المهنة: عامل مصنع
غزل الماغوط غزل الماغوط

المهنة: عامل مصنع

لست في حاجة إلى أن تقرأ بضع صفحات لتتعرف على جانب من معاناة عمال المصانع، ولا حتى إلى أن تجالس عاملاً يسرد لك يومياته مع فنجان شاي نحيل، يكفيك كي تعرف الكثير عن حال العمال أن تزور واحداً من المعامل ، وتغنيك بضع دقائق من التأمل في وضع العمال وهم يمارسون أعمالهم المعتادة عن ساعات من الشرح الذي قد لا يقدم لك من الحقيقة إلا النّزر اليسير.

صالات الإنتاج على اختلاف أشكالها غالباً ما تكون عبارة عن قاعات واسعة عالية السقف مصنوعة مما تيسر من مواد أولية بتصاميم مرتجلة لا تراعي عوامل التهوية والإضاءة الضرورية لسلامة العمال، نوافذها عبارة عن فتحات واسعة في الجدران لا ترد أيّاً من العوامل الجوية، وكثيراً ما تجد نوافذ أخرى صنعتها القذائف هنا وهناك، ولذلك فإنك لو زرت المعمل شتاء لوجدت الرياح تلهو بين جنباته والوحل يلتصق بزواياه ولو دخلته صيفاً لأمكنك أن تتخيل المعنى الدقيق لعبارة «فرن بشري» وأنت ترى الآلات وهي تهدر بضجيجها العالي وتزيد الجو اختناقاً.. هنا ينصهر الإنسان مع الآلة، في ظل غياب أيّة وسائل تهوية، ولك أن تتخيل الظروف التي ساقت العامل البسيط والمكافح إلى هذا الجحيم الأرضي وأنت تتأمل حركته الدؤوبة وجبهته النازفة عرقاً، وثيابه المبتلة تماماً، هذه الظروف القاسية التي تجعل من وسائل الحماية الضرورية كالقفازات والخوذ والألبسة الواقية عبئاً إضافياً لا يقدر العامل على تحمله ما يضاعف من المخاطر التي يتعرض لها في عمله اليومي.
غير بعيد عن صالات الإنتاج تقبع غرف الإدارة المكيفة والتي قد تجد صعوبة في تحمُّل برودتها، في عز الصيف، بسبب التكييف الذي يحيلها إلى ثلاجة، هنا تؤلمك المفارقات القاسية بين حال العمال وفقرهم وظروفهم المعيشية ومعاناتهم اليومية على خطوط الإنتاج، وحال أرباب عملهم المترفين، والذين يخبرونك أينما وطئت قدمك في المنتديات والمؤتمرات العمالية والمهنية أن العمال يبنون الوطن بعرقهم ودمائهم، وأن تضحياتهم أعظم من أن تحصى، يقولون لك ذلك من فوق المنابر ومن خلف المكاتب اللامعة، دون أن يأخذوا على عاتقهم أية إجراءات فعلية لتحسين حال العمال وتقليص حجم معاناتهم، وهكذا تذكرك المفارقات اليومية المؤلمة بأنه لايزال ثمة طريق طويل، ينبغي المضي فيه قدماً، وأنه ما يزال هناك الكثير الكثير لفعله في سبيل استعادة حقوق العمال المستلبة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
819