ندوة حول: دور النقابات في تمثيل مصالح العمال والمعوقات التي تقف في طريقها..

الحركة النقابية: مالها وماعليها
استقلالية الحركة النقابية تعبير عن المصالح المباشرة للعاملين بأجر
لايجوز أن نساوي بين العامل ورب العمل، وبين الحركة النقابية والحكومة.. وإلا سيتعرض أحدهما للابتلاع من قبل الآخر..
ضمن جو التحضير للانتخابات النقابية المقبلة، قامت «قاسيون» بإعداد ندوة تضم عدداً من الناشطين في الحركة النقابية والمختصين بشؤون النقابات حول دور النقابات في تمثيل مصالح العمال والمعوقات التي تقف في طريقها ومدى استقلالية النقابات السورية وتأثيرها في عملية الإصلاح الاقتصادي للقطاع العام إضافة للمؤشرات المقبلة التي تحددها الانتخابات النقابية..

فعالية الحركة النقابية
■ قاسيون: مامدى فعالية الحركة النقابية:

■■ موفق خانجي: نحن نعرف حالياً أن الحركة النقابية تعمل بالتعاون مع الحكومة وتوصيف الواقع شيء يختلف عما يريد البعض توصيفه، فهنالك عوامل ذاتية وأخرى موضوعية أفرزت التعقيدات التي انعكست على الحركة النقابية.

القطاع العام نشأ وتطور عملياً منذ الستينات ونحن نقارن بين ما أنجز منذ تلك الفترة حتى الآن وما كان يمكن إنجازه في ضوء تفعيل العمل النقابي والعمالي. لايمكن أن نلقي باللائمة على الحركة النقابية في ظل ظروف وقوانين وتشريعات تحد من نشاط هذه الحركة. إذ أن الحركة النقابية تأثرت بتراجع الحركة الاجتماعية والسياسية التي انعكست بالضرورة على أدائها.

في الحزب الشيوعي مثلاً كان لدينا في دمشق نحو (110) نقابيين في السبعينات وضمن ظروف الانقسامات التي تعرض لها الحزب الشيوعي السوري والضغوط الأخرى التي أسهمت في تمزيق الحزب كان من الطبيعي أن يتراجع تأثير الحزب في النقابات، علماً أن للحزب نضالات واسعة في هذا المجال.

وقد كان للشيوعيين تأثير كبير  في النقابات (كالبناء والأخشاب) تراجع دورهم فيها نتيجة هذه الأوضاع.

■■ نبيل عكام: تمركز الحركة النقابية ما قبل السبعينات انتقل نتيجة توسع القطاع العام في المجال الإنتاجي من مواقع إلى مواقع أخرى، فقد كنا متواجدين في النقابات الفاعلة، نقابات المصارف، والصناعات المعدنية، وهذا التغير الذي نشأ على قاعدة الصناعة والإنتاج في تلك الفترة أدى إلى تغيرات في مواقع القوى.

برامج الإصلاح
■ قاسيون: الآن يجري الحديث عن برامج إصلاح، هل هناك تصورات حول برنامج الحركة النقابية المقبل؟

ضد فكرة الخصخصة
■■ موفق خانجي: الحركة النقابية اتخذت موقفاً صريحاً ضد فكرة الخصخصة التي يطالب بها البعض بأشكال مختلفة، وللقيادات النقابية علاقات واسعة جداً مع الاتحاد العالمي لنقابات العمال واتحاد العمال العرب، وقد تبين ذلك واضحاً في المؤتمر الرابع عشر الذي شارك فيه اتحاد عمال سورية مشاركة كبيرة، وموقف الحركة واضح تجاه الليبرالية الجديدة وقوى السوق في إطار الدفاع عن حقوق العمال.

الواقع الفعلي للحركة النقابية
■ قاسيون: هذا في الإطار العام، ولكن كيف نستطيع إسقاط ذلك على الواقع الفعلي للحركة النقابية؟
■■ سهيل قوطرش: نحن لانستطيع أن نتكلم عن الحركة النقابية بمعزل عن وعائها، والحركة النقابية في سورية استطاعت أن تنتج سياساتها ومواقفها ضمن إطار الحركة العمالية السورية، وقد تم توجيه ضربة للأخيرة في سورية منذ عام 1958، حيث تراجع العمل السياسي في صفوف الطبقة العاملة، وقد أدى ذلك إلى انحسار دور القوى الفاعلة التي يقع على عاتقها تنشيط الحركة النقابية، وكان ذلك انعطافاً كبيراً في مسار الحركة، فما قبل التأميم كانت العلاقة واضحة بين العمال ورب العمل وهي علاقة صراع دائم تقودها النقابات لتحقيق مكتسبات العمال أما بعد التأميم فقد تغير مفهوم رب العمل الذي يملك ما يكفي من آليات كبح مطالب العمال.

