مطبات: حرّاس العمل

ما زال مدخل باب الجابية تحت حراسة العمال القابعين على الرصيف ينتظرون من يستخدمهم.. ما زالت الفؤوس والرفوش والحديد الملفوف شعارات للبطالة، ومازال الانتظار لغة المنتظرين تحت جسر الميدان، حديقة الزاهرة الجديدة، باب المصلى، لغة مشمولة بالدعاء والرزق، وبسيارة تحمل العمال وشعاراتهم إلى مزرعة ما، هدم جدار، نقل تراب، أو حتى حمل أثاث فاخر ملّ السيد من رؤيته في البيت الكبير.

حتى إعلان الإقرار النهائي على قانون العمل الجديد، وموافقة مجلس الشعب عليه بعد نقاشات وأخذ ورد مع رئاسة الوزراء ومجلس الشعب، حتى هذه اللحظة التاريخية من حياة الطبقة الأوسع.. ما زالت النسوة يحملن إلى المزارع بلباس الرأس الذكري وبأجر لا يزيد عن مئتي ليرة لقاء استخدام خمس عشرة ساعة من الانحناء.

ما زالت المعامل مغلقة، والأبواب موصدة، والتأمينات الاجتماعية مجرد حكايات واهية عن الطبقة العاملة، ومفتشو التأمينات تسرد عنهم القصص، ويصرفون من الخدمة لقاء أزواج من الأحذية، والسيد المختال في معمله، بستانه، ورشته، بيته السري، يدعو الحكومة لتوافق على استعباده للعامل، وللعرق الذي بملحه تصير القصور والفلل والمسابح والمزارع.. والسهرات ذات النجوم اللامعة.

يقول أحد السادة، وهو عضو في غرفة التجارة: (أرغب في أن يكون العقد شريعة المتعاقدين وأن يكون محدود المدة، ويستطيع أي من الفريقين إنهاء العقد، أو تجديده بالتراضي بعد انتهاء مدة العقد)... وأن (العقود المعمول بها حالياً عقود مفتوحة، وفيها ظلم لرب العمل والعامل، وهذا العامل لعب دوراً أساسياً في تأخر الصناعة الوطنية).. معربا عن أمله أن (تكون العقود الجديدة مرنة، وفيها حرية للعامل ورب العمل)...

ما زالت اللغة المتعالية هي الطاغية، ومازال صوت رأس المال يذكرنا بالتاريخ الأسود لأصحاب الياقات.

في الصناعة التي حملها العمال على ظهورهم في القطاع الخاص العامر بالسادة، السادة المتلذذين باليد الجديدة المستثمرة، المفتوحة عيونهم على الملايين القادمة إلينا عبر قاطرة النمو، وصناعة الكماليات، وصناعة دعم الكماليات: (مشروع قانون العمل الجديد عندما يدخل حيز التطبيق سيلعب دوراً مهماً في جذب الاستثمارات، حيث أن المستثمر أول ما يستكشف في حال رغبته الاستثمار في أي بلد قوانين العمل المعمول بها)...السيد لا يرى في القانون الجديد عاملاً محمياً ومستوراً على الأقل، بل أقل من دعاية عن بلد مفتوح على الاستثمارات.

في المقابل، تقل الأصوات المدافعة عن اللهاث لرجل تجاوز التقاعد، لامرأة تنتهك في مزرعة، أو تحت شمس محرقة، وينسحب المدافعون عن طبقة ارتزقوا من الدفاع عنها، ينسحب المذعورون من لكنة المواربة، والسوق الجديدة، ويبقى دون شك بعض الموقعين على انحيازهم. يقول نبيل مرزوق في حديث صحفي عن صيغة العقد شريعة المتعاقدين: (هذه الصيغة غير موجودة في الدول الرأسمالية الأكثر ليبرالية وغير مطبقة، مرجعاً هذا الأمر إلى وجود قوتين غير متوازنتين في سوق العمل هما: قوة العمل وقوة رأس المال، وأن واجب الدولة دائما هو أن تتدخل لتصحح الخلل في هذه المعادلة وإيجاد نوع من التوازن، وبالتالي وضع الضوابط والشروط لتحقيق نوع من التوازن بين طرفي سوق العمل، وقانون العمل الجديد، ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين، يلغي ضمانة الحقوق التي يتمتع بها العمال في سورية).

العامل في مقابل رب العمل، الضعيف في مواجهة القوي، المحتاج أمام من يملك سد الحاجة، البطالة وفرص العمل المقتنصة، الطموح في مواجهة الجشع، معادلة يريدها أصحاب العمل شريعة لعقد عادل ومنصف، وقانون يجيز التسريح مقابل التعويض.. يحيا السادة..

ملاحظة: المادة 65 من مشروع قانون العمل تطلق يد رب العمل في تسريح العامل لقاء تعويض مادي، ولا تترك له أية حماية من أخطار التسريح، وهو ما يجعل القانون كله أعرج، وغير منصف، وغير متوازن.

 ■ عبد الرزاق دياب