل، أو دول ذات احتياطات نقدية وقدرات استثمارية عالية، مثل المملكة السعودية، الدولة العربية الوحيدة الممثلة في هذا المجمع.

والمخاطر التي عبّر عنها المسؤول الأميركي الأمني الكبير في شهادته أمام لجنة مجلس الشيوخ الأميركي تبدأ، أولاً، باحتمال انفضاض متزايد لبلدان العالم عن نظام «التجارة الحرة» التي دعت لها الإدارات الأميركية المتعاقبة، خاصة منذ انتشار مدرسة «الليبرالية الجديدة» في سياق العملية التي أُُطلق عليها تعبير العولمة، بدءاً بإدارة رونالد ريغن (1981 - 1989)، التي تبنت هذه المدرسة، ودفعت باتجاه تعميمها عالمياً. والأدهى، طبعاً، بالنسبة لأصحاب النفوذ والقرار في الولايات المتحدة، هو احتمال الانفضاض ليس فقط عن «الليبرالية الجديدة» و«التجارة الحرة»، وإنما عن النظام الاقتصادي الرأسمالي بمجمله. وهو خطر لا يبدو حتى الآن داهماً، ولكنه حاضر في أذهان أصحاب القرار ومحلليهم. وتُوفِّر تجارب بعض بلدان أميركا اللاتينية هنا صورة عن النموذج البديل المقترح، وعن الطريق الذي يمكن أن يقود إلى الخروج من نفق هذه «الليبرالية الجديدة» وتحكُّم مؤسساتها المالية بأنظمة العالم، وخاصة «العالم الثالث»، الأفقر والأقل حيلةً.. 

روزفلت.. وأوباما

يتمتع أوباما بفترة سماح وتساهل أولية داخل الولايات المتحدة تجاهه، بسبب الوضع الاقتصادي المتردي لغالبية المواطنين. 

فعلى الصعيد الاقتصادي الداخلي، وعدت إدارة أوباما بسلسلة من الإجراءات التي هي مزيج من عمليات إنقاذ للمؤسسات الرأسمالية الكبرى وعمليات تنشيط للاستهلاك الشعبي ولمشاريع التطوير التي تفتح مجالات جديدة للوظائف والأشغال، بما في ذلك، تطوير البنى التحتية في أنحاء الولايات المتحدة، من طرق ومنشآت عامة، وتطوير مجالي التعليم والصحة وغيرها. وهي مشاريع تُذكّر بما قام به رئيس أميركي سابق هو فرانكلين روزفلت في الثلاثينيات الماضية في محاولة للخروج من الأزمة الاقتصادية الكبرى التي كانت سائدة عندما تم انتخابه، وهي المشاريع التي أُطلق عليها تعبير «ذي نيو ديل»، أي «الصفقة الجديدة»، أو «العقد الجديد»، والتي استهدفت إعادة تشغيل عجلة الاقتصاد الأميركي، المأزوم آنذاك.

ومع أن مشاريع إدارة روزفلت هذه حققت في ذلك الحين بعض النجاح، إلا أن الخروج الفعلي من الأزمة الاقتصادية الطاحنة لم يتم إلا بعد الحرب العالمية، التي دخلتها الولايات المتحدة في أواخر العام 1941، وهو أمر بات الخبراء الاقتصاديون يسلّمون به، فالحرب أفسحت المجال أمام الصناعات العسكرية الأميركية والصناعات الأخرى المساندة لها للازدهار والتطور والنمو.

وهذا التطور لم يقد إلى خروج الولايات المتحدة من الأزمة فحسب، بل إلى تحولها، بعد الحرب، إلى الدولة العظمى الأولى، بالأساس على حساب حليفاتها الأوروبيات، وأولاً بريطانيا، التي كانت حتى قبل عقود قليلة صاحبة النفوذ الأولى في العالم. فهي، أي بريطانيا، خرجت من الحرب العالمية الثانية مدماة ومنهكة اقتصادياً ومالياً، واضطرت بعد ذلك إلى التخلي التدريجي، ولكن السريع نسبياً، عن معظم مستعمراتها، وهو التخلي الذي شمل لاحقاً حتى منطقة الخليج النفطية الإستراتيجية، التي حلّ فيها النفوذ الأميركي، شيئاً فشيئاً، محل نفوذ بريطانيا التاريخي.

وهكذا نرى أن الاقتصاد الرأسمالي، قد يحقق الانتعاش في فترات الحروب، وليس ذلك الحال دائماً، فحروب بريطانيا المتتالية في أواخر القرن التاسع عشر (حربا الـ«بووير» في جنوب إفريقيا) وأوائل القرن العشرين (الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية) هي التي قادت، إلى حد كبير، إلى تدهور وضعها الاقتصادي، وبالتالي السياسي.

