العالم من منظور «الشيوعي الهندي الماركسي»

العالم من منظور «الشيوعي الهندي الماركسي»

تعرض «قاسيون» بعضاً مما جاء في مشروع التقرير السياسي للمؤتمر الحادي والعشرين للحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، وهو المشروع الذي أقرته اللجنة المركزية في اجتماعها المنعقد في كانون الثاني 2015 في حيدر آباد، حيث جرى استهلاله باستعراضٍ مكثفٍ لأبرز المجريات السياسية في الساحة الهندية.

ترجمة وإعداد: علاء أبو فراج   


ما يهمنا هنا هو عرض رؤية واحد من أبرز وأعرق الأحزاب السياسية الهندية للوضع الدولي، دون أن يعني ذلك التقليل من الجوانب الأخرى التي تحمل بمعظمها طابعاً هندياً خاصاً.


الفاشية الجديدة: أداة تثبيت الهيمنة

يؤكد التقرير السياسي للمؤتمر أن الولايات المتحدة، وبصفتها قائداً للكتلة الإمبريالية، وعلى خلفية انخفاض قوتها الاقتصادية، خصوصاً بعد الأزمة المالية في 2008، تواجه تحديات وعقبات جديدة، تتمثل بفشل تدخلاتها العسكرية في غرب آسيا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية المتجسدة بتثبيت سيطرتها على المنطقة. أما في أوروبا، فتواصل روسيا وقوفها بحزم بوجه تقدم «الناتو» والولايات المتحدة شرقاً، والذي يعد توسعاً للنفوذ الغربي في دول الاتحاد السوفيتي السابق كأوكرانيا. إذ أن أمريكا والاتحاد الأوروبي دعما التحرك الذي أطاح بالحكومة المنتخبة، واعترفا ضمنياً بالمليشيات النازية الجديدة. وبعد المحاولات الفاشلة للإطاحة بالجمهوريات الشعبية في دونيتسك ولوغانسك، تم الاتفاق على وقف إطلاق النار، لكن أمريكا و«الناتو» يواصلان تصعيد المواجهة مع روسيا، حيث يعكس الصراع في أوكرانيا التناقضات بين القوى الرأسمالية العظمى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا، في الجهة الأخرى.
يعد نشوء الصين كقوة عظمى وثاني قوة اقتصادية على الصعيد العالمي تهديداً للهيمنة الأمريكية في آسيا والمحيط الهادئ، حيث لم تعد أمريكا قادرة على فرض إملاءاتها بالمطلق داخل المنظمات متعددة الجنسيات (منظمة التجارة العالمية مثالاً)، فبدأت بمحاولاتها لاحتواء النفوذ الاقتصادي النامي للصين، عن طريق توقيع اتفاقيات تغطي ثلثي الاقتصاد العالمي في آسيا والمحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي، هذا فضلاً عن قيام إدارة أوباما بنقلة استراتيجية في آسيا تتمثل أولاً بتمركز الجزء الأكبر من قواتها البحرية في المحيط الهادئ، تالياً بتقوية علاقاتها العسكرية مع الهند، والترويج لإعادة تسليح اليابان في محاولة لتقديمها كدولة بوزن الصين، إذ تقوم حكومة الرئيس «شينزو آبي» في اليابان، وبدعم من الولايات المتحدة، بتمكين قدراتها الدفاعية وإنتاج الأسلحة، وستأخذ خطوات لإنشاء تحالف أمني رباعي يضم أمريكا وأستراليا والهند واليابان. ويجري كل هذا في محاولة للإبقاء على دورها المهيمن في النظام الرأسمالي العالمي.
في آخر عقدين، شهد العالم الآثار المدمرة للتدخل العسكري الأطلسي-أمريكي في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية، وكان لتدخل أمريكا وحلفائها في سورية الدور الأساسي في انتشار الدمار، حيث خلقت الإمبريالية الأمريكية الظروف لنشوء قوى مثل «داعش» بسبب احتلالها للعراق، وأيضاً من خلال دعمها المتواصل للجماعات المتطرفة من خلال أدواتها (السعودية وتركيا وقطر). وكان للتدخلات الأمريكية أهدافاً أخرى بالمنطقة، تجلت بكبح وحرف موجة الانتفاضات الشعبية التي بدأت في مصر وتونس عن مسارها، بالإضافة إلى دعم أمريكا لـ«إسرائيل» التي استغلت، بدورها، الاضطرابات في الدول العربية لتطلق عدوانين وحشيين متتاليين على غزة توازياً مع توسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
أما في أفغانستان، وبعد أن كان قد أعلن أوباما أن القوات الأمريكية ستنسحب بنهاية 2014، تراجعت أمريكا عن قرارها، واعتزمت أن تبقي وجوداً عسكرياً لها في المنطقة. كذلك، أنشأت الولايات المتحدة، بمساعدة المملكة المتحدة وباسم «الأمن الوطني» و«محاربة الإرهاب»، نظاماً عالمياً للمراقبة والتجسس، يعد انتهاكاً لسيادة الدول.  


