المثقف.. هل يعيد تشكيل ذاته باستمرار.. ؟
عقبة زيدان عقبة زيدان

المثقف.. هل يعيد تشكيل ذاته باستمرار.. ؟

هناك الكثير من التنظيرات والدراسات حول المثقف ودوره الاجتماعي والسياسي، ولكن يبقى إدوارد سعيد من بين أهم الذين تناولوا ماهية المثقف، وحركته التاريخية في كتابه «صور المثقف».

ففي هذا الكتاب، يتطرق سعيد إلى المقولات الهامة حول ماهية المثقف وتمثلاته في الواقع ودوره في الحياة الاجتماعية، وموقفه من كل ما يجري من تشكلات حزبية وتكتلات إقليمية، ومن ثم علاقته بالسلطات المؤسساتية والدينية.‏
يدرك سعيد أن المثقف يجب أن يقوم بدور فاعل في تغيير القيم السائدة في مجتمعه وفي العالم أيضاً، تلك القيم التي تعيق حركة التقدم، وتساهم في سجن الإنسان وانغلاقه. إذاً، هو يؤكد على قيم العدالة والحرية والإنسانية.‏
أما أنتونيو غرامشي في «كراسات السجن»، فيرى أنه يمكن للإنسان أن يقول إن كل الناس مثقفون، ولكن ليسوا كلهم يستطيعون القيام بوظيفة المثقفين في المجتمع. والمثقف العضوي - حسبه - يعيد تشكيل نفسه باستمرار، ويكافح لتغيير آراء المجتمع نحو الأفضل. إنه مخلوق مهووس بالعدالة والقيم الأخلاقية الأزلية، وهو يشكل ضمير البشرية. لذلك فإن محاربة الفساد في المجتمع والدفاع عن الضعيف سمة تلازم المثقف العضوي الحقيقي.‏
لا يمكن للمثقف أن يتنازل عن سلطته الأخلاقية بحجج مادية واهية، لأن المثقف الحقيقي هو شخصية تتميز بابتعادها عن الاهتمامات العملية والمصلحية، شخصية دائمة النقد للوضع الراهن. وفي الوقت نفسه على المثقف أن ينخرط في الشؤون العامة من أجل تحقيق القيم الإنسانية العليا والدفاع عن مصالح الإنسان في العيش الكريم.‏
يرى إدوارد سعيد أن المثقف «فرد له في المجتمع دور علني محدد، لا يمكن تصغيره إلى مجرد مهني لا وجه له أو عضو في طبقة ما لا يهتم إلا بأداء عمله. والحقيقة المركزية أن المثقف وهب ملكة عقلية لتوضيح رسالة أو وجهة نظر أو فلسفة أو موقف لجمهور ما أو نيابة عنه.. وأن يكون مبرر وجوده تمثيل كل تلك الفئات من الناس والقضايا التي تُنسى ويغفل أمرها على نحو روتيني». ويتابع سعيد بأن مهمة المثقف الأولى وغايته الحقيقية هي إرضاء جمهوره.‏
ومن هنا، كيف يمكن للمثقف أن يكون صاحب رسالة إنسانية جماهيرية؟ وما هي الطرق التي سوف يتبعها - إعلامياً واجتماعياً - لكي يصبح شخصية مقبولة على مستوى أفراد وطنه؟‏
إن المحرك الأساس الأول اليوم هو الإعلام بأشكاله كافة، وعلى المثقف أن يصل إلى صداقة متينة مع الناس، من خلال طرح مشاريع تنموية تناهض الأفكار الجامدة والمحنطة. وحينها سيخرج المثقف من عزلته عن محيطه إلى عضو فاعل في حركة المجتمع نفسها، يستطيع عندها أن يقوم بمحاولات التغيير المنشودة نحو العدالة.‏
يمكن للمثقف - من خلال وسائل الإعلام - تغيير الأيديولوجيا السائدة والأفكار المسبقة حول التطور بأشكاله كافة. ويجب على المثقف أن يطرح أفكاراً جديدة في مواجهة البث الإعلامي المزيف والصورة المحبطة والهادفة للاستهلاك الفوري والرغبات الآنية. وحسب بيير بورديو فإن تكنولوجيا الاتصال المتطورة وعلى رأسها التلفزيون تلعب الدور الأعظم في بعث أيديولوجيا ناعمة، تتمثل في الجرعات اليومية من الصور التي يبثها التلفزيون، جرعات تحل منطق الإغراء محل منطق الإقناع، وتدمج كل شيء بالترفيه والاستعراض.‏
هنا يجب على المثقف العضوي أن يلعب الدور الفاعل والحقيقي، وأن يبتعد عن دور الخادم لشركات الإعلام الجبارة ومؤسسات الترويج الضخمة، وأن يقوم بما عليه فعله حقاً: إظهار الصورة الجميلة لحياة المستقبل.‏
تبدو صورة المثقف في مجتمعنا متواضعة، وغير فاعلة. وهي الصورة التي يجب على المثقف أن يغيرها، ويظهر لأبناء بلده أنه حامل لطموحاتهم وآمالهم، وأنه مستعد للقيام بتضحيات كبيرة من أجل خيرهم وسعادتهم.‏
إن تلازم الثقافة والإعلام ضروري ونافع للطرفين، إذ من دون الإعلام الحقيقي يبقى المثقف بلا وجه يُعرف به، ومن دون الثقافة يبقى الإعلام سطحياً ولا يؤدي الغرض المطلوب منه في توعية الناس، وتغيير البنى السائدة.‏