وجدير بالتذكير هنا أن مستشار ألمانيا الذي تولى زمام الحكم فيها في مطلع العام 1933، أدولف هتلر، اتبع سياسة تنمية داخلية سريعة شبيهة إلى حد ما بما قام به روزفلت في الولايات المتحدة، من خلال تحديث وتطوير البنى التحتية في ألمانيا، إلى جانب تطوير الصناعة، بما في ذلك الصناعات العسكرية، التي تم توظيفها في سياق مشاريعه للتوسع العسكري، التي حاول من خلالها تحويل بلده إلى دولة عظمى، فانتهت الأمور إلى ما انتهت إليه بالهزيمة المعروفة في العام 1945. 

المجمع الصناعي العسكري.. وتحذيرات أيزنهاور

الرئيس الأميركي دوايت أيزنهاور (1953-1961)، في خطاب وداعي له قبل ثلاثة أيام من تسليم دفة الحكم إلى خلفه، في مطلع العام 1961، تحدث عن قلقه من تنامي دور ما أسماه هو نفسه «المجمع العسكري الصناعي» في الحياة السياسية الأميركية بعد الحرب العالمية، وما يمكن أن يجلبه ذلك من خطر على الديمقراطية في الولايات المتحدة.

وأهمية حديث أيزنهاور الشهير هذا ترتكز إلى أنه لم يكن، بالأساس، رجلاً مسالماً وليبرالياً (بالمعنى السياسي للكلمة). فقد كان أحد كبار قادة الجيش الأميركي في أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية، والقائد العسكري لقوات الحلفاء في عملية الإنزال الشهيرة في مقاطعة نورماندي في فرنسا في حزيران 1944، وهي العملية التي لعبت دوراً هاماً في الإطباق على القوات الألمانية والتقدم من الجنوب الغربي نحو ألمانيا، بعد أن كانت القوات السوفييتية قد وجّهت منذ مطلع العام 1943 سلسلة من الضربات للجيش الألماني الذي كان قد غزا أراضيها، فطردته منها وطاردته، من الشرق، إلى أن انتهت بدخول ألمانيا وعاصمتها برلين في مطلع العام 1945.

وخلال ولايتيه الرئاسيتين، اللتين جاءتا في حُمّى «الحرب الباردة» مع الاتحاد السوفييتي، ترك أيزنهاور سجلاً حافلاً بعمليات التورط في الحروب العدوانية في أنحاء العالم، بما في ذلك بداية التورط الأميركي في فيتنام، بعد هزيمة فرنسا هناك، حيث عملت واشنطن على منع إعادة توحيد البلد في العام 1956، عملاً باتفاقية جنيف للعام 1954. كما جرى في عهده التدخل في إيران للإطاحة بحكومة محمد مصدّق الوطنية الاستقلالية عام 1953، وكذلك جرت الإطاحة بنظام هاكوبو أربينس اليساري في غواتيمالا (أميركا الوسطى) في العام 1954، والعديد من «الإنجازات» الشبيهة الأخرى، ومن بين أشهرها المشاركة مع بلجيكا في تصفية رئيس حكومة الكونغو المستقل حديثاً، آنذاك، الوطني الاستقلالي باتريس لومومبا، في مطلع العام 1961.

الوسائل «الهادئة»..

والسؤال الذي يطرح نفسه في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة هو إذا ما كانت الوسائل التقنية والمالية «الهادئة» التي تتبعها الآن حكومات الولايات المتحدة وأوروبا واليابان وغيرها من دول العالم المتطورة صناعياً ستكون كفيلة بإخراج كل هذه الدول، والعالم بمجمله، من الأزمة الطاحنة، التي لا يرى أحدٌ حتى الآن متى يمكن أن تنتهي.

فهذه الأزمة الاقتصادية الكبرى، التي انطلقت من الولايات المتحدة، هي أزمة عميقة وشاملة وواسعة النطاق وغير سهلة التجاوز. ومع أن الكلمة المستخدمة حتى الآن في وصف الأزمة الحالية هي كلمة «ركود»، فإن بعض الاقتصاديين لم يعد يتردد في تشبيهها مع أزمة الثلاثينيات الماضية، التي أُطلق عليها تعبير أقوى هو الـ«كساد»، أو «الكساد الكبير»، وقد ذهب رئيس صندوق النقد الدولي الحالي، دومينيك ستروسكان، وهو فرنسي (وعضو قيادي في الحزب الاشتراكي الفرنسي)، في مجال تظهير خطورة الأزمة الراهنة، الى إطلاق تعبير «الركود الكبير»، في وصفٍ لحجمها، وذلك في تصريح له في آذار الماضي.

وفي كل الأحوال، فإن التفاؤل الحذر للرئيس الأميركي أوباما بإمكانية تجاوز الأزمة في وقت قريب نسبياً لا يشاطره إياه العديد من الاقتصاديين الذين يرون أن حجم الدين المتراكم على الدولة الأميركية، حوالي 11 تريليون دولار، أي 11000 مليار دولار، تصعب تغطيته في أي أمد منظور، خاصة وأن النظام الأميركي دأب خلال العقود الثلاثة الماضية على جعل الولايات المتحدة والأميركيين يعيشون على الدين، وينفقون أكثر مما ينتجون، كما ذكر أحد هؤلاء المحللين،.

