المؤتمرات النقابية في الحسكة.. حتى الهواء الذي نتنفسه تعرض لقانون العرض والطلب

 أكد النقابيون في محافظة الحسكة في مؤتمراتهم السنوية أن الظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد يتطلب وضع النقاط على الحروف، وذلك للحفاظ على كرامة الوطن والمواطن، ودرء كل المخاطر على سورية من عدوها الداخلي والخارجي والدفاع المستميت عن المكتسبات التاريخية التي حققتها الطبقة العاملة السورية عبر تاريخها النضالي الطويل بزنود عمالها.

ففي مؤتمر نقابة عمال الدولة والبلديات أكد محمود أيوب  في مداخلته أن الشيوعيين في حزب الإرادة الشعبية لهم موقف مما يجري الآن في بلدنا سورية من عنف وعنف مضاد وتطورات متسارعة سيجلب الويلات للوطن والمواطنين في آن واحد، حيث تقترب الأزمة السورية من استحقاقات هامة، فبعد أشهر من التوتر، أطرافه النظام وقوى المعارضة المختلفة والحركة الشعبية، وصل الاستعصاء إلى مداه الأقصى، ووصلت الأمور إلى منعطف هام ودقيق وحساس، فالنظام لم يستطع حل الأزمة رغم تكرار أطراف منه ولعدة مرات خلال الأشهر الأخيرة أنها «خلصت»، والمعارضة لم تستطع أن تصوغ برنامجاً حقيقياً وفعالاً للخروج من الأزمة، والدليل على ذلك هو استمرارها، أي الأزمة، كما أن الحركة الشعبية لم تستطع أن توسع حركتها الاحتجاجية أكثر بكثير من الحدود التي كانت عليها في الأشهر الأولى من ولادتها، كما أنها لم تستطع أن تطور شعاراتها ورؤيتها وبرنامجها بما يتفق مع إيقاع وضرورات الواقع نفسه، وحاجاتها هي نفسها.

وتساءل أيوب: أين هي المشكلة إذا، إن تشخيص المشكلة واكتشافها يرتدي أهمية كبرى لتجاوزها؟؟!!.
وأوضح أيوب أن على المؤتمرات النقابية أن تعمل على تطوير النقابات أداءها ودورها في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وفي مقدمته القطاع العام الصناعي، والمطالبة بحقوق العمال، خاصةً وأن الأزمة الوطنية التي نعيش فصولها الآن قد كشفت للقاصي والداني ما فعلته بنا السياسات الاقتصادية الليبرالية، ودفاع الليبراليين الحكوميين عن هذه السياسة باعتبارها خشبة الخلاص لكل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والتي ما كان منها إلا أن تعمقت وتفاقمت آثارها الكارثية أمنياً وسياسياً واقتصادياً.

وقال أيوب: إن هناك وجهة نظر مازالت سائدة في بعض الأوساط النقابية عن دور النقابات الآن، وتدعو إلى السكوت عن المطالبة بالحقوق العمالية إلى ما بعد الانتهاء من الأزمة الحالية، والسبب هو قلة الموارد وعدم إمكانية تحقيق المطالب نتيجة لذلك، ولكن أصحاب هذا الرأي كانوا يطرحونه سابقاً، وبوجود الحكومة السابقة أيضاً، ليأتي متناغماً مع سياساتها المدعية أن الدولة لم تعد تتبنى دور الأب الراعي لأبنائه والمفترض أن يقدم لهم كل ما يحتاجونه، والسياسة المتبعة، وأن على الأبناء تدبير رأسهم بأنفسهم في العمل والصحة والخدمات وغيرها من القضايا، أي إخضاع كل شيء لقانون السوق (العرض والطلب)، حتى الهواء الذي سيتنفسه الفقراء والذي هو مشاع لابد من إخضاعه لقانون السوق الذي جاءتنا به الليبرالية المتوحشة، ومعها أصبحت حقوق ومكاسب العمال عرضة للانتهاك، وعرضة للتخلي عنها تحت حجج وذرائع ما أنزل الله بها من سلطان، وأصبحنا محكومين بقوانين وأنظمة واعتبارات أخرى لا نستطيع تجاوزها، وبهذا يكون العمال قد دفعوا الثمن الباهظ سابقاً، وسيبقون يدفعونه طالما السياسات الاقتصادية الليبرالية سائدة وباقية على عرشها تتحكم بمصائر البلاد والعباد، حتى وإن تغيرت وجوه مريديها وأتباعها، كما هو حاصل الآن مع الحكومة الحالية التي تفاقمت الأزمات في عهدها وفي كنفها، وهي تتحفنا بمشاريعها الإصلاحية للقطاع العام كما أتحفتنا الحكومة السابقة بمشاريعها الإصلاحية الكثيرة التي لم تسمن ولم تغنِ من جوع.

