استراتيجية «الثورات الملونة».. والجوهر الإمبريالي للنظام العالمي الجديد

في أعقاب الجيوستراتيجية الأمريكية التي أسماها بريجنسكي «بلقان عالمي»، عملت حكومة الولايات المتحدة على نحوٍ وثيقٍ مع المنظمات غير الحكومية الرئيسية لـ«إشاعة الديمقراطية»  و«الحرية» في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لاعبةً دوراً أساسياً في التحريض على ما أطلق عليه اسم «الثورات الملونة» التي أوصلت قادةً دمى موالين للغرب للدفاع عن مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية.

تطويق روسيا

تحلل هذه المقالة الثورات الملونة بوصفها خدعةً حربيةً رئيسيةً لفرض الولايات المتحدة زعيمةً لنظامٍ عالميٍّ جديد. استراتيجية «الثورة الملونة» أو الثورة «الناعمة» هي تكتيكٌ سياسيٌّ خفيّ لتوسيع نفوذ الناتو والولايات المتحدة إلى حدود روسيا وحتى الصين، تتوافق مع الأهداف الرئيسية لاستراتيجية الولايات المتحدة في نظامٍ عالميٍّ جديد؛ تطويق الصين وروسيا ومنع بروز أيّ تحدٍّ لسلطة الولايات المتحدة في المنطقة.
صورت وسائل الإعلام الغربية هذه الثورات على أنها ثوراتٌ ديمقراطية شعبية طالبت فيها شعوب هذه البلدان بحكمٍ ديمقراطيّ مسؤول من زعمائها المستبدين ونظمها السياسية البائدة، لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن تلك الفرضيات الطوباوية المتخيلة، حيث قامت منظمات الغرب غير الحكومية ووسائل الإعلام بتمويل وتنظيم مجموعاتٍ معارضة وحركاتٍ اجتماعية، ووسط الانتخابات خلقت حساً عاماً بتزوير الانتخابات بغرض تعبئة حركات الاحتجاج الجماهيرية للمطالبة بإيصال مرشحها إلى السلطة. وما حدث أنّ مرشحها كان دوماً المرشح المفضل للغرب، والذي موّلت واشنطن حملته بكثافةٍ لأنّه يعتزم اتباع سياسةٍ محابيةٍ للولايات المتحدة ولشروط النيوليبرالية الاقتصادية. في المحصلة، كانت تلك الشعوب هي الخاسرة، لأنّ قادتها السياسيين وبتأثيرٍ من الولايات المتحدة تنكّرت لآمالها المرجوّة.
كان للثورات الناعمة كذلك تأثيرٌ على الصين وروسيا، خاصّةً بزرع محمياتٍ أمريكيةٍ على حدودهما، ودفع العديد من بلدان حلف وارسو السابق إلى السعي وراء تعاونٍ عسكريٍّ واقتصاديٍّ وسياسيٍّ أوثق. فاقم ذلك لاحقاً التوترات بين الغرب من جانب وروسيا والصين من جانبٍ آخر، ما أدى إلى اقتراب العالم من نزاعٍ محتملٍ بين الكتلتين.
 