ظروف أكثر تعقيدا
■ قاسيون: إذاً أصبحت ظروف العمل النقابي أكثر تعقيداً في ظل وجود الدولة كرب عمل؟
■■ سهيل قوطرش: نعم والسبب هو عدم استقلالية الحركة النقابية عن الحكومة، وهذا ما يتناقض مع المفهوم الثوري الذي يؤكد على استقلالية الحركة عن الحكومة، ففي منتصف عام 1965 تم إنهاء استقلالية الحركة النقابية، وهناك فروق واضحة بين الحزب والحركة النقابية يجب التنبه إليها.
الضربة الواضحة التي أدت إلى التكلس في العمل النقابي،هو ظهور النقابية السياسية ذات البعد السياسي فقط، أما استقلالية الحركة النقابية فتعني التعبير عن المصالح المباشرة للعاملين بأجر.
اليوم، عملية الصراع الطبقي ضمن المفهوم السابق لم تعد ملائمة ولاسيما ضمن التراجع المطرد في دور القطاع العام،و هذا ما يجعل التحديات التي تواجه النقابات أكبر بكثير من السابق بما يستلزم إعادة الاستقلالية للحركة النقابية كي لاتتعرض للابتلاع من قبل قوى السوق.

■ قاسيون: هل هذا يعني أن نموذج نشاط الحركة النقابية سيتغير؟
■■ نبيل عكام: يجب التأكيد على التناقض الذي ذكر في الظروف المحيطة بالحركة. فالحركة النقابية تاريخياً مرتبطة بالقطاع العام وقواها منبثقة منه بغرض تقويمه وإصلاحه والدفاع عن عماله،ومن خلال هذه القوى نفسها تمارس نشاطاتها التي تنعكس في القطاع الخاص أيضاً.

كما يجب التمييز هنا بين الحركة النقابية والحركة العمالية، وقد تراجع دور الحركة العمالية على أثر تراجع دور الحركة النقابية، ولابد من تفعيل العمل النقابي في الفترة المقبلة بآليات جديدة تعيد الاعتبار للحركة ودورها.

النقابات والحكومة
■ قاسيون: وماذا عن مقولة «النقابات والحكومة فريق عمل واحد»؟
■■ نبيل عكام: هذا الكلام مغلوط تماماً، فالنقابات والحكومة فريقان في ملعب واحد، وهناك علاقة جدلية بين الاثنين بحيث تسعى كل منهما ضمن رؤيتها الخاصة لتحقيق مصالحها التي قد تتفق أو تختلف.
■■ سهيل قوطرش: النقابية السياسية عندما طرحت، اختزلت بجانب واحد هو التمثيل السياسي، بينما النقابية السياسية تتمثل في كافة الجوانب  الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وفي ظل الظروف الراهنة التي نمر بها وفي ظل اقتصادالسوق والتعددية الاقتصادية لم يعد هناك مبرر لتكبيل الطبقة العاملة، لأن التمثيل السياسي الذي نتفق على أنه شبه معدوم ضمن إطار الطبقة العاملة ـ ولاسيما بعد ظهور القائمة المحمية وغيرها، أدى إلى تشكيل هوة كبيرة بين القواعد النقابية وقياداتها، أفرز عدم ثقة هذه القواعد ببعض قياداتها، بما أن هذه القيادات لاتمثل مصالح العمال ومطالبهم تمثيلاً كافياً.
وفي الوقت الذي صدرت فيه قوانين التعددية الاقتصادية، لم تصدر قوانين لحماية الطبقة العاملة من قوى السوق.

كما لايجوز أن نساوي بين العامل ورب العمل، لايجوز بالتالي أن نساوي بين الحركة النقابية والحكومة وإلا سيتعرض أحدهما للابتلاع من قبل الآخر علماً أن لكل منهما دوره الوظيفي، وعندما تكون العلاقة بينهما سليمة يساهم ذلك في تصحيح مسار سياسات الحكومة.

