بصراحة تمخض الجبل ...

تمخض الجبل فولد فأراً: هذا ما يقوله المثل الشعبي الذي يشخص الحالة التي نحن بصددها، تحديداً أيام العطل التي يحق للعمال أن يعطلوها وإلغاء أيام أخرى كانت من حقهم، حسب كتاب وزارة الصناعة رقم 2167/ص/2/4/10 تاريخ 13/4/2004.

لقد تمخضت عن تلك الاجتماعات واللقاءات التي عقدها المسؤولون لنقاش أوضاع الغزل والنسيج من أجل إصلاحه وتخليصه من أزمته المستعصية والتي لايعلم إلا الله متى سيتخلص منها، فكانت بعض القرارات الحاسمة على طريق الإصلاح هي (خصورة) أيام العطل بالنسبة للشركات العاملة بأربع ورديات من ثمانية عشر يوماً إلى اثني عشر يوماً.

إن الأيام (المخصورة) تلك لم تصدر بتوجيه من وزير الصناعة أو رئيس مجلس الوزراء، بل صدرت بمرسوم جمهوري، وبالتالي أصبحت مكسباً مثبتاً قانوناً ولايحق لأحد استلاب هذا الحق، ولايمكن من وجهة النظر القانونية والتشريعية إلغاء مرسوم جمهوري بتوجيه من وزير أو رئيس مجلس وزراء، خاصة وأن أحد تلك الأيام التي (خصورها) اليد الوزير بتوجيهه هو يوم الأول من أيار، هذا اليوم الذي قدمت فيه الطبقة العاملة السورية تضحيات كبيرة وخاضت فيه معارك عدة حتى انتزعته وأصبح حقاً ومكسباً مشروعاً لايجوز التنازل عنه تحت أي ظرف وأية حجة.

نحن نعتقد شيئاً مهما: يمكن أن نستنتج من هذه الحالة ومن حالات أخرى جرت وستجري وهي: منذ عدة سنوات وإلى الآن يجري تسويق ثقافة الهجوم على قطاع الدولة والعاملين فيه (عبر منظرين وأكاديميين ومسؤولين....إلخ)، ويجري طرح كل المقدمات والمسوغات والتشريعات، والتي تجعل التخلص منه ومن حقوق عامليه أمراً طبيعياً في نطاق عملية الإصلاح وإعادة الهيكلة وربطه بالسوق الرأسمالي العالمي، وبالتالي التعامل مع كل إجراء يتخذ بهذا الإطار كأمر واقع تستوجبه عملية الإصلاح والهيكلة تلك، وإلا (وهذا تحذير وتحميل مسؤولية) فإن الاقتصاد الوطني سيتخلف عن ركب اقتصاد السوق وسيمتنع الرأسمال عن القدوم إلينا، وبالتالي لابد من التأقلم النفسي والعملي مع كل الخطوات المتخذة بهذا الاتجاه، وعلى النقابات (وهذا مهم من وجهة نظر الإصلاح وا لهيكلة) أن تتفهم ذلك بكل رحابة صدر وموضوعية، وأن لاتكون عصاً تعرقل دولاب اقتصاد السوق وقواه.

والسؤال الذي يطرح نفسه من خلال توجيه الوزير:

هل يستطيع وبتوجيه منه أن يحقق حقوق العمال التي تطرحها الحركة النقابية من خلال مؤتمراتها المختلفة والتي تدور من سنة إلى أخرى، سواء منها القضايا المتعلقة بالصحة والسلامة والأمن الصناعي، أو الحوافز الإنتاجية أو حقهم بالوجبة الغذائية، أو حقهم بالعمل من خلال خطط إنتاجية واقعية تستطيع أن تنهض بالإنتاج من حيث النوعية والجودة والتسويق، أو تحقيق خطط الصيانة للآلات التي أكل الدهر عليها وشرب.

وهل يستطيع سيادته وبتوجيه منه أن يفرض على الشركات دفع اشتراكات العمال النقابيين للنقابات التابعة لها.

والسؤال الآخر: هل يستطيع الوزير وبتوجيه منه أن يفرض على أرباب العمل والقطاع الخاص باعتباره أحد المتحمسين له ليأخذ دوره وأن يكون الأساس في قطاع الغزل والنسيج والتي حسب التصريحات عجز قطاع الدولة عن النهوض به وبالتالي عجز عن تحقيق أرباح؟ هل يستطيع أن يفرض عليهم رفع أجور عمالهم وتأمين حقوقهم (تسجيلهم بالتأمينات الاجتماعية ـ إلغاء الاستقالات وبراءات الذمة المسبقة ...إلخ) من القضايا الهامة والتي تمس مباشرة مصالح العمال.

إننا لانعتقد ذلك، ولكن المثل الشعبي (ودائماً نعود إلى الشعب وحكمته) يقول: «عندما تقع البقرة تكثر السكاكين» وهذا ماهو حاصل بحقوق الطبقة العاملة، التي يستقوي عليها باعتبارها الحلقة الأضعف بميزان القوى الآن، وذلك لأسباب عدة وعلى رأس تلك الأسباب واقع الحركة النقابية والتي من المفترض أن تكون خط الدفاع الأول في الدفاع عن تلك الحقوق والمكتسبات والتي لاحول لها ولاقوة ولأسباب عديدة ومعروفة ليس المجال لذكرها الآن.

المطلوب الآن إزاء ذلك ليس التأمل فيما يجري وانتظار النتائج، بل الفعل فيما يجري، أي التخندق والتمترس لحقوق العمال ومكتسباتهم وعدم السماح للمساس بها تحت أية اعتبارات، لأن المشكلة الأساسية ليست في حقوق العمال، بل المشكلة وبيت الداء فيمن يدير تلك المنشآت والمعامل، المشكلة بآلية النهب لقطاع الدولة باعتباره بقرة حلوباً والتي أوصلته إلى هذا الدرك.

الآن يقولون إن المشكلة بالعمال وحقوقهم، حيث أصبحوا يشكلون عبئاً على الاقتصاد الوطني لابد من تقليص ذلك العبء.

فهل تقاوم وتقاوم الطبقة العاملة معنا هذه المشاريع التي يراد من خلالها تصفية كل المكتسبات التي تحققت لهاعبر نضالها.

السؤال برسم جميع الوطنيين والمخلصين في هذا الوطن.

 

٭ عادل ياسين

معلومات إضافية

العدد رقم:
225