هل هي مسؤولية الإدارات فقط!
غزل الماغوط غزل الماغوط

هل هي مسؤولية الإدارات فقط!

على غرار سابقاتها، تنتهج الحكومة الحالية مبدأ إلقاء اللائمة على الآخرين وتحميل المسؤولية لجميع الأطراف مع استثناء نفسها رغم أن سياساتها الاقتصادية هي السبب الأبرز لما آل إليه حال القطاع العام الحكومي اليوم.

 

ففي الأسبوع الفائت عقد رئيس الحكومة اجتماعا مع المسؤولين عن القطاع العام الصناعي من مدراء مختلف المؤسسات والشركات، وجرى الحديث عمّا تواجهه كثير منها من خسائر ومعوقات، وذلك تحت عنوان «تحديد الخطوات العملية لتحقق هذه المؤسسات البعد الوطني في التنمية الشاملة»، وكما يبدو فإن مسؤولية الحكومة تنحصر في عقد الاجتماعات وتوزيع المسؤوليات دون أن تتحمل ولو جزئياً نتائج سياساتها الليبرالية، التي أوصلت القطاع العام إلى مشارف الهلاك.
خلاصات حكومية!
لقد خلصت الحكومة في اجتماعها هذا إلى تحميل مسؤولية خسارة أية شركة أو مؤسسة من القطاع العام لمجلس إدارتها، انطلاقاً من عدم قيامه بتحقيق التنمية اللازمة لتطوير أدائها وتجنيبها الخسارة، إلى جانب إعادة تقييم واقع هذه المنشآت، ووضع دراسات جدوى اقتصادية لها، لتحديد مصيرها، وليتم على أساس ذلك التعامل مع المنشآت الخاسرة، عبر دمجها أو استثمارها مع القطاع الخاص، أو طرحها للتشاركية.
وببساطة، يمكن القول: إن هذه الخطوة هي تذكرة عبور لتمرير مزيد من السياسات الليبرالية الساعية إلى الخصخصة، وتكديس الأرباح في جيوب قلة قليلة على حساب الأغلبية المفقرة.
مسؤولية من؟
حقيقة أن القطاع الحكومي يعاني ما يعنيه من فساد وترهل ونهب هو أمر لا يخفى على أحد، لكن الادعاء بأن مسؤولية ذلك تتحملها الإدارات وحدها هو ذر للرماد في العيون، ووضع للعربة أمام الحصان، وجميعنا نعلم، أن الإدارات الفاسدة عينتها حكومات فاسدة، ولم تسقط علينا من السماء، فأين هي الحكومة من ذلك؟
كما أنه من غير المنطقي أن تتحمل شركة بكل ما فيها من عمال وفنيين مسؤولية إدارتها الفاسدة، ويحكم على كوادرها بالنزول تحت رحمة القطاع الخاص، والانصياع إلى القانون رقم 17 والذي يجعل من حقوق العمال لقمة سائغة لدى أصحاب الأموال.
أخطاء متراكمة
أضف إلى ذلك سياسات الأجور التي تنتهجها الحكومة، والتي قادت إلى نزوح الأيدي العاملة الخبيرة تجاه الخارج أو تجاه القطاع الخاص، بسبب ضعف الرواتب وعجزها عن تلبية أبسط متطلبات المعيشة، وهو ما قاد بدوره إلى تدهور الإنتاج، لأن العامل هو حجر الأساس في العملية الإنتاجية، وهو ما تتغافل عنه الحكومة في قراراتها.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن أن نتجاهل سياسات التحرير الاقتصادي وإغراق السوق بالمنتج المستورد، والذي قاد إلى تكديس المنتج المحلي وخسائر كبيرة للشركات العامة في مقابل أرباح هائلة لحيتان السوق.
آخر القلاع
تتعامل الحكومة مع القطاع الحكومي باعتباره مشروعاً استثمارياً هدفه الربح في المقام الأول، في حين أن الواقع غير ذلك، صحيح أن القطاع الحكومي هو قاطرة النمو الأولى في أي بلد، ومصدر دخل مهم للحكومة إلا أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ أن له وظائف أخرى ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية، وذلك عبر جبهات العمل الواسعة التي يتيحها، والتي تهب الاستقرار لآلاف الأسر، وتمنح فرصاً لملايين الشباب العاطلين عن العمل والذي انخرطوا بفعل الحرب والوضع المعيشي المتردي في أعمال غير قانونية، كحمل السلاح والمتاجرة به والتعفيش والتهريب، فاستقرار المجتمع السوري مهمة يمكن أن ينهض بها قطاع الدولة فيما لو تم دعمه بالاستثمارات الحكومية والتسهيلات اللازمة ورفده بخطوط الإنتاج المحدثة ليصار تدريجياً إلى رفع سوية الوضع المعيشي للطبقة العاملة وهي الشريحة الأوسع في مجتمعنا، ما يسهم بالتالي في تثبيت دعائم الإعمار والنمو بعد سنوات الحرب، ذلك أن القطاع الحكومي اليوم هو آخر القلاع التي تحتمي خلفها مصالح الطبقة العاملة السورية، فهل نفرط بها؟