فضح الأسس المالية للطبقة الرأسمالية العابرة للحدود 2/2
ترجمة : نور طه ترجمة : نور طه

فضح الأسس المالية للطبقة الرأسمالية العابرة للحدود 2/2

في إطار محاولتنا لفهم بنية هذه الطبقة وآلية عملها، سنتطرق إلى ما جاء في كتاب «الطبقة المتفوقة: النخبة الحاكمة والعالم الذي تصنعه) لكاتبه ديفيد روتكوبف والصادر عام 2008، حيث يقول روتكوبف بأن هذه الطبقة تشكل حوالي 6 - 7 آلاف شخص أي ما يعادل 0.0001 % من سكان العالم!

هؤلاء الأشخاص هم أولئك الذين دائماً ما نجدهم في كل من منتدى دافوس الاقتصادي وكبرى الشركات وبين صفوف النخب التي تقوم بصياغة السياسات العالمية وفي ذروة هرم السلطة العالمية، إضافةً إلى أن 94% منهم هم من الذكور ومن بيض البشرة ومعظمهم يأتون من أمريكا الشمالية وأوروبا.

ذكر روتكوبف بأن: (هذه المجموعة هي المسؤولة عن وضع الأجندات الخاصة بمجموعة (الثمانية الكبار G8) و(العشرين الكبار G20) وحلف الناتو والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. كما أنهم يشغلون مناصب رفيعة في أعلى مراكز رأس المال المالي والشركات العابرة للقارات وفي كل من الحكومة والجيش والأوساط الأكاديمية وفي المنظمات غير الحكومية وأيضاً بين الشخصيات والزعامات الروحية وفي نخب الظل* الأخرى).
وعلى الرغم من وجود أكثر من 1500 مليارديراً حول العالم، إلا أن هذا لا يعني أنهم - جميعاً - جزءٌ من هذه (الطبقة المتفوقة) من حيث تأثيرهم على السياسات العالمية. لكن هذا لا يغير من حقيقة امتلاك هؤلاء - 1500 مليارديراً - لثروة تعادل ضعفي ما يمتلكه 2.5 مليار إنسان، وهي الحقيقة التي يفهمها هؤلاء الأثرياء جيداً كما يفهمون الفارق الطبقي الشاسع بينهم وبين الأغلبية الساحقة من سكان الكوكب الفقراء.
السلاح في وجه الثورة