صربيا

عاشت صربيا «ثورتها الملونة» في تشرين الأول 2000، والتي أدّت إلى الإطاحة بالزعيم الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش. وكما ذكرت صحيفة الواشنطن بوست في كانون الأول 2000، فمنذ العام 1999، شرعت الولايات المتحدة بـ«استراتيجيةٍ انتخابية» كبرى لطرد ميلوسوفيتش، حين موّلت خبراء لعبوا دوراً حاسماً في حملة مناهضة ميلوسوفيتش، من خلال إدارة استطلاعات الرأي وتدريب آلافٍ من الناشطين المعارضين والمساعدة على تنظيم استطلاعات رأي موازية بالغة الحيوية. دفع دافعو الضرائب الأمريكيون ثمن خمسة آلاف علبة من رذاذ الطلاء استخدمها ناشطو التلاميذ في الرسومات المناهضة لميلوسوفيتش على جدران صربيا، و2.5 مليون ملصق شعاره «لقد انتهى»، والذي أصبح شعار الثورة البرّاق. وما يثير الانتباه أكثر أنّ «بعض الأمريكيين المتورطين في جهود مناهضة ميلوسوفيتش قالوا إنهم مطّلعون على نشاط السي آي إيه في الحملة، لكنّهم لم يكشفوا ما الذي كانت على وشك القيام به. أياً كان الأمر، فقد استنتجوا أنّه لم يكن فعالاً على نحوٍ خاص. فالدور الرئيسي قامت به وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية ووكالة المساعدة الخارجية، التي أوصلت الأموال عبر المتعهدين التجاريين ومجموعاتٍ غير ربحية مثل المعهد القومي للديمقراطية ونظيره الجمهوري المعهد الجمهوري الدولي».
المعهد القومي للديمقراطية عمل على نحوٍ وثيقٍ مع أحزاب المعارضة الصربية. أما المعهد الجمهوري الدولي، فقد ركّز اهتمامه على مجموعة أوتبور (مقاومة)، التي أفادت كهيكلٍ للثورة إيديولوجياً وتنظيمياً. في آذار، دفع المعهد الجمهوري الدولي لعشراتٍ من الأوتبور لعقد حلقةٍ دراسيةٍ حول المقاومة اللاعنفية في فندق هيلتون في بودابست». وفي الحلقة، «تلقى التلاميذ الصرب تدريباتٍ على مسائل من قبيل كيفية تنظيم الأحزاب وكيفية التواصل مع الرموز وكيفية التغلب على الخوف وكيفية تقويض سلطة نظام ديكتاتوري.
وكما كشفت صحيفة النيويورك تايمز، فقد تلقّت أوتبور، وهي تجمّع الطلاب المعارضين الرئيسي، سيلاً من الأموال من الصندوق الوطني للديمقراطية NED، وهي منظمةٌ لإشاعة الديمقراطية يمولها الكونغرس. تقدّم الوكالة الدولية للتنمية USAID للأوتبور، كما هو حال المعهد الجمهوري الدولي، وهي مجموعةٌ غير حكومية أخرى في واشنطن تمولها جزئياً وكالة التنمية الدولية.
 
