هل تخلع الحكومة كعبها العالي، وتكف عن سياسة التعالي...؟!
وائل منذر وائل منذر

هل تخلع الحكومة كعبها العالي، وتكف عن سياسة التعالي...؟!

شعور عدم الاستقرار يداهم آلاف العمال في المؤسسات والشركات العامة ممن توضع تحت أسمائهم كلمة مؤقت، وجميعهم على قيد الانتظار، يعملون على أمل وجود فرصة لتسوية أوضاعهم باعتبارهم المحرك الأساس الذي تعمل به معظم الخطوط الإنتاجية في الشركات والمؤسسات الحكومية، عقود «سنوية- مؤقتة- موسمية- عرضية- بونات- فاتورة- خبرة- مياومة وغيرها…» 

كل نوع من هذه العقود اسمه يشرح طبيعته، والقانون سمح بتوظيف العمال حسب هذه العقود المختلفة مشروطاً بظروف وحاجات محددة مثلاً: عقود المياومة تكون عند حاجة مؤسسة ما لمجموعة من العمال لوقت قصير نظراً لضغط عمل معين، وعقود الخبرة تأتي للاستفادة من خبرة أحد ما لديه خبرة غير متوفرة في هذه المؤسسة أو تلك، ويصل عدد المتعاقدين في الدولة بموجب عقود سنوية إلى 54 ألف متعاقد وبحسب إحصاءات «وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل» هناك حوالي 13 ألف عاملٍ مؤقت بمختلف أنواع العقود اليومية والموسمية والعرضية والخبرة وغيرها، ينتظرون أن يُنظر في وضع عقودهم، ويخرج الدخان الأبيض معلناً الخلاص من معاناتهم، المادة القانونية الناظمة المادة /146/ من قانون العاملين في الدولة هي المادة الوحيد التي تنظّم عمل العاملين بصفة عقود، إلا أنها فعلياً غير شاملة وليست كافية حيث جاء فيها: /أ/ يجوز للجهة العامة وضمن حدود الاعتمادات المرصدة في الموازنة لهذا الغرض استخدام عمال مؤقتين /على أعمال مؤقتة بطبيعتها/ أو موسميين أو عرضيين. ويحدد النظام الداخلي للجهة العامة الحالات والأعمال التي يجوز فيها استخدام هؤلاء العمال، كما يحدد بوجه خاص الأسس والقواعد التي يجري بموجبها استخدام هؤلاء العمال. وجاء في نهاية المادة «يستفيد العمال المؤقتون من التعويض العائلي وفق الأحكام النافذة بهذا الشأن على العاملين الدائمين. ويخضع العمال المؤقتون والموسميون والعرضيون في كل ما لم يرد عليه نص في صكوك استخدامهم المنبثقة عن الصك النموذجي لأحكام هذا القانون، وقانون التأمينات الاجتماعية في سائر المنازعات التي تنشأ بينهم وبين الدولة». وهنا يأتي التلاعب بالمسميات، فأي عقد لم يَرِد ذكره في هذه المادة– وهي كثر– لا يحصل على أي تعويض بحجة أنه لا مادة صريحة في قانون العمل تُلزم المؤسسات بدفع مبالغ إضافية على الراتب. ومن هذهِ العقود عقود المياومة، فهي ليست من المسائل الحقوقية الواردة في القانون الأساسي للعاملين في الدولة رقم 50 لعام 2004 وتتم عادة عقود المياومة وفق قانون العقود لعام 2004 حيث تتقاضى هذه الشريحة من العمال أجورها يومياً ولا يستفيد هؤلاء من زيادات الأجور ولا من الترفيعات وغيرها من الحقوق التي يتمتع بها العاملون الخاضعون لأحكام القانون الأساسي للعاملين في الدولة. قاسيون تحاور العمال، وفي حديث قاسيون مع بعض العمال الذين يعملون بنظام العقود ذات المسميات المتعددة شرحوا ظروف عملهم وطالبوا بحقوقهم المشروعة :أكد هادي العامل في إحدى الشركات العامة: أنه لا يحصل على أي تأمين صحي أو طبابة فهو يعمل ويأخذ المبلغ المخصص له عن كل يوم، الأمر الذي لا يُشعِرهُ بالأمان والطمأنينة، فبأي وقت قد يتم التخلي عنه، معتبراً أن ظروف الحياة القاسية هي التي تجبر العمال المياومين على القبول بهذه التنازلات وأضاف: وُعِدنا بأن تتم تسوية أوضاع عقودنا وننتظر أن يتحقق ذلك بحيث نشعر بالأمان بشكل أكبر، ولا تذهب جهودنا التي نبذلها بشكل يومي هباءً. من جهتها قالت نوال