■■ موفق خانجي: سأتكلم عن الواقع والاحتمالات دون اتخاذ موقف مطلق من أي موضوع. هناك برنامج واضح للحركة النقابية فيما يتعلق بالقطاع العام وتجديده وإزالة كل الصعوبات والعوائق من طريقه وهذا هو اتجاه الحركة التي برز واضحاً في المؤتمرات حيث جرى فيها انتقاد واسع للحكومة وإجراءاتها وسياساتها بما يتعلق بهذا الموضوع.
ولذلك دعا الاتحاد العام الآن إلى تشكيل لجنة لوضع برنامجه الخاص للإصلاح الاقتصادي. أما بالنسبة لموضوع استقلالية النقابات فإنه سيكون ضرورة فيما لو لجأت  الحكومة إلى برنامج إصلاح اقتصادي لايتقاطع مع مصالح الطبقة العاملة وهذا ما يحصل غالباً ونحن نأمل أن لايحدث ذاك.
■■ نبيل عكام: قد تنطبق مقولة فريق العمل الواحد بشكل عام على الرؤى الوطنية لكن موقف الحركة النقابية مختلف جداً عن الحكومة فيما يتعلق بتوزيع الثروة وتحسين الأجور وربطها بالأسعار والخصخصة وغير ذلك.
■■ سهيل قوطرش: بالقانون (84) يحق للنقابة المشاركة بوضع خطة العمل ومراقبة تنفيذها، ولكن هذه القضية لم تجر على أرض الواقع، فمثلاً في ظل الحصار الاقتصادي على سورية عندما طرحت الحكومة شعار الاعتماد على الذات قدمت الحركة النقابية برنامجها ودعت إلى مؤتمر الإبداع الوطني وكان هذا البرنامج هو حصيلة نقاشات كل القوى الوطنية في سورية وليس بمعزل عن هذه القوى. فماذا فعلت الحكومة؟ لقد وضعته في الدرج لأنها هابت آنذاك الوقوف بشكل واضح وصريح ضد قوى البرجوازية الطفيلية التي كان قد امتد تأثيرها ليشمل أوساطاً هامة من البرجوازية البيروقراطية.
وقد طرحت الحركة النقابية قضية ربط الأجور بالأسعار بالمؤتمر 22 وبنفس الطريقة الحكومة فعلت العكس حيث عملت على ربط الأجور بالإنتاج.
في الوقت نفسه لم تستند الحركة النقابية إلى قواعدها العمالية في الضغط على الحكومة وفرض ما تريده بينما غرفة تجارة دمشق مثلاً تفرض ما تشاء مستمدة قوتها من قوة مركزها المالي وقوة تأثيرها في السوق الداخلية مستفيدة من دعم قوى السوق العالمية.
■■ موفق خانجي: أريد أن أضيف شيئاً بالنسبة لمؤتمر الإبداع حول ما جرى يومها: الاتحاد العام أرسل قراراته إلى الحكومة التي وزعتها بدروها على الوزراء من أجل الأخذ بها، ولكن عملياً الوزراء والحكومة لم ينفذوا القرارات لأن المؤتمر كان انتقادياً يحتوي هجوماً مبطناً على أداء الحكومة والتجربة أثبتت لزوم أن يكون هنالك فصل ما بين الحركة والحكومة نظراً لهذه النتائج التي انعكست على أداء الحركة النقابية.

حق الإضراب
■ قاسيون: ماذا عن وسائل الضغط التي تمتلكها الحركة كالإضراب مثلاً، هل تعجز الحركة عن ممارستها، ومتى يصبح حق الإضراب واجباً؟
■■ نبيل عكام: جق الإضراب هو أحد حقوق الطبقة العاملة وهو في جوهره يبتعد عن المفهوم العدواني في نيل مكتسبات العمال وهدفه في نهاية المطاف تحسين الوضع المعيشي للعاملين بأجر وهو حق مسلوب من الحركة النقابية عملياً ومن الطبقة العاملة بشكل عام والسبب يتعلق بالتشريعات والقوانين التي تسيرها  السلطة التنفيذية بما قد يتعارض مع مصالح العمال.
■■ سهيل قوطرش: على الطبقة العاملة أن تمتلك حقها في لجم الحكومة طالما الحكومة تسير بخط متخالف مع مصالح العمال، ومن حق العمال استخدام كافة الأساليب القانونية المتاحة في سبيل نيل حقوقهم المشروعة إلا أن ما يعيق الحركة النقابية في استخدام وسائل الضغط هو ضعف استقلالية الحركة.

