«التيسير الكمي ونظام الظل المصرفي» ـ سياسة متناقضة
ترجمة : نور طه ترجمة : نور طه

«التيسير الكمي ونظام الظل المصرفي» ـ سياسة متناقضة

أدت سياسة «التيسير الكمي» (وهي عملية قيام المصرف الاحتياطي الفيدرالي بطباعة كميات من الدولار ثم شراء أوراق مالية كسندات الخزينة بهذه الدولارات) التي يتّبعها المصرف الاحتياطي الفيدرالي لتقليص حجم الكتلة النقدية عبر استنفاذها للضمانات التي يحتاجها «نظام الظل المصرفي»، (وهو المؤسسات المالية من غير المصارف» لكي يخلق القروض.

لقد دفع فشل سياسة «التيسير الكمي» المصرف الدولي للتسويات لكي يوعز إلى المصرف الاحتياطي الفيدرالي ليخفض التزاماته (أي تخفيض كم الدولار المطبوع) بهدف متابعة العمالة «التوظيف» الكاملة، إلا أن ذلك النوع من «التيسير الكمي» الذي يستطيع أن يحقق هذا التخفيض لم يتم تجريبه بعد.
السوق ليست دائماً على حق
ولقد أثار الخطاب الذي ألقاه بين برنانكي حول بداية نهاية سياسة «التيسير الكمي»، نوبة غضبٍ نتج عنها خسائر تقدّر بحوالي 3 تريليون دولار من أسواق الأسهم العالمية. وكل هذا بسبب تضمن هذا الخطاب اقتراحاً يقضي بأن يقوم المصرف الاحتياطي الفيدرالي بتعديل وتيرة عمليات شراء الأصول، وبأنه وفي حال استمر «تَحَسُّن» الاقتصاد، فقد يتم إيقاف سياسة «التيسير الكمي» تماماً بحلول منتصف عام 2014. هذا ويقوم المصرف الاحتياطي الفيدرالي حالياً بشراء 85 مليار دولار شهرياً من سندات الخزانة الأمريكية والسندات المدعومة بالرهن العقاري.
وفي محاولة منه للسيطرة على الأوضاع، قام رئيس الاحتياطي الفيدرالي بطمأنة المستثمرين بأن المصرف سيستمر بتنفيذ سياسة نقدية تيسيرية للغاية، أي أن أسعار الفائدة لن تتغير، وبأن التناقص الذي حصل يعود لأسباب غير مرجحة الحصول مجدداً في الوقت الحالي، وأن الشيء الوحيد المرجح حدوثه هذا العام هو انخفاض توقعات نمو الاحتياطي الفيدرالي.
إن المبدأ القائل بأن «السوق دائماً على حق» هو أحد مبادئ الليبرالية الجديدة، وكما قال الرئيس الأسبق للبنك الدولي جوزيف ستيغلتز، فإن هذا المبدأ لا يكون صحيحاً إلا عندما تمتلك السوق معلومات كاملة، ومن الممكن أن تكون معلومات السوق حول سياسة «التيسير الكمي» خاطئة، وعندها يجب أن نطرح السؤال التالي: ما حجم الضرر الذي يمكن أن ينتج عن سوء التقدير هذا؟!
عواقب وخيمة
يقول التصوّر السائد بأن «التيسير الكمي» يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة احتياطات المصارف، وبالتالي ازدياد المعروض النقدي كأثر مضاعف، إلا أن «التيسير الكمي» ما هو إلا عملية كبرى من عمليات «السوق المفتوحة»، حيث يقوم الاحتياطي الفيدرالي بطباعة الدولار ثم  شراء سندات الخزينة، والتي تبلغ قيمتها حوالي 3 تريليون دولار.
في مقالته المنشورة في صحيفة الـ«وول ستريت جورنال» بعنوان:«الاحتياطي الفيدرالي يضغط على نظام الظل المصرفي»، يناقش أندي كيسلر مسألة النتائج العكسية الناتجة عن سياسة «التيسير الكمي». فبدلاً من تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الكتلة النقدية، فقد تقلصت هذه الكتلة عندما أزيلت ضمانات «نظام الظل المصرفي».
حيث يخلق «نظام الظل» حوالي نصف القروض المتاحة للاقتصاد، إلا أن هذه القروض لا تزال غير منظمة فهي غير مستندة إلى ودائع رغم أن نظام الظل يشمل استثمارات صناديق الاستثمار الجماعي، وصناديق الأسواق المالية، والأدوات الاستثمارية المهيكلة، ومصارف الاستثمار وحتى المصارف التجارية.
وفي هذا الصدد يقول كيسلر:
إن سياسة المجلس الاحتياطي الفيدرالي القائمة على تحفيز كل من الإقراض والاقتصاد عن طريق شراء سندات الخزينة، تؤدي إلى نقص في الضمانات الآمنة الضرورية جداً للإقراض من «نظام الظل المصرفي» إلى الاقتصاد الخاص.
 ويبدو أن سياسة التيسير الكمي تتسبب بالخسارة لنفسها، ناهيك عن حفاظها على بطء النمو الاقتصادي وبالتالي ندرة الوظائف.
وهذا يفسر ما يسميه كيسلر بالمفارقة الاقتصادية الكبرى التي يشهدها عصرنا، فعلى الرغم من اتساع الاحتياطات الفيدرالية بعد 4 سنوات ونصف من برنامج التيسير الكمي، فمازال الاقتصاد ضعيفاً ولاتزال البطالة مرتفعة، إضافة إلى انخفاض مستوى مشاركة قوة العمل في العملية الاقتصادية رغم كل الأموال التي جرى ضخها في السوق.
ذريعة «الفيدرالي» للتخلي عن «التوظيف الكامل»
يقول مصرف التسويات الدولي (BIS) في تقريره الصادر في حزيران:
«مازال الاقتصاد العالمي وبعد مرور ست سنوات على اندلاع الأزمة المالية العالمية، عاجزاً ليس عن تحقيق نمو قوي ومتوازن فحسب، بل حتى عن الوصول إلى اكتفاء ذاتي. فالمصارف المركزية غير قادرة على متابعة عملها دون أن تُفاقم المخاطر التي أوجدتها بنفسها، وبات من الواجب عليها تنفيذ التعديلات اللازمة عوضاً عن مواصلة السير بمعدلات فائدة صفرية والإمعان في شراء كميات متزايدة من السندات الحكومية.
كما أن تقديم المزيد من التحفيز النقدي غير الاعتيادي أصبح محفوفاً بالمخاطر على نحو متزايد، خصوصاً إذا نظرنا إلى الاختلال الذي يشهده التوازن بين فوائد هذا التحفيز من جهة، وتكاليفه من جهة أخرى.
ومن الواضح أن الحوافز النقدية وحدها غير كافية لأن جذور المشكلة - ببساطة - ليست نقدية. وبالتالي فعلى المصارف المركزية أن تعود لتأدية دورها المتمثل بتحقيق الاستقرار والسماح بإجراء التعديلات الشاقة والضرورية في الوقت عينه، وفي مقدمتها فرض تدابير التقشف على الشعب بغية تحقيق التوازن الذي تحتاجه الميزانية الاتحادية الفيدرالية، الأمر الذي سيمكّن الولايات المتحدة من سداد ديونها الوطنية - الخارجية - الهائلة».  
يواجه المصرف الاحتياطي اليوم مهمة مزدوجة تتلخص بتحقيق كل من التوظيف الكامل، واستقرار الأسعار.
ولقد كان من المفترض أن تؤدي سياسة التيسير الكمي إلى تشجيع التوظيف عن طريق توفير الأموال اللازمة للاقتصاد، وتحفيز الطلب وتحقيق الإنتاجية المطلوبة. لكن أي من هذا لم يحصل، ولذلك فيجب التخلي عن هذا النهج حالاً، لأن جذر المشكلة - وكما قال مصرف التسويات الدولي - ليس نقدياً.
هذا ولا تزال الشركات بحاجة إلى «الطلب» قبل أن تتمكن من التوظيف، أي أنها بحاجة لعملاء مع أموال لإنفاقها.
إن سياسة التيسير الكمي وعوضاً عن تأمين أموال جديدة للاقتصاد الحقيقي، قامت بحصار الأخير في فخ الميزانيات العامة للمصارف.

