استراتيجية «طريق الحرير» الصينية.. الرد الفعلي على «الشراكة عبر المحيط الهادئ»
 مين يي  مين يي

استراتيجية «طريق الحرير» الصينية.. الرد الفعلي على «الشراكة عبر المحيط الهادئ»

تخوض الصين والولايات المتحدة غمار المنافسة على اتفاقيات التجارة الحرة، بينما استضافت بكين منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي «أبيك» المنعقد في الحادي عشر من تشرين الثاني لهذا العام.

تقوم الولايات المتحدة، في المقابل، بتعزيز الشراكة عبر المحيط الهادي في اتفاقية واسعة للتجارة الحرة تضم اثنتي عشرة دولة، بدون الصين. وفي خطوة يعتبرها الكثيرون دفعة ضد محاولة الولايات المتحدة «إعادة التوازن لآسيا»، تأمل بكين بحشد الدعم لمنطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادي، من خلال اتفاقية أقل شمولية ولكنها تشمل الصين.

لكن «منطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادي» المتواضعة ليست الرد الفعلي للصين على «الشراكة عبر المحيط الهادي» الضخمة، والدعم الصريح لتحرير الأسواق والتقليل من التدخل الحكومي. فبدلاً من ذلك، سيكون رد الصين «استراتيجية طريق الحرير الجديدة»، وهي مجموعة مترامية الأطراف من الاتفاقيات التجارية واتفاقيات البنية التحتية التي اقترحها الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والتي تهدف إلى تعزيز التجارة الحرة- ودعم القوة الناعمة الصينية- مع جيران الصين إلى الجنوب والغرب.

نحو مقاييس غير مفصلة

على قياس واشنطن

تتطلع هذه الخطة، في إشارة إلى الطريق التجاري، الذي يربط الصين وأوروبا عبر آسيا الوسطى منذ القرن السابع وحتى القرن العاشر، إلى تعميق الروابط بين الصين وجيرانها عن طريق التجارة والاستثمار والطاقة والبنية التحتية وتدويل العملة الصينية الرينمبيني (اسم آخر لليوان متعارف عليه صينياً).

وأعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في الثامن من تشرين الثاني، عن إنشاء صندوق البنية التحتية لطريق الحرير بمبلغ 40 مليار دولار أمريكي، مع التركيز على بناء «الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات في جميع أنحاء آسيا الوسطى وجنوب آسيا»، وفقاً لوكالة «رويترز». 

تتوافق الرؤية الطموحة لاستراتيجية طريق الحرير مع أهداف الصين بشكل أكبر من «الشراكة عبر المحيط الهادي» التي تشكل انعكاساً للنموذج التجاري الدولي للولايات المتحدة، والذي يفرض نفسه وكأنه أمر قضائي. حيث يرى مؤيدو «الشراكة عبر المحيط الهادي» أنها رؤية جديدة للتجارة الحرة وتحرير الأسواق في جميع أنحاء العالم. فهي سوف تدمج الاقتصاد الأمريكي مع آسيا لدرجة الانصهار، لتشكل العمود الفقري لفكرة الولايات المتحدة في «إعادة التوازن لآسيا» والتي تعرضت للانتقاد بسببها.

وبذلك، ستوضع معايير أعلى لممارسة الأعمال التجارية، مع بنود تهدف إلى حماية حقوق العمال وحماية البيئة. حتى أنها قد تصبح أكثر شمولية وسلطة من منظمة التجارة العالمية. وهي هيئة مفصلة على مقاييس الولايات المتحدة وتضع حالياً قوانين وقواعد التجارة الدولية. حيث منظمة التجارة العالمية صامتة الآن إزاء بعض القضايا الساخنة، مثل دعم القطاع الزراعي وتصنيع قطع الغيار والمكونات والتجارة في الخدمات وحماية حقوق الملكية الفكرية. ولكن الشراكة عبر المحيط الهادي ستقوم بتغطية ذلك كله.

من قيودٍ على دور الدولة

إلى دعمها

تعتقد واشنطن أن الشراكة عبر المحيط الهادي ستؤدي إلى واحدة من استجابتين من قبل الصين، وكلاهما مفيد لمصالح الولايات المتحدة، إما أن صرامة معايير هذه الشراكة في العمل والبيئة ستجمد الصين وتبعدها عن كتلة تجارية ضخمة وهامة، مع أنها تتواجد في ساحتها الخلفية، أو أن الصين ستطالب بالانضمام، وهذه العملية ستجعلها دولة أكثر انفتاحاً اقتصادياً – مثلما حدث في السنوات التي سبقت سعيها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية في العام 2001. 

وفي الوقت نفسه، هناك أمل واسع الانتشار، في العواصم الآسيوية خارج بكين، أن الشراكة عبر الهادي ستجعل الصين أكثر دعماً للمفاوضات الإقليمية، وبالتالي أكثر عرضة والتزاماً بـ«ضبط النفس» في العديد من نزاعاتها الإقليمية مع جيرانها. حيث ستؤكد الولايات المتحدة على معايير عالية في تحرير السوق والانفتاح من خلال الشراكة عبر الهادي.