الحركة النقابية والمعوقات
■ قاسيون: المعوقات تنحصر فقط في ضعف استقلالية النقابات، أم أن هناك تكلساً هيكلياً ضمن إطار النقابة الواحدة؟.
■■ سهيل قوطرش: هنالك معوقات أخرى فالنقابات أسيرة واقع سياسي اقتصادي علماً أنها تمتلك أشكالاً اخرى للضغط غير الإضراب، يمكن للعاملين بأجر أن يمارسوها ضمن نقاباتهم ومن واجب الشيوعيين بالذات أن يعملوا عليها بحيث يزيدون وعي الطبقة العاملة في لحقوقها وإلا لن يجري أي تحرك إلا للوراء لأن أي آلية للضغط تتعلق بالضرورة بدرجة وعي الطبقة العاملة المتراكم.
■■ نبيل عكام: هناك بعض الحالات تصل احتجاجات الطبقة العاملة فيها إلى حد معين تقوم الحكومة عندها بتنفيذالمطالب العمالية كلياً أو  جزئياً وقد يعتبر هذا شكلاً من اشكال الضغط الجزئي وقد تجهض الحكومة مطالب العمال عن طريق زيادة الأجور المترافقة مثلاً مع زيادة الأسعار. وسواء أعطت الحكومة للعمال حق الإضراب أو منعتهم منه.. حدثت إضرابات كثيرة في الفترة الماضية في مؤسسات القطاع العام والخاص إلا أنها ظلت بعيدة عن كاميرات الإعلام ومكمن الخطورة في أي إجراء تقوم به الحكومة هو زرع سياسة تبريرات تجعل الحركة النقابية مفتياً آخر يبرر عجز الحكومة عن تلبية مصالح العمال.
■■ موفق خانجي: إذاً فهناك مستويان للنضال ضمن الحركة النقابية: أولهما هو الدفاع عن وجود هذه الحركة نفسها. وثانيهما الدفاع عن المصالح المباشرة للعاملين بأجر.
من الناحية النظرية، الحركة النقابية متقدمة على مصالح الطبقة العاملة، أما من الناحية العملية فالحركة النقابية متأخرة وليست في مستوى المطالب العمالية ولا ينبغي أن تنوب الحركة النقابية عن العمال بل أن تمثلهم وهنا يجري الخلط والتماهي بين الحركة النقابية وبين الحكومة مما يقوي تأثير مصالح ومطامع قوى السوق ونلاحظ  للأسف بعض الأصوات ضمن إطار الأحزاب السياسية الموجودة تعمل على عرقلة تطور الحركة النقابية.

الحد من القيود
■ قاسيون: يجري الحديث عن انتخابات نقابية. ماالذي يميز هذه الدورة لنسمع عن الكثير من بوادر التفاؤل عند ناشطي الحركة النقابية؟

■■ سهيل قوطرش: أنا أركز هنا على أن القائمة المحمية تعيق وصول ممثلين حقيقيين لمصالح العمال إلى مواقع قيادة الحركة النقابية، إضافة للانقسامات الحزبية التي أضعفت صوت الحزب الشيوعي ودوره في تمثيل مصالح العمال.
اليوم مهمتنا هي أن نحاول الحفاظ على كوادرنا النقابية المجربة، ولاسيما أن ما يسمى بالقائمة المغلقة التي تحد من مجال اختيار الطبقة العاملة لممثليها الحقيقيين.  إلا أن التفاؤل يأتي من بعض الضوابط الأخيرة التي أسهمت في الحد من القيود المذكورة.
■■ نبيل عكام: أجل فالمدير لايحق له أن يرشح نفسه ورئيس قسم لايحق له أن يرشح نفسه وقيادة الشعبة نفس الأمر وهناك معطيات جديدة اليوم قد تدعو للتفاؤل والانتخابات المقبلة تبقى أحد المؤشرات المحددة لمصير الحركة النقابية وظروف عملها المقبلة.
شارك في الندوة:

■ سهيل قوطرش: عضو مكتب نقابة الصناعات المعدنية في دمشق ـ عضو مجلس اتحاد عمال دمشق ـ عضو مجلس الاتحاد العام لنقابات عمال سورية ـ
■ موفق خانجي: نقابي منذ عام 1967 وعضو مكتب تنفيذي سابقاً في اتحاد عمال دمشق ـ عضو مجلس اتحاد عمال دمشق منذ عام 1968ـ عضو مكتب نقابة النفط منذ عام 1965ـ أحد مؤسسي النقابة الوطنية للنفط ومحاضر بالمعهد النقابي.
■ نبيل عكام: نقابي منذ عام 1978 ـ سكرتير المكتب العمالي في ا للجنة المنطقية للحزب الشيوعي السوري بدمشق.

معلومات إضافية

العدد رقم:
179