إن القضية ليست بالموارد وتوفرها كي تتحقق للعمال حقوقهم، لأن المصادر الحقيقية للموارد متوفرة ويمكن تحصيلها إذا ما توفرت الإرادة لذلك سياسياً واقتصادياً، وتوفرت القوى الاجتماعية التي لها مصلحة حقيقية في إنجاز هذا العمل الوطني الكبير الذي سيكون المدخل الأولي لتأمين تلك الموارد الضرورية، خاصة وإن هذه المهمة تكتسب أهميتها في الوقت الراهن بسبب ما تواجهه البلاد من حصار اقتصادي جائر أصاب أول ما أصاب الطبقات الشعبية وليس غيرها، لذلك فإن الطبقة العاملة السورية هي أولى القوى الاجتماعية التي لها مصلحة فعلية في استرداد ما تم نهبه عبر الفساد الكبير في المواقع المختلفة، والقول الآن إن الموارد شحيحة، يصب في طاحونة من يريد إبقاء حقوق العمال مغيبة ومؤجلة إلى أن يشاء الله، وهو مع استمرار النهب وسيادته.

إن الطبقة العاملة السورية مطالبة الآن بأن ترفع صوتها عالياً من أجل حقوقها ومكتسباتها وتأمين حاجاتها الضرورية التي لم تعد تستطيع تأمينها بسبب الاحتكار وغلاء الأسعار وفقدان العديد من المواد الضرورية، وهي معنية أيضاً بأن تطالب نقاباتها عبر المؤتمرات أو خارجها، بأن تقف إلى جانبها باعتبارها الممثل الشرعي لحقوقها الاقتصادية والسياسية المفترض الدفاع عنها بكل الوسائل المشروعة والسلمية، ودون ذلك لا يمكن ردم الهوة بين النقابات والعمال التي توسعت في ظل الحكومة السابقة التي كانت تعتبر النقابات منفّذاً لسياساتها في الطبقة العاملة ومدافعة عنها، وهنا لا يمكن أن نعمم هذا الموقف على مجمل الحركة النقابية، بل إن الكثير من الكادرات النقابية لعبت دوراً مهماً في التصدي وعرقلة ما أمكنها من السياسات الحكومية، وخاصة ما يتعلق منها بمشاريع الخصخصة التي كانت تطرحها وفريقها الاقتصادي تحت مسميات عدة، والتي صبت جميعها في طاحونة خراب الاقتصاد الوطني.. وانعكاس ذلك على المستوى المعيشي وعلى مستوى البطالة والفقر بأن ازدادت نسبها ومخاطرها الاجتماعية والسياسية كما نشهد الآن.

 

قانون العمل الجديد خان الطبقة العاملة
وأكد العاملون في اللجان النقابية لعمال البناء والأخشاب أنهم أدركوا حجم وسعة وعمق الأزمة التي يعيشها الوطن والشعب، لذلك يفرض علينا نحن العمال والنقابيين جملة من الأولويات الاقتصادية والاجتماعية وأهمها توحيد صفوفنا للدفاع عن القطاع العام والحفاظ عليه ، وعدم إسناد أية وظيفة إدارية لأي موظف إلا بعد التأكد من نظافة سجله.
وقالت اللجان في كل عام تعقد النقابات مؤتمراتها وتطرح المداخلات، ويعقب عليها وتأخذ نصيبها من النقاش، وفي النهاية يصادق على الميزانيات ويعود الأعضاء أدراجهم إلى مواقع عملهم، ولكن يبقى وضع العاملين من سيئ لأسوأ يراوح في المكان ذاته، بل انه في تراجع من حيث مستوى المعيشة والحقوق والاحتياجات التي تتعاظم واستحالة تأمينها نتيجة لغلاء الأسعار الفاحش بسبب الاحتكار المتزايد للموارد الأساسية والضرورية من غذاء وكساء ودواء إلى آخره.