وجدير بالإشارة أن أوباما تقدم إلى الكونغرس بموازنة فيدرالية للعام المالي 2010 تحمل عجزاً عالياً يتجاوز التريليون دولار، وهو ما يقترب من نسبة الـ10 بالمائة من الناتج القومي الإجمالي السنوي للبلد، وذلك في سياق سعي إدارته لتغطية تكاليف محاولة الخروج من الأزمة. وقد لقيت هذه الموازنة معارضة من أولئك الذين تخوفوا من أن هذه الموازنة ستفاقم الدين العام، ولن تسهّل الخروج من عنق زجاجته خلال سنوات طويلة. مع العلم بأن العجز الفعلي في موازنة العام الحالي مرشح أن يقترب من التريليوني دولار في نهاية العام المالي 2009، ويشكّل بذلك نسبة قياسية من الناتج القومي الإجمالي (أكثر من 12 بالمائة) في تاريخ الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

طبعاً، كل جهود أصحاب القرار في الولايات المتحدة ودول أوروبا وبلدان أخرى متطورة اقتصادياً تنصب الآن باتجاه تجاوز الأزمة الاقتصادية بشتى الوسائل «الهادئة»، إذا صح التعبير. وربما كان مجيء باراك أوباما إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة توجهاً من قطاعات واسعة من أصحاب القرار والنفوذ الاقتصادي في البلد لسلوك هذا الطريق «الهادئ» لإنقاذ النظام الاقتصادي الرأسمالي وتجاوز أزمته الحالية الطاحنة، وإنقاذ النفوذ الأميركي الكوني طبعاً.

وهنا ترد المقارنة مع المجيء، في انتخابات العام 1976، بالرئيس الأسبق جيمي كارتر إلى الحكم، في زمن كانت فيه الولايات المتحدة خارجة لتوها من صدمتين كبيرتين، الهزيمة الصعبة في فييتنام عام 1975، وفضيحة ووترغيت التي أدّت إلى سقوط الرئيس ريتشارد نيكسون في العام الذي سبقه. وجاء اختيار كارتر، بسماته الشخصية المعروفة، لإعادة الاعتبار إلى مؤسسة سياسية أُصيبت بانهيار كبير في أعين قطاعات واسعة من الجمهور الأميركي. وبما أن الرئيس في الولايات المتحدة ليس الآمر الناهي، وهو في الغالب واجهة لمجموعة كبيرة من مراكز النفوذ والسلطة الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، فلم يدم عهد كارتر طويلاً، وأُطيح به، عملياً، في انتخابات العام 1980، أي انه لم يتمكن من الاستمرار لولاية ثانية. والرئيس الذي خلفه هو الذي جاء بـ«الليبرالية الجديدة» وبـ«المحافظين الجدد» وبالسياسات العدوانية الكونية المتجددة، وهو بالتالي الأب الروحي للسياسات الاقتصادية التي نرى الآن نتائجها على الولايات المتحدة والعالم. 

هل من مخارج؟؟

 ومن الخطأ الاعتقاد بأن انتخاب أوباما هو تحول ثابت في السياسات الأميركية باتجاه أكثر ليبرالية (بالمفهوم السياسي، وليس الاقتصادي، للكلمة) وأكثر انفتاحاً على دول العالم. فالمجمع الصناعي العسكري، وقطاعات اليمين الإمبراطوري المتشدد لم تختفِ، ونفوذها مازال كبيراً، وبإمكانها العودة إلى الواجهة إذا لم تحقق سياسات أوباما الحالية النتائج المرجوة على صعيد إنقاذ الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الرأسمالي العالمي عامةً، وإعادة الاعتبار لدور الولايات المتحدة الكوني.

فإذا كان طريق إنقاذ النظام الاقتصادي يتطلب حرباً، على طريقة الأربعينيات، وإن كان بأشكال وأحجام مختلفة، فأصحاب القرار الاقتصادي الكبار لن يترددوا في الاختيار إذا ما فشلت الطرق الأخرى، وإذا ما كان الوضع العالمي مهدداً باضطرابات واسعة تفتح آفاقاً مخيفة بالنسبة لهؤلاء.

لكن مصلحة العالم وشعوبه ألاّ تصل الأمور إلى هذا الحد.

ولكن كيف يمكن تفادي الاحتمالات الأسوأ؟ وما هي المخارج الأخرى الممكنة من هذه الأزمة؟ وهل النظام الاقتصادي السائد قابلٌ للإصلاح المستدام؟ أسئلة تحتاج إلى مجال آخر للإجابة عليها. 

■ رام الله – فلسطين

آخر تعديل على الأحد, 31 تموز/يوليو 2016 21:59