عمال القطاع الخاص.... والآمال الضائعة

ماتزال قوى السوق الكبرى ومن يقف معها أو وراءها ويتستر عليها من المفسدين، تخوض حرباً مكشوفة على العمال سواء أكانوا في القطاع العام أو في القطاع الخاص، ضمن سعيها الدائم لتمتين نفوذها وتحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح، ولوكان ذلك على حساب الوطن وعماله الكادحين لذلك وصلت أحوالهم إلى حالة هي غاية في السوء، خصوصاً في ظل الارتفاع الدائم للأسعار وتزايد تكاليف المعيشة، بينما أجورهم تكاد لاتكفيهم حتى منتصف الشهر، فيضطرون للبحث عن عمل إضافي يساعدهم في تأمين الحد الأدنى من الكفاية، والتي باتت شبه مستحيلة لأصحاب الدخل المحدود.

وإذا كان القطاع العام، رغم كل المؤامرات التي تحاك ضده، مايزال في الحدود الدنيا قادرا ًعلى حماية العاملين فيه، فإن العاملين في القطاع الخاص، يعانون معاناة شديدة ومستمرة، بحكم احتكاكهم اليومي والمباشر مع مستغليهم من أرباب العمل الذين لاهم لهم سوى جني الأرباح حتى ولو كانت غير مشروعة، واستنزاف جهود وأعمار العمال وإبخاسهم حقوقهم.

وقد صدر مؤخراً عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قرار يحمل الرقم 893 تاريخ 25/7/2004، ويتضمن زيادة الأجور والرواتب للعاملين في القطاع الخاص والمشترك والتعاوني، وتم تعميمه على كافة النقابات من أجل تطبيقه والعمل على أساسه، وجاءت الزيادة على الشكل التالي: 15% من الأجر الشهري المقطوع من 5000 ل. س فما دون. 10% من الأجر الشهري المقطوع من 5001 ل.س حتى 10000 ل.س. 5% من الأجر الشهري المقطوع من 10001 ل.س فما فوق.

شريطة أن لاتقل الزيادة الشهرية عن 600 ل.س ولاتتجاوز 2000 ل.س ويلاحظ من قرار الزيادة التي جاءت مخيبة للآمال ولاتتناسب مع ازدياد الأعباء الاجتماعية والاقتصادية، أنه جاء ملتبساً وغامضاُ وقابلاً للتأويلات والتفسيرات المختلفة، فأرباب العمل فسروه على هواهم، وخاصة فيما يتعلق بالشريحة الثالثة، وهم العمال الذين تزيد رواتبهم عن 10000 ل. س شهرياً.

وهو الحد الأدنى الذي اشترطه القرار المذكور آنفاً. أما العمال فقد رأوا أن قرار الزيادة يعني حصولهم على 15% عن الخمسة آلاف الأولى و10% عن الخمسة آلاف الثانية، و5% عما زاد عن ذلك، وبالتالي حصولهم على سقف الزيادة وهو مبلغ 2000 ل.س الذي حددته الزيادة كسقف نهائي. وهنا يجب التنويه بأن معظم العاملين في القطاع الخاص تقارب رواتبهم الـ 10000 ل.س أو تزيد بقليل، وذلك بحكم سنوات العمل الطويلة التي مضت على تعيينهم، وبذلك فإن الزيادة كما فسرها أرباب العمل وبعض النقابيين المتعاونين معهم، لم تمنحهم سوى 600 ل.س لاغير.

في كل الأحوال، فقد أثارت هذه الزيادة البخسة «أصلاً» وماتبعها من لغط في التفسير جملة من التساؤلات لدى العمال وفي صفوف الوطنيين الشرفاء المتابعين لكل مايحدث مؤخراً في البلاد، لعل أهمها ذلك السؤال الأساسي المتعلق باقتصاد الوطن والمحاولات الدائمة التي تقوم بها البرجوازية الطفيلية وأزلامها ومناصريها في الحكومة وخارجها للسيطرة على جميع مقدراته، والسعي المستمر للوصول إلى سدة القرار الاقتصادي، والاستمرار في إفقار قوى الوطن الكادحة، والاعتداء على حقوق العمال وسرقة ثمرات جهودهم.

