العربة والحصان
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

العربة والحصان

منذ أن أُحدثت وزارة التنمية الإدارية، بغية معالجة مشاكل القطاع العام والترهل الإداري، كانت الوزارة تنطلق من مبدأ: أن المشكلة الأساس تكمن في العنصر البشري، أي: الموظف أو العامل، دون النظر إلى الظروف الموضوعية التي أدت إلى تأخر القطاع العام وخسارته، بسبب السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي وضعت القطاع في منافسة غير شريفة مع القطاع الخاص، إضافة إلى دور قوى الفساد في جهاز الدولة، هذه الأسباب كلها لم تلاحظها الوزارة أثناء وضع خططها للإصلاح الإداري.

 

و بسبب ابتعاد الوزارة عن الأسباب الحقيقية لتراجع القطاع العام، والترهل الإداري الذي أصابه، لم تنجح خططها حتى الآن، ومنذ أن أُحدثت هذه الوزارة لم تستطع أن تقدم حلاً عملياً، للمشاكل الكثيرة التي من المفروض أنها من صلب اختصاصها.
أين تكمن المشكلة؟
ترى وزارة التنمية الادارية بأنها حققت نقلة نوعية في مجال عملها، وأن: (إن الإدارة العامة بقدر ما امتلكت من نقاط قوة إلا أنه أصابها الخلل في مكامن كثيرة أدت إلى ترهلها وضعف مردودها، وارتفاع التكاليف الاقتصادية للخدمات العامة، والخدمات التي يطلبها المواطن والمؤسسات، مما جعل العديد من المؤسسات الاقتصادية اليوم تعاني فقدان الربحية)
ليس واقعياً القول، بأن سبب الخلل في المؤسسات الاقتصادية وتحولها إلى مؤسسات خاسرة، هو ارتفاع تكاليف الخدمات العامة التي يطلبها المواطن، مع العلم أن العديد من المؤسسات الاقتصادية رفعت قيمة خدماتها ابتداء بالشركة العامة للمخابز، إلى المصارف الحكومية والاتصالات، وكذلك معامل القطاع العام التي خسرت نتيجة الإهمال الحكومي لها ، بل أن السبب الرئيس لخسارة مؤسسات القطاع العام، هو: مستوى الفساد الكبير الذي تعاني منه هذه المؤسسات، و هو الذي منع هذه المؤسسات من القيام بالدور المطلوب منها في الخدمات التي تقدمها للمواطن، و كذلك بسبب التوجهات الحكومية نحو الخصخصة والتشاركية مع القطاع الخاص، مع العلم أن الدستور حدد في المادة الرابعة عشر: (أن المؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة تتولى الدولة استثمارها وإدارتها لصالح مجموع الشعب) أي أنه تمت مخالفة الدستور، من خلال هذه القوانين التي أدت إلى عدم قيام هذه المؤسسات بالدور المطلوب منها في ظل السياسات الليبرالية المتبعة، والتوجهات الحكومية التي باتت اهم من الدستور كما يبدو.
هجومٌ حكومي على الأجور!
إن استمرار السياسات الحكومية الليبرالية، وخصوصاً الحديث عن ربط الأجور بالإنتاج، واعتبار أن ما يجري حالياً، هو: وضع للعربة قبل الحصان، وأن الزيادات على الرواتب غير مجدية ولا تتلاءم مع متطلبات المعيشة، يكشف مرة اخرى عن عدم الاهتمام الحكومي بالفارق الهائل بين الاجور ومستوى المعيشة.
إذا سلمنا بالخطة المتعلقة بضرورة ربط الأجور بالإنتاج، فهذا يعني: الاعتراف بأنّ قوة العمل شريك أساسي في عملية الإنتاج، وبالتالي: على كتلة الأجور والرواتب أن تحصل على نصيبٍ مساوٍ لما يأخذه رأسمال من الدخل الوطني، وعليه يجب تغيير ميزان توزيع الدخل الوطني من 13 % للأجور و87 % للأرباح إلى 50 % للأجور 50 % للأرباح، ولكن هذا التوزيع لايتناسب والسياسات الاقتصادية، بل ربما تعني عكسها، فالقصد بخفض الرواتب يعني أن تتناسب مع تراجع الإنتاج، أو على الأقل الحفاظ على المستوى المتدني للأجور دون النظر إلى مستوى الأسعار، وحاجة العامل لتأمين احتياجاته، وقوت يومه، ليستطيع تجديد قوة عمله، علماً أن 31 % من السوريين اليوم غير أمنين غذائياً وهناك 45 % على هامش على الأمن الغذائي.
الحكومة والدستور
حبذا لو تقوم الجهات الحكومية المعنية بالاسترشاد بالدستور، قبل أن ترسم سياساتها، وأن تنظر إلى مستوى الفساد في مؤسسات الدولة، المسبب الرئيس لخسارة تلك المؤسسات، وأن تبتعد عن الموظف والعامل، ولا تنظر إلى أجورهم ورواتبهم الهزيلة لتضيف منها إلى حساب قوى رأسمال وتضاعف أرباحها.

آخر تعديل على الإثنين, 09 نيسان/أبريل 2018 00:09