عقوبة كَفّ اليد في قوانين العمل
ياسر التلي ياسر التلي

عقوبة كَفّ اليد في قوانين العمل

تعد عقوبة كَفّ اليد، أي ووقف أجر العامل إجراء غير دستوري، لأنها عقوبة تفرض على العامل قبل الحكم عليه بحكم قضائي مبرم، وخلال فترة المحاكمة التي قد تطول لسنوات، وبشكل يعرض العامل للفاقة والفقر بسبب انقطاع مصدر رزقه الوحيد.

لقد نصت المادة 89 من قانون العاملين الأساسي بالدولة على ما يلي : 1 – يوقف أجر العامل المكفوف اليد اعتباراً من أول الشهر الذي يلي تاريخ كف يده. 2 – إذا أعيد العامل المكفوف إلى وظيفته فإنه يتقاضى اعتباراً من تاريخ وقف أجره كامل أجوره الموقوفة في حال براءته أو عدم مسؤوليته أو منع محاكمته من الوجهة الجزائية.
بناء على هذه المادة، فإن أي عامل أو موظف في القطاع العام يحال إلى القضاء بسبب اتهامه بجناية أو جنحة، ولو تم إخلاء سبيله يتم كفّ يده عن العمل، وتقطع أجوره ريثما يصدر حكم قطعي بالقضية المتهم فيها، وهذا يعني: أن العامل أو الموظف وقبل صدور حكم بحقه من القضاء باعتباره مذنباً يتم اعتباره مذنباً ويحرم من أجره، ومن المعروف أن فترة التقاضي في بعض القضايا قد تطول أشهراً عديدة أو لسنوات، فكيف يستطيع العامل أن يتدبر أمره أثناء محاكمته، ومن أين له أن يعيل أسرته؟؟.
مخالفة دستورية
السؤال: كيف يتم كفّ يد العامل عن العمل، ويتم وقف أجره قبل أن يقول القضاء كلمته؟ ألَا يخالف هذا القاعدة الدستورية التي تؤكد أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قضائي مبرم، وما فائدة تقاضي العامل أجره من تاريخ انقطاعه في حال براءته، صحيح أنها تعد حقاً له، ولكنها لا تلغي حقيقة أن العامل ظل فترة طويلة من دون دخل، فمن سيعوضه عن فترة حرمانه من راتبه؟
ألا يجدر أن يبقى العامل يتقاضى أجره حتى يصدر فيه حكم قضائي مبرم بمسؤوليته عن ارتكاب الجرم أو الفعل المنسوب إليه، فلماذا نقطع راتب العامل وهو ما زال في مرحلة المحاكمة؟؟
وهناك العديد من قرارات كَفّ اليد تتخذ في الإدارات الحكومية نتيجة التحقيق في حالات فساد، وقد تستغرق هذه التحقيقات سنوات دون الإعلان عن أية نتائج، ويبقى العمال محرمين من أجورهم طوال هذه المدة دون اتخاذ أي أجراء قانوني بحقهم، ودون تحويلهم إلى القضاء. ويجري تجاوز للأحكام القضائية التي تعد عنواناً للحقيقة لا يجوز مخالفتها من خلال إصدار قرارات إدارية بتسريح العامل بناء على المادة 137 من قانون العاملين الأساسي في الدولة، الذي تقضي المحكمة ببراءته وإعادته للعمل، وبشكل يعد استهتاراً بالأحكام القضائية، وتجاوزاً على صلاحيات السلطة القضائية.
في القطاع الخاص
إن قانون العمل رقم 17 الخاص بالعمال في القطاع الخاص، حرم العامل من أي راتب خلال فترة التقاضي، كما أعطى صاحب العمل الحق الكامل في إعادة العامل أو عدم إعادته إلى عمله، حتى في حال براءته مع عدم أحقية العامل بأيٍّ من رواتبه السابقة، كما اعتبر القانون أن تسريح ربّ العمل للعامل بسبب توقيفه يعد تسريحاً مبرراً. وهنا أيضا تعد إرادة صاحب العمل أصدق من الأحكام القضائية المبرمة التي تعد عنوان الحقيقة فيما قضت به.
وفي المقابل، فإن المحكمة العمالية رفضت إعطاء العامل 50 % من أجره أثناء فترة التقاضي، معتبرة أن الحكم للعامل بنصف راتبه خلال فترة التقاضي يعد حكماً سابقاً لأوانه بحق صاحب العمل، ولا يجوز تطبيقه قبل الفصل في القضية!!
من هنا نرى كيف ميز قانون العمل رقم 17 بين العامل ورب العمل، فيُطرد العامل من عمله ويُحرم من أي راتبٍ له في حال اتهامه، ويعتبر تسريحه مبرراً من قبل صاحب العمل قبل الحكم عليه بحكم قضائي مبرم.