سيناريوهات متخيلة: «الناتو» يرعب شرق أوروبا
بقلم: فالنتين فاسيليسكو - إعداد: رنا مقداد بقلم: فالنتين فاسيليسكو - إعداد: رنا مقداد

سيناريوهات متخيلة: «الناتو» يرعب شرق أوروبا

في إطار اجتماعات حلف «الناتو»، عرضت رومانيا «حماية» الجيش الأوكراني في مجال الأمن السيبراني (أمن المعلومات والشبكات)، وفي الفترة الأخيرة، تبدي رومانيا نشاطاً عالي المستوى على خط الأزمة الأوكرانية. وفي الخلفية الأيديولوجية لصانعي السياسات في رومانيا تحضر تلك الأراضي التي تشكل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لرومانيا، وللجناح الشرقي لحلف الناتو عموماً.

 

لماذا قد تحتاج رومانيا إلى أسطول دائم لحلف «شمال الأطلسي» في البحر الأسود؟ في الواقع، لقد كانت مبادرة غريبة تلك التي أعلن عنها الرئيس الروماني، كلاوس لوهانيس، عبر طلبه انتهاك اتفاقية «مونترو» من خلال وجود دائم في البحر الأسود من مجموعات قتالية قوية تابعة لبحرية «الناتو»، تتألف من سفن حربية تابعة للدول غير المتشاطئة على البحر الأسود (مثل الولايات المتحدة، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وإنجلترا وكندا). 

تعرّض اقتراح رومانيا للرفض من جانب بلغاريا- الدولة التي تملك شواطئ على البحر الأسود مثل رومانيا. إذ تقيّد اتفاقية «مونترو» لعام 1936 حركة السفن الحربية التابعة للدول غير المتشاطئة على البحر الأسود من الدخول عن طريق مضيق البوسفور والدردنيل، إذا بلغت حمولتها أكثر من 10 آلاف طن. وإذا كانت السفن تعود للدول المتشاطئة على البحر الأسود والتي تشارك في حلف شمال الأطلسي، فينبغي ألا يتجاوز إجمالي حمولتها 45 ألف طن. في الحقيقة، يدلّ هذا الاقتراح «الحربجي» من رومانيا على موقف عدواني ضد روسيا كثيراً ما تمّت تغذيته أمريكياً.

ماذا عن جزيرة «الثعابين»؟

تثبت دعوة رومانيا آنفة الذكر الغياب الكامل للاستراتيجية العسكرية لدى سياسييها الذين لا يدخرون جهداً، وسوف يقومون بأي شيء لتحريك مواجهة عسكرية ضد روسيا. والحجة البسيطة في هذا الاتجاه، هي أنه في البحر الأسود، وعلى بعد 45 كيلومتر من الساحل الروماني،  و120 كم من أوديسا الأوكرانية، تقع جزيرة الثعابين التي يبلغ طولها حوالي 1 كم، وعرضها 440 متر..!

حتى عام 1944، كانت جزيرة الثعابين مع رومانيا، ثم أصبحت في حوزة الاتحاد السوفييتي حتى العام 1991، ومنذ ذلك الحين، هي تابعة للأراضي الأوكرانية. لم يطعن قادة رومانيا أبداً بحق أوكرانيا في هذه الجزيرة في السنوات الـ25 الماضية، والتي كانت في الواقع أراضٍ رومانية. وهذا يثبت أن القادة السياسيين والعسكريين الرومانيين لا يعرفون الأهمية الاستراتيجية لهذه الجزيرة في البحر الأسود، والتي هي أثمن من أسطول حلف شمال الأطلسي كله. فمن جزيرة الثعابين، يمكن لرومانيا كشف ومواجهة أي إنزال روسي مفترض على الشاطئ الروماني.

رومانيا: بوابة التغلغل في غرب البلقان

في العلوم العسكرية، تشكل رومانيا بوابة لمسرح العمليات العسكرية في وسط وشرق أوروبا، من خلال التطبيقات العسكرية والتوجه الاستراتيجي في البلقان الذي يشكل الجسر الذي يربط بين أوروبا وآسيا والقارة الأفريقية.

ويتم وضع رومانيا استراتيجياً على أحد الاتجاهين الاستراتيجيين في منطقة البلقان، وهو الاتجاه التركي، الذي يبدأ في اسطنبول، ويمر عبر الأراضي البلغارية وجبال الكاربات في رومانيا، ليصل إلى بلغراد وبانتشيفو وبودابست. لذلك، فإن روسيا مهتمة في خلق توازن جديد مستقر في غرب البلقان، وتحتاج إلى ممر من البحر الأسود إلى صربيا مروراً برومانيا. إلا أن ذلك ليس خاضعاً لمنطق الهيمنة كما تحاول بروباغندا الغرب أن تصوّر، إنما يخضع للمواجهة الاستراتيجية الجارية منذ زمن بين الناتو، ومن خلفه الولايات المتحدة، وروسيا.

