«اللي بإيدو القلم ما بيكتب حالو من الأشقياء»

«اللي بإيدو القلم ما بيكتب حالو من الأشقياء»

هل توجد جهة حكومية رابحة بغض النظر عن تنفيذها لتعهداتها وخططها؟ وكيف ذلك؟


نعم لدينا مثال حي تنطبق عليه هذه الحالة، وهو مثال يفقأ الأعين يتمثل بالمؤسسة العامة للإسكان، التي تحقق الأرباح، بينما واقع حالها يقول: أنها مقصرة على مستوى تنفيذها لتعهداتها ومهامها.

برغم التقصير رابحة
فالمؤسسة ذات الطابع الاقتصادي، والتي تقع على عاتقها مهمة اجتماعية افتراضاً، تتمثل بتأمين السكن الشعبي بسعر التكلفة، وخاصة السكن العمالي، لم تلتزم بما تعهدت به من مشاريع سكنية بمختلف تسمياتها، وهي متأخرة ببعضها لأكثر من عقد من الزمن، مثل: السكن الشبابي، وعلى الرغم من ذلك تعتبر رابحة، وفي كل مرة تعيد على مسامعنا وعبر وسائل الإعلام ما نفذته من مشاريع، وعدد المساكن المنجزة، لكن دون ذكر الآجال الزمنية التي تعهدت بها، ومقدار تأخرها بالتنفيذ، بل تضع أرقامها بالجملة دون تفصيلات.

أرقام معلنة هزيلة
فمن موقع المؤسسة الرسمي نورد ما يلي:
عدد المساكن العمالية المنجزة من قبل المؤسسة منذ تاريخ إحداثها، وحتى نهاية الربع الأول من عام 2018 بلغ 10513 مسكناً موزعاً على جميع المحافظات، وعدد مساكن الادخار عن نفس الفترة بلغ 17847 مسكناً، والشبابي بلغ 15721 مسكناً، و..، وبإجمالي عدد مساكن منجزة بمختلف تسمياتها 738883 مسكناً، طبعاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن عبارة «منذ تاريخ إحداثها» تعني منذ عام 1961، بحسب الصفحة التعريفية للمؤسسة على موقعها الرسمي، أي: أن المؤسسة وطيلة ستة عقود تقريباً لم تنفذ إلا ما يقارب 700 ألف مسكناً فقط.

فمن أين تأتيها الأرباح إذاً؟ ومن أية جيوب؟ المساكن العمالية نموذج
على سبيل المثال تم فتح باب الاكتتاب على المساكن العمالية في الجهات العامة في عام 2009، وبعدد إجمالي يتجاوز 22 ألف مسكنٍ في المحافظات كافة، وذلك عبر جداول معتمدة من قبل الاتحاد العام لنقابات العمال، وقد أعلن بوقتها أن مدة التنفيذ هي 7 سنوات، أي: أن عمليات التسليم كان من المفترض أن تكون منتهية في عام 2016.
واقع الحال يقول: أن عدد المساكن التي تم تسليمها بمختلف المحافظات من إجمالي ما تم الاكتتاب عليه هو بحدود 3200 مسكنٍ فقط، علماً أن المكتتبين سددوا ما عليهم من التزامات، سواء على مستوى الدفعة الأولى، أو على مستوى الأقساط الشهرية طيلة هذه السنوات.
لم يقف الموضوع عند قضية التأخر بالتنفيذ والتسليم، فالمؤسسة التي تذرعت بالحرب والأزمة على مستوى عدم إيفائها بالتزاماتها التنفيذية، وعلى الرغم من أنها منحت المتأخرين في التسديد مُهَلاً من أجل تسديد ما عليهم من أقساط متأخرة، مع إعفاء من الغرامات، إلا أنها بالمقابل رفعت الأسعار، بحيث وصل سعر المتر المربع الطابقي لحدود 60 ألف ليرة، بالتوازي مع رفع قيمة القسط الشهري لحدود أكبر من إمكانات العاملين، بحيث وصل القسط الشهري لحدود تجاوزت الـ 20 ألف ليرة، وهو عبء كبير على جيوب العاملين، وعلى معيشتهم.

