بصراحة... نهاية النفق المسدود

يعيش اقتصادنا الوطني منذ سنوات أزمة حقيقية، اعترفنا بها أو لم نعترف، ولكن نستطيع أن نقول بأن الجميع، رغم تنوع مشاربهم الفكرية ومدارسهم الاقتصادية، يقرون بوجود مثل هذه الأزمة وانعكاسها المباشر على تطور الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد..

 نشرت أبحاث عديدة، ومقالات متنوعة، وعقدت اجتماعات اختصاصية لكل قطاع إنتاجي على حدة ووضعت برامج عديدة للإصلاح الاقتصادي في قطاعاتنا الإنتاجية /العام ـ والخاص ـ والمشترك/ ورغم كل هذه الاجتماعات وهذه البرامج فإن الوضع ينتقل من سيئ إلى أسوأ، ومن المستغرب أن تكون قطاعاتنا الإنتاجية خاسرة، وقطاعاتنا الخدمية رابحة بمعدلات تفوق التصورات والتوقعات وتتساوى مع حجم خسارات القطاعات الإنتاجية تقريباً.

وعلى ما يبدو فإن الخلل الحاصل في اقتصادنا الوطني يعالَج حتى هذه اللحظة بطرح شعارات براقة بدون تحليل الأسباب الحقيقية للوضع الاقتصادي الذي نعيشه أو نهرب من وضع يدنا على أو الإشارة إلى الأسباب الحقيقية لهذا الوضع بسبب التخوف من المساءلة عن كشف المستور ونتيجة للوهم الحاصل بأن هناك من هم فوق القانون ويحق لهم أن يعيثوا فساداً بمقدرات البلاد وبدون مساءلة، وهذه قضية تستوجب التوقف عندها، لأن المصلحة الوطنية لابد أن تبقى فوق أي اعتبار.

ولهذا دعونا نفكر بصوت عال ونضع النقاط على الحروف، انطلاقا ًمن مصلحتنا الوطنية، وهذا يتطلب أولاً أن نضع إصبعنا على الجرح مباشرة وبغض النظر عن أي استياء عند هذا الشخص  أو ذاك.

فعبثاً نتحدث عن محاربة الفساد، فالفساد هنا ليس سبباً بل نتيجة لتردي الوضع الاقتصادي. فاقتصادنا يعاني من النهب العشوائي والنهب المنظم والذي يرتبط بشكل مباشر بالسياسات الاقتصادية المتبعة والتي سمحت بقوننة النهب من خلال السماح أو غض النظر عن العمولات التي تُحصَّل نتيجة إبرام العقود الخارجية والعلاقات الاقتصادية غير المتوازنة، والتي تشجع على مثل هذا السلوك للحصول على عقود عمل أو تسويق منتجاتها عبر صفقات غير مبررة لبضائع لسنا بحاجة إليها وتساهم في منافسة إنتاجنا الوطني /كاستيراد الزيوت المهدرجة من تركيا على الرغم من وجود الزيوت السورية وبنوعيات جيدة/ مما ساهم في تراكم المخازين من هذه المادة وسبب خسارة كبرى للمنتج السوري، وربح موقع العقد بشكل مباشر على حساب المصلحة الوطنية.

إذاً ا لنقطة الأولى في معالجة الوضع الاقتصادي هي محاربة النهب المنظم والمتمركز في مفاصل الإدارة الاقتصادية في البلاد وهناك قضية أخرى نرى بأنه من الهام التوقف عندها حيث ساهمت في ضياع مليارات الليرات السورية التي صرفت بشكل قروض من المصرف الصناعي على مشاريع وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، مما أضاع فرصة استثمار هذه المليارات في دعم الاقتصاد الوطني. فهل نستطيع أن نتساءل: كيف منحت هذه القروض ومن المسؤول المباشر عن فقدان هذه المليارات؟ ومن المستغرب أنه حتى الآن لم يحاسب المسؤولون المباشرون عن عملية النهب المنظم وعن المسببين الحقيقيين لتردي اقتصادنا الوطني، فمحاربة الفساد بقيت شعاراً.

فهل هؤلاء العابثون باقتصادنا الوطني هم فوق القانون و يتصرفون بمقدرات البلاد وكأنها إقطاعية لهم.

إن الوصول لنهاية النفق المظلم لا يتم فقط بالحديث عن الإصلاح الاقتصادي لأن مواجهة النهب المنظم تتطلب بالدرجة الأولى تفعيل الرقابة  الشعبية واستقلالية القضاء ونزاهته، وتفعيل دور السلطة التشريعية لممارسة دورها الرقابي على السلطة التنفيذية. فلا يجوز الخلط بين السلطات، ولا يجوز للسلطة التنفيذية أن تكون أعلى من السلطة القضائية والتشريعية.

كما أن للحركة النقابية دوراً هاماً في مواجهة النهب النظم من خلال تفعيل دورها بممارسة الرقابة الشعبية والدفاع عن الإنتاج الوطني وعن حقوق العمال، لأن دور الحركة النقابية ليس كما يظن البعض أن يبرر ويمرر السياسيات الاقتصادية غير المنسجمة مع المصلحة الوطنية عبر التستر على سلبيات السياسة الاقتصادية، منطلقين بأننا نحن والحكومة فريق واحد مما أثر سلباً على العلاقة بين القيادة النقابية وقاعدتها، ولهذا نحن مدعوون لتفعيل دور حركتنا النقابية وهذا يتطلب اعتمادها أكثر فأكثر على القاعدة العمالية وعلى تفعيل دور الطبقة العاملة لمواجهة الأخطار التي قد تواجهها نتيجة للسياسات الاقتصادية التي  تؤدي وبأشكال مختلفة إلى الانتقاص من حقوق عمالنا ومكتسابتهم.

 

* سهيل قوطرش

معلومات إضافية

العدد رقم:
170