وقد التقت «قاسيون» بعض العاملين في معامل وشركات القطاع الخاص وسألتهم عن أوضاعهم بصورة عامة، وعن الزيادة الأخيرة ورأيهم بها فجاءت أجوبتهم كما يلي:

 العامل ح. ك / سنوات عمله 13 سنة:

نحن العاملين في القطاع الخاص نعمل ساعات عمل طويلة، ولانأخذ سوى بعض حقوقنا، وهذه الزيادة كما يحاول فرضها علينا رب العمل حسب فهمه لها، نرفضها جملة وتفصيلاً، إننا نستحق زيادة في أجرنا تكون مناسبة لكفاءاتنا وجهودنا، ولانجد غالبا ًمن يستمع إلينا أو ينصفنا. فالنقابة معظم الأحيان تقف في صف رب العمل، أما نحن فلا نصير ولاحليف.

 العامل م. س / سنوات عمله 10 سنوات:

إننا في القطاع الخاص لانحصل على أي شيء سوى راتبنا، لامكافآت، لاحوافز، ويكتفي صاحب العمل بإعطائنا 100 ليرة سورية كتعويض (محروقات + غلاء معيشة)، وبألف منية، وهذه الزيادة التي يريدون أن يحرمونا منها رغم أنها لاتقدم ولاتؤخر، لم تضف إلى دخلنا سوى 600 ل. س شهرياً، فهل هذا عدل؟.

 العامل م. إ/ 7 سنوات خدمة:

هناك أمور كثيرة لانسمع بها نحن العاملين في القطاع الخاص، لاتعويض محروقات ولاالتعويض العائلي، لاالمكافآت ولاطبيعة العمل، أما الزيادة التي انتظرناها طويلاً فلم تقدم لنا شيئاً، فماذا يعني أن يزيد راتبي 500 أو 600 ل.س في ظل هذه الظروف المعاشية القاسية التي لاتحتمل، هذا بالإضافة إلى أن الكثيرين ممن يعملون في القطاع الخاص غير مسجلين في التأمينات الاجتماعية، وأنا تقدمت بشكوى في هذا الخصوص، ولكن أيدياً خفية سحبتها، وبالتالي فلا ضمان لي للبقاء على رأس عملي.

 العامل م. ك/ 7 سنوات عمل:

عرفنا بالزيادة من الجرائد الرسمية، ومنذ اللحظة الأولى وجدنا أنها جاءت لتناسب أرباب العمل، لا لتناسب العمال وزاد الطين بلة التفسير الخاطئ الذي عمد إليه هؤلاء الجشعون، فبدلاً من حصولنا على سقف الزيادة، حصلنا على 600 ل.س فقط وهو الحد الأدنى. أما أحوالنا فهي تسير من سيئ إلى أسوأ، بسبب تمادي أصحاب المعامل في تعاملهم معنا، بعد أن فقدنا كل سند من الحكومة، إنهم يتفرعنون علينا من دون أن يوقفهم أحد، وماهذا إلا البداية!!

 العامل ف. ح /11 سنة عمل:

بالنسبة للزيادة الحالية، فسرها أصحاب العمل على مقاسهم، وأعطونا الزيادات بحدودها الدنيا، ولن يحصل على السقف الكامل إلا من وصل راتبه إلى 14000 ل.س، فمن من عمالنا يقبض مثل هذا الراتب، هذه مسخرة، ونحن لانريد سوى زيادة منصفة ونطالب بزيادات دورية حقيقية تأخذ بعين الاعتبار الغلاء المستمر وارتفاع تكاليف المعيشة، هذه الزيادات كلها وهمية وخلبية، ومعظم العمال رفضوا قبول الزيادة بالشكل الذي فرضه أرباب العمل، ويأملون بتصحيح الأمور ووضعها في نصابها.

وأخيراُ، فإن القضية لن تتوقف عند هذا الحد، والعمال مصرون على متابعتها حتى يأخذ كل ذي حق حقه، وهنا نسأل عن صوت نقابات العمال ودروها في حسم هذه المشكلة لصالح من «انتخبوهم»، إذ لايعقل أن تمضي غرفة الصناعة في تمرير مايناسبها ويناسب أرباب العمل، من دون أن يجد العمال من يقف معهم ويدافع عن حقوقهم، حتى وإن كان الترهل والكسل قد فعل مافعل بعدد كبير من النقابيين، فالمشكلة أكبر مما تبدو عليه في الظاهر، وعلى النقابات أن تستعد لمجابهة كل من يريد العبث بحقوق العمال.

 

 ■ إعداد: جهاد محمد

معلومات إضافية

العدد رقم:
228