يوجد تشابه كبير بين أصحاب المليارات المنتمين لهذه الطبقة الرأسمالية وبين أصحاب المزارع الاستعمارية من ناحية إدراكهم لكونهم يشكلون أقلية صغيرة ذات موارد وقوة هائلتين، إلا أنهم يعيشون في قلق دائم من الثورات وحركات التمرد المتزايدة التي تقوم بها الجماهير الفقيرة والمستَغلة. ونتيجة لمخاوفهم الطبقية هذه، فإن هذه الدوائر تعمل جاهدةً لحماية هيكلها من خطر تمركز الثروة.
إن الغرض الرئيسي من امتلاك دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) لحوالي 85% من نسبة الإنفاق العالمي على الدفاع هو حماية رأس المال، والأمر ذاته ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية التي يفوق إنفاقها العسكري إنفاق جميع دول العالم الأخرى مجتمعةً !! كما أن المخاوف من قيام ثورات نتيجة انعدام المساواة والعدالة الاجتماعية، تساهم بشكل كبير بصياغة جدول الأعمال العالمي للحلف في ما يُسمى بـ «الحرب على الإرهاب).
ويوماً بعد يوم، يزداد وضوح الدور الذي يلعبه الحلف كشرطي عالمي تنحصر مهمته في حماية الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود.
تقدم العنف
مع تطور رأس المال المالي
مع الظهور شبه الكامل لهذه الطبقة في ثمانينيات القرن الماضي، وبالتزامن مع انهيار الاتحاد السوفييتي، بدأ الناتو بعمليات جديدة وعلى نطاق أوسع. حيث قام الحلف بدايةً بمغامرته المعروفة - والمستمرة - في البلقان، ومن ثم انتقل إلى أفغانستان وبعدها إلى العراق عام 2005، كما أنه نفّذ مؤخراً عملياتٍ عديدة في ليبيا. أما الآن وفي عام 2013، فقد بدأ الحلف ببحث إمكانية القيام بعمل عسكري في سورية.
ويمكننا هنا النظر إلى استخدام الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود لحلف شمال الأطلسي كضامنٍ لأمنها العالمي على أنه جزء من استراتيجية توسيع الهيمنة العسكرية الأمريكية حول العالم، بحيث تعمل الإمبراطورية الأمريكية - الأطلسية وأذرعها العسكرية والصناعية والإعلامية تحت إمرة هذه الطبقة لحماية رأس المال الدولي أينما تواجد.
من جانبٍ آخر، أفادت دراسة صادرة عن جامعة (زيوريخ) عام 2011 أنجزها كل من (ستيفانيا فيتالي) و(جيمس بي جلاتفيلدير) و(ستيفانو باتيستون) من المعهد الاتحادي السويسري للتكنولوجيا، بأن مجموعة صغيرة من الشركات وعلى رأسها المصارف تتمتع بنفوذ هائل على الاقتصاد العالمي، ووجدت الدراسة بأن147  شركة فقط تُسيطر على نحو 40% من ثروات العالم !!
وبالانتقال إلى الجانب الإعلامي من دراستنا، فمن الجليّ أن وسائل الإعلام في عالم الشركات الذي نعيش فيه لا تعير أيّ انتباهٍ للمفاهيم الأكاديمية كالمفهوم الذي تناقشه دراستنا على سبيل المثال. حيث أظهرت إحدى الدراسات حول التغطية الإخبارية والتي تمحور بحثها حول (الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود) بأن هذا المصطلح لم يُذكر خلال العقد المنصرم سوى ثلاث مرات فقط اثنتان منها عبر وسائل إعلام غير أمريكية.
جوهر مكونات الحكم
في النظام الرأسمالي 
لطالما نظرت السلطات الأمريكية إلى البنوك الكبرى على أنها (أكبر من أن تفشل أو تُفلس)، كما أنها لم تحرك ساكناً تجاه الأنشطة الإجرامية لهذه البنوك واكتفت ببعض الإصلاحات الهزيلة دون القيام بالملاحقات القضائية اللازمة. إضافة إلى رفض الحكومة الأمريكية محاكمة أيٍ من مسؤولي البنوك التي تبيّض مليارات الدولارات لمصلحة عصابات بيع المخدرات، التي تقوم بدورها - أي البنوك - برفض الامتثال للقوانين الأمريكية الخاصة بمكافحة غسيل الأموال كبنك (جي بي مورغان تشيس) على سبيل المثال. هذا ولم تعد هذه البنوك (أكبر من أن تفشل) فحسب، بل أصبحت أكبر من أن تنقسم أيضاً.
لقد كانت النظرة التقليدية للبنوك تتلخص بأنها عبارةٌ عن كيانات منفصلة تتنافس فيما بينها لكسب المستهلكين واجتذابهم لإيداع أموالهم واستثماراتهم فيها، حيث كانت هذه المنافسة تَفرض - نظرياً - على البنوك تقديم أفضل الأسعار والمعدلات. أما في الواقع، فقد وَجدت هذه البنوك أن مستوى الربح الذي تحققه أثناء عملها مجتمعةً تفوق النسبة التي تحققها حين تتنافس ضد بعضها البعض.
هذا وقد شكّل إدراك كل من الشركات والأفراد الذين يشكّلون الجوهر المالي لـ (طبقة الرأسمالية العابرة للحدود) للتلازم الكبير بين مصالحهم حافزاً أمامهم لضم قواهم - بشكل موافق أو مخالف للقانون - بغية التلاعب بالقوانين والسياسات والحكومات عبر العالم وتجييرها لخدمة أهدافه، كما أنهم يلعبون أدواراً هامة ونشطة في المجموعات السياسية والحكومة العالمية.
فعلى سبيل المثال، تملك خمسةٌ من الشركات الثلاث عشرة المذكورة آنفاً - والتي تشكّل الركيزة الأساسية للطبقة الرأسمالية العابرة للحدود - مديرين يعملون كمستشارين في صندوق النقد الدولي، وتمتلك ست شركات أخرى عدة مستشارين في البنك الدولي .بالإضافة إلى أن عدداً من المدراء المنتمين لخمس شركاتٍ أخرى هم أعضاء في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي. و يعمل/عمل سبعة من أعضاء مجالس إدارة هذه الشركات في المجلس الاحتياطي الفيدرالي على الصعيدين الإقليمي والوطني في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن فهم وتحديد الطرق التي يعمل وفقها هؤلاء الأشخاص الذين يتمتعون بكل هذه السلطة والنفوذ هو جزء مهم ولا يتجزأ من مسيرة أي حركة ديمقراطية تسعى لحماية مصالحنا العامة وصولاً لتمكين جميع البشر من التشارك فيما بينهم وتحقيق الازدهار الذي ينشدونه.

هوامش :

نخب الظل* : تشمل منظمات الأمن القومي ذات الصلة بعصابات المخدرات الدولية التي تستغل الحروب الأمريكية لتهريب وبيع كميات هائلة من المخدرات لتقوم لاحقاً بتبييض أموال هذه التجارة عبر البنوك الأمريكية الكبرى.
بيتر فيليبس* : أستاذ علم الاجتماع في جامعة ولاية سونوما ورئيس مؤسسة حرية الإعلام.
برادي أوزبورن* : من كبار الباحثين في جامعة ولاية سونوما.