زيادة الأجور بيد «أرباب القطاع الخاص»

عند كل زيادة يحصل عليها العمال في قطاع الدولة، يبدأ الجدل حول ضرورة أن يحصل عمال القطاع الخاص على مثل هذه الزيادة ولكن هذا الجدل سرعان ما يصطدم بجدار عال من الرفض تعبر عنه «الأوساط الصناعية» بمواقفها وتوجهاتها الرافضة لزيادة أجور القطاع الخاص باعتبار أن تلك الأوساط مستقلة بمنهجيتها عن عملية قطاع الدولة كما جاء في كتاب غرفة صناعة دمشق الموجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حيث عبرت عن استقلاليتها برفضها أي قرار يطالب بزيادة أجور عمال القطاع الخاص باعتبار أن أرباب العمل يتعاملون مع العمال بطريقة جيدة وحسنة.

فقد جاء في الكتاب المذكور: إننا نؤكد أن القطاع الخاص لن يتوانى في رفع الأجور للكفاءات الجيدة ويتعامل مع عامليه في أغلب الأحيان بطريقة تضمن التعامل الجيد والحسن فلذلك نرجو التكرم بإعادة النظر في القرار المذكور ونتحفظ على ما جاء فيه.

إن الأخلاق الجيدة والحسنة تهبط فجأة عبر الكتب فقط، أما الواقع فإنه يقول غير ذلك، إذ أن هنالك آلاف العمال محرومون من حقوقهم، وأقلها، حق تسجيلهم بالتأمينات، وحقهم في عقود عمل واضحة تبين حقوقهم وواجباتهم، وحقهم بالعمل لثماني ساعات، وحقهم بضمان صحي وضمان شيخوخة وضمان إصابة عمل وحقهم في الترفيعات الدورية حسب قانون العمل.

فهل يعقل أن يتمسك هؤلاء «الأرباب» بالقانون ليرفضوا زيادة الأجور للعمال؟

إن رفضهم للزيادة التي أقرت أخيراً جاء مستنداً إلى المادة /459/ من قانون العمل، والتي تخول وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تحديد الحد الأدنى للأجور وليس زيادتها، ولكن المادة / 158/ ماذا تقول:

«تعقد اللجنة دورة على الأقل في السنة لاقتراح إضافة زيادات إلى الأجور مع مراعاة ان يكفي الأجر لسد حاجات العامل الضرورية...»

إن هذه المادة واضحة تماما من حيث الإقرار بإمكانية زيادة أجور العمال وهي خاضعة للتفاوض بين ممثلي العمال وممثلي أرباب العمل لإقرار الزيادة المناسبة، وهذا ما جرى في قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ، حيث أصدرت قرار الزيادة استناداً إلى مبدأ المفاوضة بين الأطراف الممثلة لكلا الطرفين. ولكن ماذا يعني كتاب غرفة الصناعة الموجه إلى الوزارة المذكورة؟!

إنه يعني رفض الإقراربمبدأ التفاوض حول زيادة الأجور والاستفراد بالتحكم بمصير العمال مستفيدين من كل الظروف الاقتصادية في رفض ما لا يريدون وقبول ما يريدون.

أما عن الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد وازدياد عدد العاطلين عن العمل فهي عناصر قوة بيد أرباب العمل ، ليس هذا وحسب، فقد ازداد استخدام النساء والأطفال في العمل ضمن شروط غير إنسانية على عكس ما جاء في كتاب غرفة صناعة دمشق الموجه إلى الوزارة حيث اعتبرت القرار بمثابة إجراء تعديل قسري على العقد المبرم بين رب العمل والعامل وهو إخلال بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، والسؤال الذي يطرح نفسه:

هل هنالك تكافؤ بين طرفي العقد من حيث إمكانية وضع الشروط والتفاوض على أساسها لتحقيق هذا العقد؟هذا إن وجد العقد أصلا..

العامل لا حول له ولا قوة، خاصة أن هنالك جانباً آخر هو أن النقابات ليست مفاوضا عنهم والسبب يلمسه العمال جميعا عند بداية كل دورة انتخابية تجري في المعامل والمنشآت الخاصة حيث يعين أرباب العمل بعض اللجان النقابية المناسبة لهم وبالتالي الخاضعة لإرادتهم وشروطهم.

وبهذا يؤمن أرباب العمل تحييد قوة مهمة يفترض أن تقف إلى جانب العمال وتقود نضالهم وتضمهم إلى صفوفها ليشكلوا قوة ضغط أساسية لتصحيح معادلة الأجور في سوق العمل الواسع، خاصة وأن عمال القطاع الخاص باتوا يشكلون جزءا أساسيا من الطبقة العاملة السورية.

أما عن زيادة الأجور وتعديل الحد الأدنى لها فلا يراه أرباب العمل إلا من خلال ما كرسه قانون العمل 91 والذي ذكرها كتاب غرفة صناعة دمشق وهي:

ــ الأزمات الاقتصادية.

ــ هبوط النقد.

ــ ارتفاع تكاليف المعيشة.

ونحن لن نناقش الأمور الثلاثة هذه طالما أن الواقع كفيل بالرد عليها، وكذلك ظروف العامل الاقتصادية الاجتماعية ووعيه لتلك الظروف، والذي نريد أن نقوله هو أن زيادة الأجور لعمال القطاع الخاص والنضال من أجلها واجب وطني يستدعي استنفار الطبقة العاملة والقوى التي لها مصلحة بالدفاع عن مصالح العمال وعلى رأسها النقابات بكل السبل المتاحة بما فيها حق الإضراب .

لقد قدمت النقابات عبر مؤتمراتها العديدة آراء ومقترحات من الواجب النضال من أجلها:

 من أجل عقد عمل فردي نموذجي من خمس نسخ يودع لدى الجهات المعنية ومنها النقابة واعتبار هذا العقد بمثابة الاشتراك بالتأمينات.

 تعديل بعض أحكام قانون العمل ومنها على وجه الخصوص الفصل الثالث المتعلق بعقد العمل الجماعي، إحياء للمفاوضة الجماعية بين أطراف الإنتاج وبما يفرز الاتفاقيات المشتركة بين ممثلي أصحاب العمل وممثلي العمال

 احترام قوانين العمل وإزالة الإجتهادات المخالفة لأحكامها فاجتهاد محكمة الاستئناف العمالية بالنسبة لعقد العمل الفردي واجتهاد الجهاز المركزي للرقابة المالية بالنسبة لتعويض الدفعة الواحدة وإحياء ضمان البطالة الذي لم يطبق حتى تاريخه. إن تحقيق تلك المطالب سيمكن النقابات والعمال من تغيير المعادلة المختلة لصالح أرباب العمل وسيمكن العمال من تحسين شروط حياتهم وشروط تفاوضهم من أجل زيادة أجورهم وتحسينها، التي هي أصلا لا تسد الرمق، حتى وإن زادت، فكيف بدون زيادة؟!.

 

■عادل ياسين

معلومات إضافية

العدد رقم:
228