وأشارت المداخلة إلى ان الحكومة السابقة بسياساتها الداعمة للناهبين والفاسدين فيها، وفي المجتمع كرست ذلك للحد الأقصى  حتى أصبح الفساد ذا قيمة اجتماعية تدافع عنها، والحكومة الحالية تفاقمت في عهدها كل المظاهر السابقة أكثر فأكثر ابتداء من غلاء الأسعار، وليس انتهاء بارتفاع معدلات البطالة والفقر، لذلك فإن ميزان القوى التي تحتاجه النقابات لفرض البرنامج الإصلاحي للقطاع العام بالاستفادة القصوى من القوى الكامنة لدى الطبقة العاملة والتصدي للنهب والفساد في المواقع الإنتاجية والمشاركة الفعالة في وضع الخطط الإنتاجية والصيانة وغيرها.

وعن قانون العمل رقم /17/  قالت اللجان: فهذا له حديث خاص بعد أن مررت عبره مواد خانت الطبقة العاملة، وعلى وجه الخصوص العاملين في القطاع الخاص الذين كانوا يتأملون، ولسنوات طويلة المظلة القانونية الآمنة لهم، ولملايين العمال المنتشرين في ورش وأعمال خاصة صناعية وخدمية، حيث بقيت الحقوق بأيدي أرباب العمل يتم تسريحهم بشكل تعسفي رغم مطالبات النقابات ومجالس الاتحاد العام لنقابات العمال بتعديل بعض فقراته.

 

مواجهة قوى الفساد بكل الأشكال المتاحة بما فيه حق الإضراب!
وفي نقابة عمال الصحة قال عبد العزيز شيخو: إنه ومع انعقاد المؤتمرات النقابية تدور الكثير من النقاشات حول الأفكار والمواقف المفترض طرحها في هذه المؤتمرات، وفي مقدمتها ما يجري النقاش حول كيفية تطوير عمل النقابات ودورها في الدفاع عن الاقتصاد الوطني، والمطالبة بحقوق العمال خاصة وأن الأزمة الوطنية العميقة التي نعيش فصولها الآن قد كشفت ما فعلته بنا السياسات الاقتصادية الليبرالية للحكومة السابقة وفريقها الاقتصادي.
وأضاف شيخو قائلاً: لقد حذرنا منذ البداية من الاستمرار في هذه السياسات الكارثية أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لذلك فإن الطبقة العاملة السورية مطالبة الآن بأن ترفع صوتها عالياً من أجل حقوقها ومكتسباتها، وتأمين حاجاتها الضرورية، وعلى الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي مواجهة قوى الفساد، بكل الأشكال المتاحة لها بما فيه حق الإضراب، واسترداد ما تم نهبه عبر الفساد الكبير، وضربها في كل المواقع المختلفة، والحفاظ على القطاع العام والدفاع عنه وحمايته من النهب والتخريب من قوى الفساد في جهاز الدولة وخارجه، هذه القوى التي أوصلتنا إلى هذه الأزمة العميقة وأصبحت جسر عبور للعدو الخارجي.
وقال شيخو: لتكن المؤتمرات على قدر المسؤولية الوطنية والنقابية، ومنابر لطرح المشاكل والقضايا العمالية، وعدم المساومة من الآن فصاعداً في أي مطلب من مطالبهم المشروعة، وفي ذلك الضمانة الحقيقة لكرامة الوطن والمواطن التي هي فوق أي اعتبار.
وأكد شيخو على عدد من المطالب منها: العمل على احتساب الترفيعة مباشرة على أساس الراتب، وليس تركها بعد سنة، وهذا غبن بحق العامل، والاستعجال على تثبيت العامين الذين شملهم المرسوم وغيرهم، وصرف طبيعة العمل على الراتب الحالي حسب القانون /50/.

 