لا توجد أية «معايير» في استراتيجية طريق الحرير الصيني، باستثناء فكرة غامضة من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. وتسعى الشراكة عبر الهادي للحد من دور الحكومات في عمليات السوق، وتقييد أهمية ودور الشركات الحكومية في اقتصاديات أعضائها فقط. بينما يعتمد طريق الحرير، بالمقابل، على التنسيق الحكومي على مستوى عال، وسوف يعزز من قوة الشركات الكبرى المملوكة من قبل الدولة. تركز الشراكة عبر الهادي على الخدمات وحقوق الملكية الفكرية واللوائح المحلية. وتأمل استراتيجية طريق الحرير تسهيل إقامة البنية التحتية على نطاق واسع والطاقة والنقل والصناعات التحويلية.

الصين تفلت من محاولات احتوائها

المسألة ليست فقط في أن خطة طريق الحرير تناسب الصين بشكل أفضل. يرى كبار المفكرين السياسيين الصينيين أن الشراكة عبر الهادي كمشروع لإمكانية إضعاف الصين اقتصادياً وسياسياً هو استراتيجية «لاحتواء الصين» و«لتغيير أو إلغاء المؤسسات القائمة في آسيا والمحيط الهادي والعالم»، كما قال عالم الاقتصاد الصيني، غو غودا، بجامعة «تشجيانغ» في مقالة له بمجلة الحزب «المسبار».

وكتب تانغ غوه تشيانغ، رئيس اللجنة الوطنية الصينية لأبيك التابعة لمجلس التعاون الاقتصادي لمنطقة المحيط الهادي، في مقالة نشرت أوائل عام 2014 في الصحيفة الصينية «دراسات عالمية» أن الولايات المتحدة تصرفت كـ«قوة مهيمنة أنانية» في الشراكة عبر الهادي. يعتقد البعض أيضاً أن التغييرات التي تتطلبها الشراكة عبر الهادي والشروط المفروضة على الشركات المملوكة للدولة والعمل والبيئة والاقتصاد الرقمي وسلسلة الصناعات التحويلية، تشكل تهديداً محتملاً على النظم السياسية والاجتماعية الحالية للصين.

تتمسك الصين بدورها كقوة عالمية التوسع، وتحت قيادة شي، فهي تسعى بشكل متزايد إلى ترسيخ نفسها باعتبارها قوة اقتصادية ومؤسساتية على قدم المساواة مع الولايات المتحدة. لا يمكن لمنطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادي أن تحقق هذه الرؤية. قد يبدو أن أبيك هذا العام تقدم حالة أخذ ورد بين شراكة أوباما عبر الهادي وبين منطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادي التي يقدمها الرئيس شي جين بينغ، ولكن من أجل المعركة الحقيقية التي تؤثر على التجارة العالمية، نتطلع إلى استراتيجية طريق الحرير الصينية الجديدة.

عن موقع مجلة فورين بوليسي بالإنكليزية بتاريخ 10/11/2014

www.foreignpolicy.com

تعقيب من المحرر

تضيء هذه المقالة المنشورة في مجلة فورين بوليسي الأمريكية على فكرة هامة في الصراع الاستراتيجي الدولي الذي يتصاعد مع تغير الميزان الدولي السابق وتشكل ميزان دولي جديد. حيث يتجلى هذا الصراع عملياً في صراعات التجارة الدولية والتي هيمنت عليها الولايات المتحدة منذ خمسينيات القرن الماضي، وهو ما أفضى إلى صراع بين استراتيجيتين.

استراتيجية الصين وحلفائها القائمة على مشروع «طريق الحرير» الضخم والذي يربط آسيا بأوروبا تجارياً ويسمح للدول بإدارة مقدراتها الاقتصادية عبر الشركات الحكومية بشكل أفضل ويقوم على تأمين البنى التحتية والصناعية والتكنولوجية. والاستراتيجية المقابلة هي استراتيجية «الشراكة عبر المحيط الهادي» التي تقودها الولايات المتحدة والتي تعبر عن محاولة أمريكية لقطع الطريق على التمدد الصيني في آسيا والتوغل إلى عمق الصين. ويقوم هذا النموذج على احتكار التكنولوجيا وضرب الحكومات الوطنية وتكريس الولايات المتحدة كقطب مهيمن على التجارة والصناعة.

لقد أظهرت قمة آبيك الأخيرة هذا الصراع، حيث حاولت الولايات المتحدة التشويش على مشروع «طريق الحرير» الصيني عبر طرحها لمشروع «الشراكة في المحيط الهادي» في القمة. بالمقابل طرحت الصين مشرع منطقة التجارة الحرة في آسيا والمحيط الهادي وهو ماتم الموافقة عليه في هذه القمة، مايعني أن نقطة إنطلاقة مشروع «طريق الحرير» الاستراتيجية قد بدأت فعلاً وبنصر صيني في قمة آبيك.

آخر تعديل على السبت, 29 تشرين2/نوفمبر 2014 14:09