جورجيا
في العام 2003، مضت جورجيا في «ثورتها الوردية» التي أطاحت بالرئيس إدوارد شفيردنادزه، ووضعت محله ميخائيل ساكاشفيلي بعد انتخابات 2004. في تشرين الأول 2003، ذكرت مقالةٌ نشرتها غلوب أند ميل أنّ صندوقاً مقره الولايات المتحدة «بدأ بالعمل على إسقاط الرئيس الجيورجي شفيردنادزه»، وبتمويلٍ من المنظمة غير الحكومية، أرسل ناشطاً من تبليسي عمره 31 عاماً اسمه جيغا بوكيريا إلى صربيا للاجتماع بأعضاء من حركة أوتبور (مقاومة) والتعلم منهم كيفية استخدامهم لمظاهرات الشارع في إسقاط الديكتاتور ميلوسوفيتش. بعد ذلك، وفي الصيف، «موّل الصندوق رحلةً لناشطين من أوتبور إلى جيورجيا، أقاموا دوراتٍ تدريبيةً لأكثر من 1000 تلميذ حول كيفية القيام بثورةٍ سلمية». هذا الصندوق موّل أيضاً محطة تلفزيون شعبية معارضة لعبت دوراً حاسماً في تعبئة التأييد لثورة مخملية، وذكر أنّه قدّم دعماً مالياً لمجموعةٍ شبابية قادت احتجاجات الشوارع. صاحب الصندوق تربطه علاقةٌ متينةٌ بالمناوئ الرئيسي لشفيردنادزه، ميخائيل ساكاشفيلي، وهو محامٍ تلقّى تعليمه في نيويورك، ومن المتوقع أن يفوز بالرئاسة في انتخابات 4 حزيران.
في مؤتمرٍ صحفي قبل استقالة شفيردنادزه بأسبوع، قال إنّ هيئةً أمريكيةً «تعارض رئيس جورجيا»، فضلاً عن أنّ «بوكيريا تلقى عن طريق معهد الحرية الذي يرأسه أموالاً من [الهيئة الممولة] ومعهد أوراسيا الذي تدعمه حكومة واشنطن، يقال إنّ ثلاث منظمات أخرى لعبت دوراً رئيسياً في سقوط شفيردنادزه: حزب الحركة الوطنية برئاسة ساكاشفيلي، ومحطة تلفزيون روستافي 2، وكامارا، وهي مجموعةٌ شبابية أعلنت الحرب على شفيرنادزه في نيسان وبدأت حملة ملصقات ورسوم جدارية تهاجم فساد الحكومة».
في اليوم التالي، نشر المؤلف مقالةً أخرى في غلوبال أند ميل موضحاً أنّ «الثورة اللادموية» في جيورجيا «تبدو وكأنّها نصرٌ آخر تحرزه الولايات المتحدة على روسيا في لعبة الشطرنج الدولية لما بعد الحرب الباردة». أوضح المؤلّف مارك ماكينون أنّ سقوط شفيردنادزه يتّصل بـ«النفط الكامن في بحر قزوين، أحد أكبر مصادر النفط غير المستغلة في العالم» حيث «سرعان ما ستصبح جيورجيا وجارتها أذربيجان، المجاورتان لبحر قزوين، ليستا دولتين مستقلتين فحسب، بل جزءاً من (ممر الطاقة)». وضعت خططٌ لمدّ «أنابيب نفط تعبر جيورجيا نحو تركيا والبحر الأبيض المتوسط». يستحق الأمر هنا اقتباس كلام ماكينون:
«حين وضعت هذه الخطط، نظر مستثمرو الغرب وحكومة الولايات المتحدة إلى شفيردنادزه بوصفه مصدر قوّةٍ لهم. فسمعته بوصفه رجلاً ساعد على إنهاء الحرب الباردة منحت المستثمرين ثقةً في بلده، وتصريحه بعزمه على إخراج جيورجيا من فلك روسيا وضمها إلى مؤسسات الغرب مثل حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي ترك أثراً حسناً لدى الخارجية الأمريكية. سرعان ما تحرّكت الولايات المتحدة نحو ضمّ جيورجيا، مفتتحةً قاعدةً عسكريةً في البلد [2001] لمساعدة القوات المسلحة الجيورجية في التدرّب على «مكافحة الإرهاب». وكان جنود القاعدة أوّل جنودٍ يطؤون أراضي جمهوريةٍ سوفييتيةٍ سابقاً.
لكن في مكانٍ آخر، عكس شفيردنادزه المسار مقرراً الانضمام مجدداً إلى روسيا.
في ذلك الصيف، وقّعت جيورجيا عقداً سرّياً لمدّة 15 عاماً جعل من عملاق النفط الروسي غازبروم مزودها الوحيد بالغاز. ثمّ باعت شركة الكهرباء إلى شركةٍ روسيةٍ أخرى، مستبعدةً شركة AES التي دعمتها الولايات المتحدة من الفوز بالعقد. هاجم شفيرنادزه الشركة بوصفها «كاذبةً ومخادعة». زاد كلا العقدين نفوذ روسيا في تبليسي على نحوٍ مفاجئ.
بعد الانتخابات في جيورجيا، استلم الرئاسة ميخائيل ساكاشفيلي المدعوم من الولايات المتحدة وخرّيج جامعاتها، فـ«كان الرابح». وهذا مثالٌ عن العلاقة الوثيقة بين جيوسياسات النفط والسياسة الخارجية الأمريكية. كانت الثورة الملونة حيويةً في متابعة مصالح الناتو والولايات المتحدة قدماً في المنطقة؛ إحراز السيطرة على موارد الغاز في آسيا الوسطى ومنع روسيا من توسيع نفوذها. يتوافق ذلك مباشرةً مع استراتيجية الولايات المتحدة ـ الناتو لبناء نظامٍ عالميٍّ جديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