نحو عالم متعدد الأقطاب

أخذت دول «بريكس» خطوات إضافية لتعميق تعاونها في الجانب المؤسساتي. فأنشأت مصرفاً جديداً للتنمية وصندوقاً للاحتياطات، وقد يلعب هذا البنك دوراً إيجابياً إذا لم يتم تشغيله على غرار البنك الدولي. أما على الجبهة السياسية، وفي قضايا هامة كسورية وإيران، اختلف موقف «بريكس» عن موقف الولايات المتحدة وعارضت التدخل العسكري.
وكان لتدعيم مجموعة «بريكس» أثرٌ ملحوظ في سياق المضي باتجاه عالم متعدد الأقطاب، على الرغم من أنه لم يزل قاصراً نظراً لطبيعة الحكومات في معظم هذه البلدان. كذلك، تلعب المجموعات والمؤسسات الإقليمية، جنباً إلى جنب مع «بريكس» دوراً بترسيخ التعددية القطبية، مثل «منظمة شنغهاي للتعاون» و تجمع «دول أمريكا اللاتينية والكاريبي» و«التحالف البوليفاري لشعوب القارة الأمريكية» و«اتحاد دول أمريكا الجنوبية»، بالإضافة إلى الهيئات الإقليمية التي يجري التحضير لإطلاقها مثل «بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية»، الذي أنشأته الصين والذي يحوي 21 بلداً آسيوياً كأعضاء، من بينهم الهند.

أزمة اقتصادية بنيوية وزيادة حدة الاستغلال

لا يعتبر الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) الأزمة الاقتصادية العالمية الجارية «ظاهرة منفصلة»، بل يراها بوصفها «أزمة بنيوية متجذرة في جوهر قوانين النظام الرأسمالي». وفي هذا الصدد، يفند التقرير السياسي للحزب، الحجج حول الانتعاش الاقتصادي العالمي المزعوم:
حصل (الانتعاش) بمناطق محددة (الولايات المتحدة بشكلٍ أساسي)، وحتى هناك لا يزال ضعيفاً، إذ يبدو النمو واضحاً في أرقام الناتج المحلي الإجمالي أكثر من اتجاهات العمالة. من الناحية الأخرى، فإن أوروبا لا تزل في خضم الركود، واليابان تعيش أسوأ تدهور في سجل نموها الضعيف.
أما ما يخص الإنتاج الصناعي العالمي، فقد حقَّق منذ 2009 متوسط 40% فقط من المعدلات المحقَّقة قبل الركود، و 60% فقط من المتوسط على المدى الطويل. كما تنمو القطاعات الإنتاجية في الرأسمالية العالمية بشكلٍ بطيء جداً. فيما حقق الاقتصاد العالمي- وفقاً لتقرير UNCTAD (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) 2014– نمواً بمعدل 2.3% في 2012 و2013. ومن غير المتوقع أن يتحسن الوضع بـ2014، عدا الصين التي يتوقع أن تحقق نمواً بمعدل 7% في 2014 و2015.
إلى ذلك، كانت استجابة الطبقة الحاكمة للركود والأزمة متمثلة بالاقتطاع من الإنفاق العام وزيادة حدة استغلال العمال، يمكننا أن نتبين ذلك أنه وبين عامي 1999 و2013  تأخر النمو العالمي في الأجور الحقيقية عن نمو إنتاجية العمل.  وإذا ما استثنينا الصين التي استأثرت بالحصة الكبرى من النمو العالمي في الأجر الحقيقي، سيكون نمو الأجر الحقيقي يعادل 1.3% في 2012، و1% في 2013 (تقرير الأجور في العالم – 2014 - منظمة العمل الدولية).

أمريكا اللاتينية بعض إنجازات النموذج البديل

لحظ «الشيوعي الهندي الماركسي» في مسودة تقريره بعض إنجازات «النموذج البديل» في أمريكا اللاتينية، حيث «ناضلت الحكومات اليسارية في أمريكيا اللاتينية لطرح نموذج بديل متحدّين بذلك النيوليبرالية والإمبريالية. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها فنزويلا، ولكنها استطاعت انتهاج سياسات أمنت خلالها محلات الأغذية المدعومة ومطابخ الطعام المجاني، وأنشأت شبكة من المراكز الصحية المجانية، وزادت فرص التعليم المجاني والخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه الصالحة للشرب». 

كوبا لن تكون معزولة 

الخطوات باتجاه تطبيع العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة يجب أن ينظر إليها من زاوية أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع تجاهل الإرادة الجماعية لدول أمريكا الجنوبية التي رأت أن كوبا لا يجب أن تكون معزولة.


82% بعد التأميم!

أمنت حكومة موراليس في بوليفيا أرباحاً وصلت لـ82% بعد تأميم  قطاعات النفط والغاز، وتم تغطية الاتصالات والكهرباء من قبل القطاع الحكومي، واستردت أيضاً قطاعات الكهرباء والاتصالات. كذلك، حققت بوليفيا انخفاضاً بنسبة الفقر وصل إلى 32%، والتي تعد النسبة الأعلى للحد من الفقر في أمريكا اللاتينية خلال 2012.


40%  زيادة في الأجور الحقيقية

في الإكوادور، ارتفع الحد الدنى للأجور ليصل إلى 40% في آخر خمس سنوات، بالإضافة إلى انخفاض معدلات الفقر بشكل دراماتيكي منذ 2009، بمعدل الربع تقريباً، وتضاعفت نسبة الإنفاق على التعليم لتصل إلى 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كانت 2.6%.

آخر تعديل على الثلاثاء, 10 آذار/مارس 2015 01:04