عن غلوبال ريسرش

توضيح من المحرر:
من المفترض أن تنشط عمليات ضخ الدولار من المصرف الفيدرالي الأمريكي للمصارف التقليدية نشاط الإقراض، وبالتالي الاستثمار وتحريك النمو الاقتصادي. ولكن ومع انخفاض سعر الفائدة حتى الصفر تقريباً في سياسات «التيسير الكمي» تحجم هذه المصارف عن إقراض هذه الأموال إلى المستثمرين بسبب انخفاض معدل الفائدة، وتذهب المصارف في مثل هذه الحالة إلى الاستثمار في السندات طويلة الأجل وتقوم بالاستحواذ عليها، مما يضعف نشاط  المؤسسات المالية من غير المصارف والمسماة في المقالة بـ«نظام الظل المصرفي» فهي تعتمد على الاستثمار بهذه السندات أيضاً لكي تمنح القروض. ولكن مع استحواذ كبرى المصارف على هذه السندات لا تستطيع هذه المؤسسات منافسة المصارف التقليدية مما يؤدي بالنهاية إلى انخفاض معدل الإقراض عند هذه المؤسسات وبالتالي انخفاض الاستثمار وانخفاض النمو.

"التيسير الكمي: هو قيام الاحتياطي الفيدرالي «البنك المركزي الأمريكي» بتخفيف القيود على الكميات المصدرة من الدولار من خلال طباعة كميات جديدة منه، ثم استخدام هذه الدولارات في شراء أوراق مالية، مثل السندات الحكومية؛ لتضاف إلى محفظة الأصول التي يملكها، فيرتفع جانب الأصول في ميزانية الاحتياطي الفيدرالي، وبالطبع يتم تسجيل الدولارات الجديدة التي يصدرها في جانب الالتزامات في ميزانية الاحتياطي الفيدرالي. بهذا الشكل يكون كل من جانبي الأصول والخصوم في الميزانية قد ارتفع بقيمة الأوراق المالية التي قام الاحتياطي الفيدرالي بشرائها، ويزيد بالتالي حجم ميزانيته؛ ولذلك يطلق على التيسير الكمي سياسات زيادة حجم الميزانية «ميزانية البنك المركزي»"

د. محمد إبراهيم السقا
«طباعة المزيد من الدولار- التيسير الكمي2»
جريدة الاقتصادية السعودية