 

أوكرانيا

في العام 2004، مضت أوكرانيا في «ثورتها البرتقالية»، حيث أصبح المعارض والزعيم الموالي للغرب فيكتور يوشينكو رئيساً بعد أن هزم فيكتور يانكوفيتش. وقد كشفت الغارديان في العام 2004 أنّه بعد انتخاباتٍ مشكوكٍ فيها (كما يحدث في كلّ «ثورةٍ ملوّنة»)، «أحرز مناضلو الديمقراطية لحركة الشبيبة الأوكرانية (بورا) نصراً مشهوداً ـ أياً كانت حصيلة المواجهات الخطيرة في كييف» ومع ذلك، «فالحملة هي إبداعٌ أمريكي، وتمرينٌ متطوّرٌ ولامعٌ بوسمةٍ غربيةٍ وتسويقٍ جماهيري تمّ استخدامه في أربع دولٍ وفي أربع سنواتٍ لمحاولة إنقاذ انتخاباتٍ قائمة وإسقاط أنظمةٍ سيئة».
أوضح المؤلّف إيان تراينور أنّ «حملةً موّلتها ونظّمتها حكومة الولايات المتحدة وشاركت فيها شركاتٌ استشاريةٌ أمريكية ومستطلعو رأيٍ ودبلوماسيون والحزبان الأمريكيان الرئيسيان ومنظماتٌ أمريكية غير حكومية، استخدمت لأول مرةٍ في أوروبا في بلغراد في العام 2000 لهزيمة سلوبودان ميلوسوفيتش في صناديق الاقتراع»، وأكثر من ذلك، فالمعهد القومي للديمقراطية التابع للحزب الديمقراطي والمعهد الجمهوري التابع للحزب الجمهوري والخارجية الأمريكية ووكالة التنمية الدولية كانت الوكالات الرئيسية التي تدخّلت في هذه الحملات الجماهيرية إضافةً إلى بيت الحرّية، وهو منظّمة غير حكومية. كما تدخّل الممول صاحب المليارات نفسه في ثورة جيورجيا الوردية. وفي تطبيق استراتيجية تغيير النظم، «يتوجب على المعارضات المنقسمة أن تتحد وراء مرشّحٍ وحيدٍ لإسقاط النظام. يتم اختيار هذا الزعيم على خلفيةٍ موضوعيةٍ وعملية، حتى لو كان مناهضاً لأمريكا».

يتابع تراينور:

