الأهلية للمطّاط على مائدة التشاركية

الأهلية للمطّاط على مائدة التشاركية

نقلت الصحافة المحلية منذ أيام خبراً مفاده: أن الشركة الأهلية للمطاط الكائنة في ريف دمشق تدعو القطاع الخاص إلى طرح شراكة تكفل عودتها للإنتاج كما كانت قبل أن يطالها التدمير والنهب.


وإذا كنا لا نستغرب أن تتغنى الحكومة بالتشاركية جهاراً نهاراً لما فيها من توافق مع سياساتها الليبرالية، فإن الغريب أن تدعو شركة حكومية القطاع الخاص إلى تبنيها، وهي تعي جيداً التداعيات الكارثية لهذا الأمر على وجودها واستمرارها وعلى حقوق عمالها.

بدلاً عن الحكومة
جاء في تفاصيل الخبر: أن الشركة «تتوجه للبحث عن بدائل ووسائل جديدة تكفل عودتها إلى المستوى الإنتاجي والفني، والحالة الاقتصادية التي كانت عليها قبل أن تتعرض للتخريب والتدمير لكل مقوماتها الإنتاجية والخدمية على أيدي العصابات الإرهابية، علماً أنه بعد تحريرها تم تقدير الأضرار المباشرة بنحو 6 مليارات ليرة, ناهيك عن أن أضعاف هذا الرقم للأضرار المتعلقة بفوات الطاقات الإنتاجية والتسويقية والعائد الربحي للشركة خلال السنوات السابقة التي توقفت فيها خطوط الإنتاج».
وبعيداً عن التفاصيل التي توضح حجم الأضرار الهائلة التي لحقت بالشركة في مختلف معاملها، فإن ما يثير الدهشة بالفعل: ألّا تطلب الشركة من الحكومة أداء مسؤولياتها وواجباتها تجاه المنشآت الصناعية التابعة للدولة، وأن تقصد بدلاً من ذلك القطاع الخاص لتدعوه إلى إصلاح ما دمرته الحرب، رغم ما قد يقود إليه ذلك من تفريط بحقوق ملكية الدولة، وبحقوق العمال، وأولها: حرمانهم من العمل تحت بنود قانون العمل الأساسي، والإلقاء بهم تحت رحمة قانون العمل 17 سيء الصيت والمفصل على مقاس أرباب العمل.
وكأن الحكومة، في ظل تراجعها عن دورها وواجباتها تجاه مؤسسات وشركات الدولة، تدفع القائمين عليها من المدراء للبحث عن بدائل للحكومة لتقوم بهذا الدور والواجبات من القطاع الخاص!.

على حساب العمال
توافق الشركة مع التوجهات الحكومية المحابية للقطاع الخاص على حساب العمل والإنتاج، وعلى حساب العمال، الذين هم الفئة الأكثر تضرُّراً بفعل الحرب، أمر لا يجد مبرراته المنطقية في أي كلام قد يقال، أما الادّعاء بأن الحكومة لا تملك السيولة المطلوبة لدعم الشركات العامة بدلاً من خصخصتها المبطنة فهو كلام فيه الكثير مما يُرد عليه جملة وتفصيلاً.
وتختتم الإدارة تصريحاتها كما جاء في الصحيفة بأن ذلك «لا يقتصر على دعوة القطاع الخاص للاستثمار بل ينطبق على التشاركية مع جهات عامة يتوافر فيها رأس المال لتأمين متطلبات إعادة التأهيل وبناء الشركة من جديد، وأن جميع الخيارات مفتوحة لتأمين عودة الشركة إلى الحضن الصناعي والإنتاجي من جديد، وهذا مرهون بتوجهات المرحلة المقبلة».
لكن التشاركية مع القطاع العام وإن كانت حلّاً أكثر إنصافاً لملكية الدولة وللعمال فإنها لا تزال أمراً بعيد المنال، في ظلّ ما يشكو منه هذا القطاع من تخريب وتدمير من جهة، وإهمال حكومي من جهة أخرى.

واقع الشركة
في تقرير صادر عن مؤسسة العامة للصناعات الكيمائية مؤخراً.. تم التوضيح حول الخطة الإنتاجية ومعدل تنفيذها بما يخص الشركة الأهلية للمنتجات المطاطية والبلاستيكية بأنه بنسبة 70%، وقد أتى بالمرتبة الثانية بعد الشركة العربية الطبية (تاميكو).
وتنتج الشركة مستلزمات البيوت البلاستيكية الزراعية ذات الأهمية المرتفعة في السوق المحلية على المستوى الإنتاجي، إلى جانب العبوات البلاستكية المخصصة لمياه الشرب، وأكياس النايلون وأكياس الخبز، والأحذية، وغيرها من المنتجات المطلوبة في مختلف المجالات الاقتصادية، وهو ما يجعل النهوض بالشركة وإعادة إعمارها مطلباً عمالياً واقتصادياً ملحّاً.

مزيد من الغرابة
الشركة تعتبر من شركات الصناعات الكيميائية، التي تعتمد بإنتاجها على مدخلات إنتاج بسيطة، وهي بالمجمل من الصناعات البسيطة وغير المعقدة، بحيث يبدو اللجوء إلى القطاع الخاص من أجل إعادة إقلاعها بالشكل المناسب أمر فيه الكثير من الغرابة.
والسؤال الذي يجب أن يطرح على الحكومة: إذا كانت متطلبات إعادة إقلاع هذه الصناعة البسيطة، رغم أهميتها الاقتصادية، تعجز الدولة عن تحملها، فكيف الحال بغيرها من الصناعات الأكثر تعقيداً وأهميةً؟
وأين مصلحة العاملين في هذه الشركة، ومصلحة الاقتصاد الوطني، من هذا التوجه التشاركي الذي أصبح وكأنه مفروضٌ على شركات ومؤسسات قطاع الدولة؟