طلاب الجامعات عمال مُستغلون
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

طلاب الجامعات عمال مُستغلون

ليس مستغرباً زيادة نسبة الطلاب الجامعين المنتشرين في سوق العمل وفي جميع القطاعات، فهذه الظاهرة أصبحت شائعة إن لم نقل عامة، وإن اختلفت أسباب لجوء الجامعيين إلى العمل إلّا أنها تبقى من منشأ اقتصادي ومعيشي واحد، وإن اختلفت ظروف العمل وفق القطاعات التي يعملون فيها أيضاً، فإنها تتشابه بمدى قساوتها وضغطها على الطلاب الجامعين المرغمين على تحمل عبء الجانبين معاً.

الصيد السهل والاستغلال الفاضح

يحتل قطاع الخدمات المرتبة الأولى بحجم استقطابه للجامعيين الباحثين عن عمل، وهذا أمر طبيعي كونه يتمتع بمرونة أعلى من غيره من القطاعات الصناعية والزراعية والحرفية، وكون طبيعة القطاع تجعله يعتمد على العمال الموسمين بنسبة كبيرة، وهو ما يتناسب مع ظروف طلاب وطالبات الجامعات، لذلك نرى بأن نسبة الجامعين العمال في المولات التجارية مثلاً تتجاوز 50% وترتفع في الأسواق التجارية، وخاصة محلات بيع الألبسة والأحذية، في حين تستقطب المقاهي والمطاعم نسبة عالية منهم، معظمهم موسميون، فمن الطبيعي أن تلتقي بطالبة حقوق وراء الكاشير، وبطالب الهندسة الميكانيكية يحمل منقل الفحم ويقفز بين الطاولات لخدمة الزبائن، وبطالب الإعلام وراء مقود الميكرو باص أو التكسي العمومي، وطبعاً هذا يناسب أصحاب الأعمال كثيراً فهؤلاء الجامعيون يعتبرون صيداً سهلاً يسهل استغلالهم وفرض ظروف العمل عليهم لظروف دراستهم أولاً، ولعدم تمتعهم بمهارات مهنية أو حرفية تؤهلهم للعمل في القطاعين المذكورين ثانياً. وتتراوح ساعات العمل المطلوبة منهم من 10 إلى 12 ساعة يومياً بأجور ظالمة لا تتجاوز 60 ألف شهرياً في أحسن الأحوال، دون أية تعويضات أو تأمينات أو حقوق أخرى.

بين العمل والامتحان

يحتل جامعيو الفروع النظرية في التعليم العام بالإضافة إلى طلاب التعليم المفتوح النسبة الأعلى من هذه الشريحة العمالية، يليهم طلاب التعليم الافتراضي والمعاهد، من حيث نسبة تواجدهم في سوق العمل، وهذا أمر بدهي وواضح، وتُستباح حقوق هذه الشرائح العمالية كغيرها من الطبقة العاملة، أضف على ذلك مدى التأثير السلبي إلى تحصيلهم العلمي ودرجاته، وأمّا في مسألة عمل الطلاب في مجال دراستهم فذلك قليل نسبياً، فقد نجد طلاب الكيمياء في معامل الدهانات والمنظفات مثلاً، أو طلاب التعويضات السنية في ورشات ومخابر التعويضات السنية وهذا جانب إيجابي طبعاً لو أنه اكتمل بحصول العمال على حقوقهم المشروعة، وتزداد الأعباء على الجامعيين العمال في فترات الدوام الجامعي بشكل عام، وتشتد خلال فترة الامتحانات والتكميلي والكثير منهم يفقد عمله جراء ذلك ليقوم بالبحث مجدداً عن عمل يتكسب منه مصروفه الشخصي المقنن.

هذا من فعل الحكومات

لطالما ارتبطت هذه الظاهرة بطبيعة الاقتصاد المتبع من قبل الحكومة، وهذا تماماً ما حصل، فظاهرة الجامعيين العمال توسعت وتسارعت بالتوسع مع زيادة شدة السياسات الاقتصادية الليبرالية المتبناة عند الحكومات المتتالية، والتي ضغطت بوتائر متلاحقة ومرتفعة على المعيل العائلي الذي كان يحمل على عاتقه مصاريف أبنائهِ الجامعين، ورويدا رويداً. أصبح عاجزاً عن ذلك، حيث انحصرت مهامه بسد رمق العائلة إن استطاع إلى ذلك سبيلاً، مما دفع بعشرات الآلاف منهم سنوياً لسوق العمل، مجبرين على تحمل مختلف أنواع الاستغلال الفاضح ومجبرين على المقامرة بمستقبلهم الجامعي، فمشاهداتنا منذ بداية الألفية الجديدة لمئات الجامعيين يتجولون في الأسواق كمندوبي مبيعات، أو تسويق مباشر لشركات تجارية ذات اختصاصات مختلفة، وبأجور ونسب شحيحة لا تتناسب مع طبيعة العمل ومشاقّه، تلك المشاهدات ليست سوى منعكس طبيعيّ لسياسات اقتصادية حكومية تنحاز بالكامل لأصحاب الأرباح وحيتان السوق على حساب العاملين بأجر، لتنفجر الأزمة بعدها وتدفع بأعداد جديدة من الجامعيين، وخاصة الطالبات إلى جحيم سوق العمل وفي ظروف أشد من ذي قبل لتستغل قوى السوق حاجتهم الملحة للعمل والعيش.
يُعتبر النموذج الاقتصادي الذي يأمل به السوريون المختزل بمقولة «أوسع عدالة وأعلى نمو» الطريق الإجباري الذي يوصلنا لبلد آمن واقتصاد قوي يفتح الأفق أمام الشباب الجامعي للمضي بتحصيلهم العلمي والدراسي في ظروف أفضل بكثير، وحتى في حال جمع الطالب بين العمل والجامعة فإنه سيكون قادراً على النجاح في كليهما دون أن يفشل هنا أو يُستغل هناك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
922
آخر تعديل على الإثنين, 15 تموز/يوليو 2019 13:15