«ساعد بيت الحرية والمعهد القومي للديمقراطية على تمويل وتنظيم (جهود مراقبة الانتخابات الإقليمية المدنية الأكبر) في أوكرانيا، باستخدام أكثر من 1000 مراقب متدرب، كما نظما استطلاعاتٍ للرأي. مساء الأحد، منحت هذه الاستطلاعات يوشينكو أحد عشر نقطةً أدّت إلى ما حدث لاحقاً ووضعت جدول أعماله.
بدا أنّ هذه الاستطلاعات حاسمة لأنها استحوذت على المبادرة في معركة الدعاية مع النظام، إذ ظهرت أولاً، وتلقت تغطيةً إعلاميةً واسعةً ووضعت عبء الردّ على السلطات.. اهتمت المرحلة الختامية في النسخة الأمريكية بكيفية الردّ حين يحاول صاحب المنصب سرقة انتخاباتٍ خاسرة.
في العام 2004، ذكرت الأسوشييتد برس أنّ «إدارة بوش أنفقت أكثر من 65 مليون دولار في السنتين الماضيتين لمساعدة منظماتٍ سياسيةٍ في أوكرانيا، مغطيةً نفقات إحضار الزعيم المعارض فيكتور يوشينكو للاجتماع بقادة الولايات المتحدة ومساعدةً على تأمين استطلاعات رأيٍ غير رسميةٍ تشير إلى فوزه في انتخابات الجولة الثانية المتنازع عليها في الشهر المنصرم». الحال، أنّه «تدفّق من خلال منظماتٍ على شاكلة هيئة أوراسيا أو من خلال مجموعاتٍ ديمقراطيةٍ وجمهوريةٍ نظّمت تدريباتٍ انتخابية، في منتديات حقوق الإنسان أو دكاكين الصحف المستقلة». مع ذلك، فحتّى المسؤولون الحكوميون «يعترفون بأنّ قسماً من الأموال ساعد على تدريب مجموعاتٍ وأفرادٍ معارضين لمرشح الحكومة الذي تدعمه روسيا».
ذكر التقرير أنّ مجموعة مؤسساتٍ دوليةٍ كبرى موّلت استطلاعات الرأي، التي قدّمت نتائج مزوّرة.. تتضمّن هذه المؤسسات الصندوق القومي للديمقراطية الذي يتلقّى أمواله من الكونغرس مباشرةً؛ مؤسسة أوراسيا التي تتلقى أموالها من وزارة الخارجية؛ ومؤسسة النهضة التي تتلقى أموالها من أصحاب ملياراتٍ إضافةً إلى وزارة الخارجية. وطالما أنّ وزارة الخارجية متورطة، فهذا يعني أنّ التمويل مرتبطٌ باستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية.
كتب مارك ألموند في الغارديان في العام 2000 أنّ «الثورة في أوكرانيا قدّمت بوصفها معركةً بين الشعب وبين السلطة في الحقبة السوفييتية. أما دور وكالات الغرب في حقبة الحرب الباردة، فهو أمرٌ محرّم الذكر. ما إن يشار إلى تمويل المهرجان الباذخ في كييف حتى تظهر الردود الغاضبة أنّك لمست ما يوجع في النظام العالمي الجديد».
 ثورة الزنبق في قرغيزيا
في العام 2005، خاضت قرغيزيا «ثورة الزنبق» الخاصة بها، استبدل فيها صاحب المنصب بمرشحٍ موالٍ للغرب من خلال «ثورة شعبية» أخرى. فكما ذكرت النيويورك تايمز في آذار 2005، قبل وقتٍ قصيرٍ من الانتخابات، «نشرت صحيفةٌ معارضةٌ صوراً لمنزلٍ فخمٍ قيد الإنشاء لرئيس بلادٍ لا يتمتّع بأيّة شعبية، آكاييف، ما ساعد على اندلاع غضبٍ واسع النطاق وثورةٍ شعبية». لكنّ «هذه الصحيفة تتلقى هباتٍ من الحكومة الأمريكية وتطبع في مطبعةٍ تمولها الحكومة الأمريكية وتديرها مؤسسة بيت الحرية، وهي منظمةٌ أمريكية تعتبر نفسها (صوت الحرية والسلم حول العالم)».
علاوةً على ذلك، فبلدانٌ أخرى «ساعدت على ضمان برامج تطوير الديمقراطية والمجتمع المدني» في قرغيزيا مثل بريطانيا وهولندا والنرويج. هذه الدول مجتمعةً لعبت دوراً حاسماً في الإعداد لتمرّدٍ شعبيٍّ يوصل سياسيين معارضين إلى السلطة. تتدفّق الأموال غالباً من الولايات المتحدة خاصةً عن طريق الصندوق القومي للديمقراطية، إضافةً إلى مؤسسة بيت الحرية للطباعة أو قسم اللغة القرغيزية في راديو الحرية، وهي محطة بثٍّ تؤيّد الديمقراطية. كما لعب المعهد القومي للديمقراطية دوراً تمويلياً أساسياً والذي قال أحد المستفيدين من مساعداته المالية إنّه «سيكون أمراً مستحيلاً حدوث ذلك دون تلك المساعدة».