تثبيت العمال المؤقتين والعاملين بنظام العقود
كما أكد النقابي نصر الدين عبدي في مؤتمر الصحة على مجموعة من المطالب منها: تأمين مادة المازوت للمراكز الصحية بأسرع وقت ممكن، علماً أنه لا يوجد مازوت في بعض المراكز منذ أكثر من شهر، صرف أذونات السفر منذ الشهر العاشر من عام 2011، وتثبيت العمال العاملين المؤقتين وبنظام العقود، والتأكيد على التأمين الصحي لكافة العاملين، والإسراع في تأمين البطاقة الذكية (الصراف الآلي)، وفتح سقف الرواتب لكافة الفئات، وزيادة الرواتب للعاملين بما يتلاءم مع زيادة أسعار السلع أي (ربط الأجور بالأسعار)، وتعويض الاختصاص للفنيين أسوة بالأطباء الأخصائيين، والعمل على رفع التعويضات الممنوحة للعاملين في نهاية الخدمة من الصناديق (صندوق المساعدة والتكافل الاجتماعي)، وصرف بدل نقدي للإجازة السنوية المتبقية للعامل نهاية كل سنة، وزيادة الملاكات للمراكز الصحية من الكادر التمريضي والفني، والإسراع في استلام مركز تلم معروف الصحي الجديد علماً أنه جاهز منذ فترة طويلة وفتح عيادة سنية فيه.

 

المذكرات تبقى في دروج المسؤولين وتأكلها الفئران!
وفي مؤتمر عمال نقابة المواد الغذائية أكد  النقابي جان رسول أنه ولكي نستطيع مجابهة هذه التحديات ينبغي أن نبني بيتنا الداخلي على أسس متينة من اقتصاد قوي جوهره الاعتماد على الذات وتوزيع عادل للثروة الوطنية وصون مطالب الجماهير الكادحة، والحفاظ على القطاع العام ودعمه للقضاء على هشيم الفقر والبطالة.
وأشار رسول أن الوطن القوي هو الذي يحافظ على كرامة مواطنيه، وذلك بتوسيع الحريات الديمقراطية من حرية الرأي، والسماح بالاحتجاج السلمي والإضراب ضمن الأطر القانونية، وبعيداً عن الفوضى للحفاظ عن الحقوق المكتسبة، والرجوع عن السياسات الاقتصادية الليبرالية السابقة والحالية والعودة إلى إجراءات التقدم الاجتماعي قلناه سابقاً وأقولها اليوم ولاحقاً.
واكد رسول أن نقابة عمال المواد الغذائية معنية بالأمن الغذائي لمواطني هذه المحافظة ويعمل في مجالها مؤسسات مسؤوليتها تأمين رغيف الخبز الذي لم يبق غيره للفقراء في هذا البلد، وتحدث رسول عن مشكلة شح مادة المازوت، وعدم إيصالها للدراويش من المواطنين، وأزمة الغاز المنزلي والغلاء الفاحش للأسعار (بسبب العقوبات المفروضة)، وبسبب جشع التجار واحتكارهم المواد الغذائية في ظل غياب الرقابة التموينية، وغياب دور الدولة في ضبط الأسعار كل ذلك على حساب لقمة العامل والمواطن البسيط، وعلى حساب حقه في العيش الكريم، وهذا غيض من فيض، وتساءل رسول: هل النقابة كانت على مستوى المسؤولية من كل هذه الأمور؟؟!.
وعن المطالب العمالية أكد رسول أنها كثيرة ومتكررة من عام لآخر، ولم تجد طريقها للحل من الوزارات المعنية والمدراء العامين، حتى تحولت لمواد دسمة نتحدث عنها في المؤتمرات، وفي أحسن الأحوال يقوم المكتب بتسطير مذكرات رفع العتب إلى الجهات المسؤولة وينسوها في دروج المسؤولين إلى أن تأكلها الفئران.
وتساءل أيضاً: لماذا لا تقوم مؤسسة الحبوب بشراء وسائط لنقل العمال إلى المراكز بدلاً من استئجارها لسيارات النقل الخاصة؟ وكيف يصرف 75% من بدل الإجازات الإدارية للعاملين في الإدارة العامة، بينما في الفروع توقف، فهل هذا على مبدأ الست والجارية أم بأي قانون؟ كما يصرف الإضافي الموسمي في إدارة الفرع ليلي، بينما في المراكز نهاري من عمال المراكز أثناء الموسم يعملون لساعات متأخرة من الليل.

وفي ختام مداخلته أكد رسول أن حماية الوطن يبدأ بحماية القطاع العام الذي هو الركيزة الأساسية للصمود الوطني في محاسبة الفاسدين الكبار على مبدأ من أين لك هذا، واستعادة المال المنهوب عن طريق الفساد إلى صناديق الدولة لاستثمارها في دعم صناديق العاطلين عن العمل وإيجاد جهات عمل جديدة، ومن هنا ستكون الخطوة الأولى من الألف ميل من طريق الإصلاح.

معلومات إضافية

العدد رقم:
541
آخر تعديل على الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 03:19