أيتوافق القانون رقم 17  واتفاقيات العمل الدولية؟
ميلاد شوقي ميلاد شوقي

أيتوافق القانون رقم 17 واتفاقيات العمل الدولية؟

تعتبر المعاهدات والاتفاقيات الدولية المستكملة لإجراءات التصديق والنشر المصدر الأول لقوانين العمل لأنها تأتي في أعلى المراتب ولها الأفضلية في التطبيق، وهذا يعني أنها تتقدم في الأولوية على القانون الوطني الخاص، سواء أكان تاريخ هذا التشريع الداخلي سابقاً أم لاحقاً.

القوة الإلزامية للاتفاقيات الدولية
اتفاقيات العمل الدولية التي يجري تصديقها من قبل الدولة العضو في المنظمة تصبح نصوصها نافذة في أرض هذه الدولة، وتكون أحكامها أقوى وأرفع من القانون الداخلي.
إن الانضمام إلى منظمة العمل الدولية يرتب على الدولة العضو التزاماً بمبادئ هذه المنظمة التي أقرها إعلان فيلادلفيا إضافة إلى الالتزام بدستور المنظمة، وحيث أن الالتزام بدستور المنظمة لا يجيز مخالفة مضمون الاتفاقيات المصدق عليها أصولاً، لا بتشريع سابق ولا بتشريع لاحق لتصديقها، ولا يحق لدولة ما بإرداتها المنفردة أن تصدر تشريعاً يتعارض واتفاقية سبق وأن ارتبطت بها.
وعند وجود تعارض ضمني بين قانون ما واتفاقية دولية فقد ذهب الفقه القانوني إلى ضرورة تفسير إرادة المشرع بشكل لا يمس أحكام الاتفاقيات الدولية لأنها أقوى وأسمى من القانون الداخلي. وبموجب المادة 22 من دستور المنظمة، على الدولة العضو تقديم تقارير سنوية إلى مكتب العمل الدولي عن مدى تطبيق الاتفاقيات التي صدقتها وبيان الإجراءات المتخذة لضمان نفاذ أحكامها بما في ذلك تعديل الأحكام القانونية المخالفة لها وتعد مخالفة الدولة العضو بتشريعاتها الوطنية أو إجراءاتها المختلفة مما يعرضها للمساءلة الدولية إزاء المنظمة والمجتمع الدولي.
ولا بد من التنويه إلى أن التصديق يجب أن لا يقترن بأي تحفظ على نصوص الاتفاقية.
سورية ومنظمة العمل
انضمت سورية الى منظمة العمل الدولية في تاريخ 13/12/1947 و على ما تأكد بالمرسوم التشريعي رقم 119 تاريخ 6/10/1953،وبالتالي تعتبر سورية منذ ذلك الوقت عضواً بالمنظمة وملتزمة بأحكام دستورها وما تضمنه إعلان فيلادلفيا.
القانون رقم 17 والاتفاقية رقم 87
بالرغم من ذلك أصدر المشرع قانون العمل رقم 17 لعام 2010 بشكل مخالف للاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي ارتبط بها سابقاً (عدا عن تعارض أحكامه مع الدستور البلاد الجديد)، وأهم تلك الاتفاقيات نذكر منها: الاتفاقية رقم (87) بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم والتي دخلت حيز التنفيذ في البلاد عام 1950 حيث جاء في مقدمة الاتفاقية أن إعلان فيلادلفيا أكد أن (حرية التعبير والحرية النقابية ضرورة للتقدم المطرد) وبما أن ديباجة دستور منظمة العمل أعلنت الاعتراف بمبدأ الحرية النقابية كأساس لتحسين شروط العمل فقد أقرت هذه المبادئ لتكون أسس التنظيم الدولي للعمل، هذا ما أكدته المادة (11) من الاتفاقية على ضرورة إلزام الدول الأعضاء باتخاذ الإجراءات الضرورية لكفالة حرية ممارسة العمال وأصحاب العمل لحق التنظيم.
ولكن قانون العمل رقم 17 حرم العمال من حقهم بحرية التعبير لا سيما حق الإضراب الذي نص عليه الدستور، حيث يعتبر الإضراب جنحة يعاقب عليها قانون العقوبات السوري بشكل يتناقض والدستور والاتفاقيات الدولية.
الاتفاقية رقم 26
يخالف قانون العمل أيضاً الاتفاقية رقم 26 الخاصة بطرق تحديد الحد الأدنى للأجور والتي صدقت بالقرار الجمهوري رقم (489) ودخلت طور التنفيذ اعتباراً 14 حزيران عام 1930، حيث إن القانون رقم 17 وبالرغم من نصه على تشكيل اللجنة الوطنية لتحديد الحد الأدنى إلا أن هذه اللجنة لم تعقد سوى اجتماعاً واحداً منذ صدور القانون، والعمال فيها غير ممثلين بشكل متساوٍ مع منظمات أرباب العمل، كما نصت عليه الاتفاقية في المادة (3)، وقد أعطت هذه الاتفاقية الحق للعمال أن يستردوا الفرق بين الحد الأدنى للأجر وما يتقاضونه فعلاً بواسطة إجراءات قضائية أو أية إجراءات أخرى ينص عليها القانون وأن تفرض الدول نظاماً للمراقبة والمحاسبة للتأكد من أن الأجور التي تصرف للعمال لا تقل عن الحد الأدنى المعمول به.
الدستور والاتفاقيات الدولية
في صف العمال
أين قانون العمل والحكومة من كل هذه الاتفاقيات الموقع عليها وهل أخذها المشرع بعين الاعتبار عند إصداره قانون العمل ؟
لماذا يتم حرمان العمال من حقوقهم المشروعة والمكفولة بالدستور وبالاتفاقيات الدولية ؟ ويتم منعهم من حرية التعبير والاحتجاج بالوسائل الدستورية المشروعة لتحسين شروط وظروف عملهم ويهددون بالحبس، وفي الوقت نفسه يسمح لأرباب العمل بممارسة نشاطهم بكل حرية وتؤخذ مطالبهم، لتدرجها الحكومة ببرامجها وتسن قوانين على مقاسهم رغم تعارضها مع الدستور، وتعقد الحكومة لهم المعارض والمؤتمرات لتسوق لهم بضاعتهم وتعيد هيكلة المؤسسات الحكومية بما يرضيهم ويسهل عليهم أعمالهم.
يبقى حق العمال في الحرية النقابية وفي حق تنظيم أنفسهم للمطالبة بحقوقهم مصوناً دستورياً وقانونياً، واحتجاجاتهم لا يشوبه أي عيب قانوني، بل أعمال الحكومة وقانون عملها وتصرفاتها هي المخالفة للدستور والاتفاقيات الدولية وبالتالي هي الباطلة والمعرضة للإلغاء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
813