العاملة في إحدى الشركات: إنها تعمل بعقد ثلاثة أشهر، لا يلبث أن ينتهي العقد لندخل في دوامة تجديده إضافة إلى ذلك فهذه العقود لا نأخذ على أساسها أياً من التعويض المعيشي أو الزيادات التي تصدر. هاني يعمل في مؤسسة إعلامية بنظام الفاتورة، ويتقاضى مبلغاً لا يتجاوز 16 ألف ليرة سورية، قابلاً للنقصان لا الزيادة حسب حجم العمل المنفَّذ، علماً أنه ملتزم بساعات الدوام التي حددتها تلك المؤسسة، وهو لايزال على هذا الحال منذ ثلاث سنوات. عامر يعمل بعقد خبرة منذ أربع سنوات وراتبه 19 ألف ليرة سورية فقط! وطبعاً جميع العاملين وفق هذه العقود لا يحصلون على تعويض الغلاء المعيشي أو أي تعويض آخر يحصل عليه الموظف المثبّت، أو حتى المتعاقد بعقد سنوي. أحد النقابين تحدث لقاسيون قائلاً: اتحاد نقابات العمال يطالب بتثبيت العمال المؤقتين بشكل مستمرّ، ويسعى لتحويل عقود الاستخدام المؤقتة بمختلف أشكالها «المؤقتة الموسمية والمياومة والوكالة والعرضية والبونات والفاتورة وغيرها…» إلى عقود سنوية، ليحصل العمال على حقوقهم كاملة بما فيها التعويضات والزيادات والتقاعد. كخطوة أولى من أجل تثبيتهم لاحقاً فهؤلاء العمال يعملون بصورة مستمرة لدى الجهة التي تعاقدوا معها ويضيف: إن مطالب الاتحاد هذه جاءت بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد اليوم، والأجور المتدنية التي يحصل عليها العامل والتي لا تتحمل المزيد من النقصان، فهدف الاتحاد العام لنقابات العمال الأول كان تحقيق الاستقرار الوظيفيّ للعامل أولاً: وللمؤسسات تالياً، بدوره أكد: أن هناك أفكاراً ودراسةً لتسوية أوضاع العمال المياومين والعرضيين والموسميين وعمال الفاتورة والبونات بتحويل عقودهم إلى عقود سنوية ومازال الموضوع قيد الدراسة لدى الجهات الوصائية، مشيراً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل رفعت مقترحاً إلى رئاسة مجلس الوزراء لتحويل عقود جميع العمال المؤقتين الذين يبلغ عددهم 13 ألف عامل إلى عقود سنوية وهي حالياً تنتظر الرد. أما بعد: هؤلاء العمال وفقاً لعقودهم المختلفة اليوم، وبعد سنوات طويلة من تجديد تلك العقود يجدون أن على الحكومة أن تخلع كعبها العالي وتكف عن سياسة التعالي وصم الآذان عن مطالب العمال، وتنظر في أوضاعهم وتقوم بتسوية عقودهم المؤقتة، خاصة وأنهم أصبحوا من الموظفين الذين تعتمد عليهم مؤسساتهم نظراً لطول فترة عملهم فيها، ومن جانب آخر بات لابد من تسوية وضعهم المعيشي أيضاً، خاصة في الظروف الكارثية التي تعيشها البلاد والعباد.
السبب الذي ولد النتيجة بانتظار تثبيت هؤلاء العمال لابدّ من التأكيد عليه: أن الخطأ الأول بدأ من توظيفهم بصيغة خاطئة وقبولهم بهذه الصيغة بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ومستوى المعيشة الصفري، أو ما دون الصفر، الأمر الذي عرّضهم لفقدان الاستقرار الوظيفي أولاً، وحرمانهم من بعض التعويضات ثانياً. وبكل الأحوال لا يمكن إلقاء اللوم على العمال، كونهم في ظل قلة فرص العمل يقبلون بأي عرض مقدّم لهم مهما كان مجحفاً أو ظالماً. إن المسؤولية الكبرى تبقى على سياسات التوظيف في قطاع الدولة التي تندرج ضمن سياسات الحكومة الاقتصادية التي دمرت البشر والحجر، وأثرت القلة على حساب أغلبية الشعب السوري، حيث من المفترض أن يتم تعيين هؤلاء العمال بصورة دائمة منذ البداية، خاصة وأن وجودهم ضروري في المؤسسات التي يعملون فيها، ولولا ذلك لما جُدّدت عقودهم كل تلك السنوات، لابدَّ من معالجة النتائج بالعودة للأسباب (السياسات الاقتصادية والاجتماعية) التي ولّدت هذه النتائج.

معلومات إضافية

العدد رقم:
920