أين الدور الاجتماعي؟
المؤسسة نظرياً ليست مخالفة، فهي تعمل وفقاً لما أجازه لها مرسوم إحداثها، التي تقيسه وفقاً لمصالحها فقط، بغض النظر عن مصالح المكتتبين من العاملين، فهي بجرة قلم تحت مسمى التخمين، من الممكن أن تعيد حساباتها بما يحقق لها الأرباح على حساب هؤلاء، وفوقها تمنن عليهم بأنها تمنحهم الفرص لتسديد ما عليهم من أقساط خلال مهل زمنية معينة، مع التهديد بإلغاء الاكتتاب أو التخصيص ضمناً.
والأسوأ من ذلك كله: أن المؤسسة وبناء على عدم التزام بعض العاملين، بنتيجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، والظروف المعيشية القاسية، وخاصة في ظل التشرد والنزوح والتكاليف الاضافية التي تكبدها هؤلاء، قامت بتأخير دورهم بالتخصص، بحسب جداول الأفضليات المرسل من قبل الاتحاد العام لنقابات العمال منذ عام 2009، ووضعت هؤلاء بنهاية هذه الجداول، هكذا.. بحيث منحت المؤسسة لنفسها هذه الحقوق كلها على حساب حقوق العاملين.
وقِس على ذلك ببقية مشاريعها ذات التسميات الأخرى، التي تعمل عليها وفقاً لنفس النموذج والأسلوب، ما يعني: أن الدور الاجتماعي للمؤسسة أصبح أمام إشارة استفهام كبيرة، بعد طغيان العامل الاستثماري الربحي على عملها.

مصادر الربح
أجاز مرسوم إحداث المؤسسة أن تصرف وتوزع 10% من أرباحها الصافية السنوية على العاملين فيها والمتعاقدين معها، وهي في كل عام توزع وتصرف هذه الأرباح تباعاً، ووفقاً لتراتبية العمل في إداراتها.
أما مصادر الربح فهي تأتي من خلال إعادة احتساب القيمة التخمينية للمساكن، والتي تضيف عليها هامش ربح لا يقل عن 5% كنفقات إدارية ومسميات أخرى، ومن عمليات التنازل، حيث تقتطع لنفسها قانونياً نسباً في مقابل كل عملية من هذه العمليات وهي بحدود 10% تقريباً، بالإضافة إلى الأرباح التي تحققها من خلال بيع بعض المقاسم في مشاريعها.
إذاً، فإن من مصلحة المؤسسة أن تعيد احتساب القيم التخمينية المرة تلو الأخرى، كما من مصلحتها تدوير المساكن، من اسم لاسم، وهو ما تم جوازه قانوناً، أي: أن جملة أرباح المؤسسة محققة عملياً من جيوب العاملين وأصحاب الدخول المحدودة.

مصلحة تجار العقارات
والنتيجة، أن المؤسسة تدفع المكتتبين لديها إلى التنازل عن حقهم وذلك للبدائل المتاحة والمليئة مالياً، والمتمثلة بتجار وسماسرة العقارات، وهو ما جرى ويجري عملياً، وذلك بسبب إطالة أمد التنفيذ، ورفع القيمة التخمينية للمساكن، ورفع الأقساط الشهرية، وبحيث يغلق الأفق أمام أصحاب الأجور الهزيلة للوفاء بالتزاماتهم، خاصة مع التهديد بإلغاء الاكتتاب والتخصيص، مما يدفعهم للتخلي عن حقهم فيما اكتتبوا عليه من سكنٍ.
والمؤسف بعد كل ذلك، أن من أجاز للمؤسسة أن تعمل وفقاً لهذا الشكل من تحقيق معدلات الأرباح، على حساب دورها الاجتماعي، لم يتح للمكتتبين لديها أية حقوق بمحاسبتها على تقصيرها في التنفيذ وتأخرها فيه، خاصة وأنها تحمّلهم ما تسميها «فروقات أسعار وتكاليف» باعتبارها غير ملزمة بوضع السعر، بل متاح لها تغيير السعر التخميني كلما اقتضت حاجتها لذلك، على حساب هؤلاء.
المطلوب، أن تعود المؤسسة لدورها الاجتماعي الحقيقي، وأن تحاسب على نتائج أعمالها على المستوى التنفيذي الفعلي، وليس الرقمي المالي المسحوب من جيوب أصحاب الدخول المحدودة.
فمن غير المعقول أن تصرف المكافآت سنوياً بذريعة تحقيق الأرباح وفقاً لهذا الشكل أعلاه، فيما تسلب الحقوق تباعاً، وتجيّر لمصلحة تجار وسماسرة العقارات بالنتيجة!