كما أضافت التايمز:
«تساعد الأموال الأمريكية في تمويل مراكز المجتمع المدني في البلد، حيث يستطيع المواطنون والناشطون الاجتماع وتلقي التدريب وقراءة صحفٍ مستقلة وحتى مشاهدة محطة السي إن إن أو تصفّح مواقع الإنترنت. يدير المعهد القومي للديمقراطية 20 مركزاً يقدّم ملخصاتٍ إخبارية بالروسية والقرغيزية والأوزبكية.
كما ترعى الولايات المتحدة الجامعة الأمريكية في قرغيزيا ومهمتها المعلنة، جزئياً، تشجيع تطوير المجتمع المدني، وتغطي نفقات برامج التبادل التي ترسل الطلاب وقادة المنظمات غير الحكومية إلى الولايات المتحدة. كان رئيس الوزراء القرغيزي الجديد، كولامانبيك باكييف، أحد أولئك المرسلين.. وفّرت هذه الأموال والقوى البشرية للمعارضة القرغيزية الدعم المالي والمعنوي في السنوات الراهنة إضافةً إلى البنية التحتية التي تسمح بإيصال أفكارها إلى الشعب القرغيزي».
وقد كشفت وول ستريت جورنال قبل الانتخابات أنّ مجموعاتٍ ومنظماتٍ غير حكومية ووسائل إعلامٍ مستقلةً في قرغيزيا تلقّت مساعداتٍ مالية من بيت الحرية في الولايات المتحدة، وكذلك من وكالة التنمية الدولية. كما ذكرت المجلة أيضاً أنّ قرغيزيا «تحتل موقعاً استراتيجياً، حيث تتواجد قواعد عسكرية روسية وأمريكية، وحيث يتواجد البلد الذي يعدّ خمسة ملايين معظمهم من المسلمين في جوارٍ عنيف، بين كازاخستان الغنية بالنفط والتي يجيز نظامها معارضةً سياسيةً محدودةً وبين أوزباكستان الدكتاتورية الخاضعة لمجموعات المساعدة الخارجية وطاجاكستان المعدمة»..
أشار رئيس قرغيزيا أكاييف إلى «قوةٍ ثالثة» تحوز السلطة في بلاده. وهو مصطلحٌ مستعارٌ من أبرز مراكز البحث في الولايات المتحدة، «قوة ثالثة» هي:
«... التي تصف كيف تستطيع منظماتٌ غير حكومية يدعمها الغرب تشجيع تغيير النظم والسياسات في طول العالم وعرضه. التكرار الشكلي لثورة (قوة الشعب) الثالثة في الاتحاد السوفييتي السابق خلال عامٍ واحد ـ بعد أحداثٍ مشابهة في جيورجيا في تشرين الأول 2003 وأوكرانيا عشية عيد الميلاد السابق ـ تعني أنّ المجال المابعد سوفييتي الراهن يشابه أمريكا الوسطى في السبعينيات والثمانينيات، حيث عزّزت سلسلةٌ من الانقلابات العسكرية المدعومة من واشنطن نفوذ الولايات المتحدة على نصف الكرة الغربي».
وكما ذكرت الغارديان: «فالعديد من الفاعلين الحكوميين الأمريكيين في أمريكا اللاتينية نقلوا تجارتهم إلى أوروبا الشرقية في عهد جورج بوش مثل أكثرهم شهرةً مايكل كوزاك السفير السابق في بيلاروسيا الذي تبجّح بالقول في العام 2001 إنّه قام في بيلاروسيا بما فعله تماماً في نيكاراغوا: دعم الديمقراطية».
 
خلاصة

 الثورات الناعمة أو «الثورات الملونة» هي خدعةٌ حربيةٌ أساسيةٌ في النظام العالمي الجديد، تدفع إلى الأمام ومن خلال الخديعة والتلاعب الاستراتيجية الأساسية لاحتواء روسيا والسيطرة على الموارد الرئيسية. وهي حاسمةٌ في فهم الجوهر الإمبريالي للنظام العالمي الجديد، خاصةً حين تم تكرارها في الانتخابات الإيرانية في العام 2009.
*أندرو غيفن مارشال: باحث مساعد في مركز أبحاث العولمة CRG، يقوم حالياً بتدريس الاقتصاد السياسي والتاريخ في جامعة سيمون فريزر.

أندرو غريفن مارشال