جزيرة «الثعابين» بديل الدرع الباليستية الأمريكية

مجمع الدرع الباليستية الذي يقع في مدينة ديفيسيلو (رومانيا) هو مجمع على الأرض، مأخوذ من فئة المدمرة الأمريكية «أرلايج بيرك»، ويتألف من رادار نوع «AN/SPY-1D»، لتتبع الأهداف والصواريخ، ويعتمد على النظام التوجيهي «Mk-41 VLS»، ويتألف من خلايا من النوع العمودي. 

لدى نظام «VLS Mk-41» القدرة على إطلاق مجموعة من أنواع الصواريخ من السفن إلى الفضاء، ومن السفن ضد السفن والغواصات والأهداف الساحلية، وهذه المجموعات ذات مدى متنوع حسب الأهداف تتراوح من مدى 190كم وحتى 1400كم، مع وجود نظام إطلاق عمودي. ولهذا السبب، فإن المركز الأمريكي بأكمله في ديفيسيلو يناسب جزيرة «الثعابين».

تشكل جزيرة «الثعابين» أيضاً المكان الأمثل لبؤرة استيطانية تهدف للسيطرة على الوضع حول ترانسنيستريا. وترانسنيستريا الانفصالية هي جزء من مولدوفيا (بيسارابيا الرومانية السابقة)، والتي لا تملك حدوداً مع روسيا، وتستضيف وحدة من قوات «حفظ السلام» التي لا تزال تتكون من الجيش الروسي.

لقد مررت كل من أوكرانيا ومولدوفيا قانوناً يلغي الاتفاقات السابقة بشأن العبور من ترانسنيستريا وإليها. وتبلغ الحدود بين ترانسنيستريا وأوديسا- حيث تم نشر لواء ميكانيكي أوكراني- 95 كم، ويتم التحكم في النقاط جميعها من جانب أوكرانيا. وفي الأساس، فإن الجيش الروسي في ترانسنيستريا لا يمكن استبداله أو دعمه في تلك المنطقة. 

في 4/1/2016، نشر هارون كوريفا، مستشار وزير خارجية السويد، مقالاً وضع فيه السيناريو التالي: «سترسل روسيا سفناً مدنية عدة بالقرب من جزيرة الثعابين، مدربة في مهمات إنسانية من القواعد الروسية في شبه جزيرة القرم. هؤلاء سيكونون في الواقع «الرجال الخضر الصغار» الروس، يحملون «AK-47» التي من شأنها أن تحط على جزيرة الثعابين، باستخدام قوارب يتم تثبيتها على أربع غواصات روسية وسفن تحت الحماية الروسية. سوف تتحول جزيرة الثعابين تحت الاحتلال الروسي إلى ثكنة عسكرية من شأنها أن تضمن السيطرة على البحر الأسود من الجهتين الغربية والشمالية الغربية». يمثل هذا جزءاً يسيراً من حملة الإرعاب التي يقوم بها الأوروبيون بحق دول أوروبا الشرقية.

المعركة محسومة.. استراتيجياً

إذا قررت روسيا الاستيلاء على جزيرة الثعابين، يمكن لأسطول البحر الأسود من السفن الحربية الروسية إغلاق خليج أوديسا، وبالتالي منع الأسطول الأوكراني الصغير من الحركة. وباستخدام الطائرات المقاتلة، والمروحيات الهجومية والسفن الحربية ومشاة البحرية الروس يمكن أن تستسلم الحامية الأوكرانية في جزيرة الأفعى خلال 2-4 ساعات، دون أية مقاومة..!

كما أن الطرادات من طبقة بويان التابعة لأسطول بحر قزوين، لديها منصات لإطلاق صواريخ كروز KALIBR (ذات المدى 1500 كلم) والتي ضربت سابقاً أهدافاً عدة في سورية. حيث استخدمت روسيا معدات النطاق العريض الروسية «Krasukha-4» بنجاح في سورية، والتي تستطيع التشويش على رادارات الأقمار الصناعية العسكرية والرادارات البحرية والرادارات الأرضية في رومانيا ومولدوفا وجنوب أوكرانيا، وعلى أواكس وعلى رادارات المقاتلات الجوية. 

ويمكن للروس بناء منصات للرادار ذات القوة العالية للتشويش من نوع «Krasukha-4» على التربة الصخرية في جزيرة الثعابين، وأنظمة «REDUT UKSK»، وأنظمة صواريخ أرض- أرض من نوع اسكندر (500 كم). وهكذا سيكون لدى روسيا الإمكانية لخلق «منطقة استبعاد» في البحر الأسود في الشمال الغربي، كما هو الحال في شبه جزيرة القرم، حيث بإمكانها أن تمنع جميع وسائل حلف شمال الأطلسي من العمل. وسيكون الدرع الباليستي الأمريكي في ديفيسيلو مهدداً من صواريخ اسكندر التي تقع في جزيرة الثعابين، لأن المسافة  بين الموقعين هي 479 كم. بكلام آخر، تستطيع روسيا أن تفعل ذلك متى تشاء لكنها لا تفكر في ذلك، إذ أن سيناريو للمواجهة كهذا هو محسوم استراتيجياً لمصلحة الروس، وهناك آلاف الطرق لاحتوائه