السلة الغذائية  والكارثة المعيشية للعمال؟
هاشم اليعقوبي هاشم اليعقوبي

السلة الغذائية والكارثة المعيشية للعمال؟

يعتبر الفارق الكبير بين الأجور الحالية والأسعار السبب الرئيس في الكارثة المعيشية التي وصل إليها العمال، دون أن يتلمسوا مؤشرات تدل على بداية ردم هذه الهوة الواسعة، فعاد الحديث مجدداً عن السلة الاستهلاكية المدعومة للأسر العمالية.


لا يتجاوز الحد الأدنى من الأجور وفق الأرقام الحكومية 17 ألف ليرة سورية، في حين تبلغ كلفة الضرورات المعيشة الشهرية للعائلة السورية وفق آخر الدراسات التي أعدتها (قاسيون) يتجاوز 270 ألف، وهذا يدل على أن ما يقبضه العامل وفقاً لسلسلة الحد الأدنى من الأجور يكفي الانفاق ليومين فقط من الشهر كله، وتبدو هذه الفوارق الرقمية مخيفة لقارئها نظرياً، ولكنها مخيفة أكثر لمن يتعامل معها عملياً كل يوم على أرض الواقع المزري.
العمال يخشون من زيادة الأجور
يقر البعض على ضرورة زيادة الأجور من مصادرها الحقيقية، رغم الخلاف على كيفية حلها، وكما جرت العادة فإن أول إجراء حكومي يخشاه العمال ويتمنون عدم حصوله هو زيادة الأجور المباشرة على الطريقة الحكومية، عبر زيادة الأسعار ورفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة، فهم الذين خبروا بتجربتهم الطويلة، مع كل زيادة، بأن هذه الزيادة الاسمية للأجور هي نفسها التي بمحصلة الأمر تخفض القيمة الشرائية للأجور، وتدهور حالهم المعيشي درجة جديدة، حتى وصلوا للدرك الأسفل منها.
ما البديل عن الزيادة ؟
منذ بداية الدورة السادسة والعشرين لاتحاد نقابات العمال تبنت القيادة النقابية حينها موقفاً ضد أي زيادة على الأجور، وبررت ذلك بالخوف من زيادة التضخم وبالتالي ارتفاع الأسعار، ولكنها في الوقت عينه لم تقدم رؤيتها البديلة الخاصة عن كيفية تحسين الواقع المعيشي للعمال، ولا عن كيفية وقف التراجع المخيف للقيمة الشرائية للأجور، لتأتي مؤتمرات النقابات لتقول نريد سلة استهلاكية متكاملة ومدعومة لكل أسرة عمالية.
السلة الاستهلاكية المدعومة
لم يكن طرح فكرة السلة الاستهلاكية المدعومة طرحاً جديداً، أو ابتكاراً صعباً، بل بحقيقة الأمر هو مطلب ضروري وممكن، وهو طبقي وعمالي بامتياز، وقد تبنته بعض القوى السياسية ودفعت باتجاهه وعملت عليه، وبقيت هذه المطالبة وازداد المطالبون بها مع ازدياد ضرورتها، فالزيادات على الأجور لم تفلح وكذلك التعويض المعيشي، بل ازداد الطين بلةً، فبدل أن يبدأ العمل على تقديم السلة الاستهلاكية كنوع من زيادة الأجر، رفعت الحكومة الدعم عن المواد الأساسية مراراً وتكراراً، حتى طال رغيف الخبز اليومي، فارتفعت الأسعار أكثر وحلق الدولار عالياً في وسط عجز حكومي «مصطنع» مفاده لا يوجد موارد في الخزينة.
الحل الأجدى للعمال
تستطيع فكرة تخصيص سلة استهلاكية للأسر العمالية على معالجة عدة أمور، فهي تنجز مهمة إيصال الدعم لمستحقيه الحقيقيين، ومن أحق بالدعم الحكومي من أصحاب الأجور وفي مقدمتهم الطبقة العاملة، هذا أولاً، وهي تتفادى موضوعة التضخم وارتفاع الأسعار المصاحب له، ثانياً، وهي تحقق زيادة حقيقية للأجور، وليست زيادة أسميه ذات نتائج عكسية على القيمة الشرائية، ناهيك على أن تأمين هذه السلال سيدفع بعجلة الإنتاج الزراعي والصناعي في القطاع العام والخاص، ويشغل أيدي عاملة كثيرة، ويضرب الاحتكار والتلاعب بالأسعار، والأهم من ذلك كله هو استعادة الدولة لدورها في الجانب الاقتصادي والاجتماعي.
الوصول للسلة يحتاج لموقف
يمكن وضع دراسة اقتصادية علمية لفكرة السلة الاستهلاكية بالاستفادة من العديد من الدراسات، ولا بد أن تضع الحركة النقابية هذا الموضوع على الطاولة وتحيط به وتجيب عن الأطروحات والأسئلة كافة، وهي قادرة على ذلك، وبهذا فقط يمكن أن تواجه الحكومة وتضغط عليها بالسبل كافة لأجل تحقيقها، فالوضع المعيشي للعمال ينهار، وهم على حافة الجوع ولا سبيل لوقفه إلا بحلول علمية ومطالب مدروسة ضمن رؤية وبرنامج، ويجب عليها السعي لانتزاع حق العمال بنصيبهم من الدخل وبزيادة حقيقية على أجورهم.