رموز الناس ورموز المنظومة
عمر هيواني عمر هيواني

رموز الناس ورموز المنظومة

للناس رموزهم الحيّة، وللمنظومة الرأسمالية رموزها الميّتة، ميتة وإن فرضت على الناس عبر هيمنة المنظومة على المال والإعلام والسلطة والمؤسسات. ورموز الناس الوطنية والاجتماعية والشعبية رموز حيّة وإن غابت عن الأضواء لفترة من الزمن.

غوغل وسورية

محرك البحث الشهير غوغل واحد من أضخم المؤسسات العالمية التي تعمل في السياسة، يظهر بشكله المحايد «محايد شكلاً على الطريقة الليبرالية الجديدة»، ولكنه يؤدي وظيفة سياسية عبر خوارزمياته التي تقدم نتائج محددة ومختارة بعناية على نتائج أخرى لا تتناسب مع سياسة غوغل ومنظومته.
إذا ما بحثنا عن تاريخ سورية، سنحصل على مئات وآلاف النتائج لمواد عن سورية، ولكن تلك التي تتحدث عن التنظيمات الفاشية والإرهابية والفوالق ما قبل الوطنية والترويج للدور الأمريكي في المنطقة والعالم، بينما تختفي النتائج التي تتعلق بتاريخ السوريين أو تتراجع إلى الوراء في نتائج البحث، كما يقدم غوغل مواداً تشوّه الرموز الوطنية والشعبية السورية، مثل: يوسف العظمة وغيره، ويضعها في النتائج الأولى.
وبنفس الطريقة يتعامل محرك البحث غوغل مع الرموز الثورية واليسارية، إذ يقدم الرموز الفوضوية والأوتبورية في النتائج الأولى باللغة الإنكليزية على سبيل المثال، ويصنّف حركات متطرفة مثل منظمة إيتا والألوية الإيطالية وغيرها على أنها حركات ثورية، ويضعها في النتائج الأولى للبحث إلى جانب المقاومة الفلسطينية لتشويه الأخيرة.

سباق خُلّبي

كأن العالم القديم المتداعي للرأسمالية في سباق ضد الرموز اليسارية اليوم. والمضحك في الموضوع أن وسائل الإعلام الكبرى «ودون أن تقصد ذلك»، بدأت تعرف الناس على تلك الرموز عبر المحاربة المكثفة لها.
على سبيل المثال، احتلت أغنية جاو بيلا الإيطالية حصة جيدة من الحرب والتشويه خلال 2019، إذ وضعت في مسلسل عدمي أنتجته شركة عالمية كبرى، وانتشرت الأغنية بشكل كبير في بلدان مثل السعودية لدرجة تسابق شباب من جدة والرياض وغيرها لتصوير مجموعات تغني نشيداً شيوعياً في بلد كان يمنع هذه الأفكار بشدة، وفي مكان آخر أنتجت الأغنية بطريقة تناسب الملاهي الليلية، كما جرى سرقة لحنها مع وضع كلمات تمجد سلطان عمان!

أغنية البيان الشيوعي

من يستطيع أن يغني البيان الشيوعي؟ إنها الحركة الشعبية، وبطريقة لم تخطر حتى على بال الشيوعيين.
إذ صوّر طلاب من جامعة نيويورك، وبالوسائل البسيطة، مقطعاً صغيراً يضم موسيقا لأغنية أمريكية شهيرة، ولكن حذفت كلماتها، مع وضع المقطع الأول من البيان الشيوعي مكانها. انتشر المقطع على وسائل التواصل الاجتماعي داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان أمريكا الوسطى وحقق مشاهدات مرتفعة.

مدن ومقاهٍ

بعد أن تعرضت الأغاني الوطنية واليسارية للمحاربة والتشويه والتجاهل لعقود، تعود اليوم إلى الاهتمام وعلى يد الناس الذين يشعرون بالحاجة إلى هذه الأغاني.
على سبيل المثال، أم سورية لا تعرف شيئاً عن السياسة، ولكنها تربي ابنتها الصغيرة على أغاني مارسيل خليفة وزياد الرحباني، وتمتلئ مقاهي مدينة عمان الأردنية بصور وأغاني المقاومة والرموز اليسارية، وذلك بعد خمسة عقود من هزيمة المقاومة في الأردن، وتوجد مظاهر مشابهة في مدينة بيروت ومناطق لبنانية أخرى.
وفي ظاهرة جديدة لها علاقة بصعود الحركة الشعبية، بات البحث عن أرشيف الحركة الشيوعية في البلدان العربية أمراً سهلاً على وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة عبر الفيسبوك، إذ ينشر الأبناء والأحفاد ذكريات الآباء والأجداد من صور وقصاصات صحف ووثائق على صفحاتهم الشخصية، وما كان الحصول عليه صعباً أمس، أصبح اليوم في متناول الناس. والأمر نفسه بالنسبة إلى تاريخ سورية الذي يمكن معرفته من أرشيف الناس البسطاء من صورهم وذكريات آبائهم وأجدادهم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
946
آخر تعديل على الإثنين, 30 كانون1/ديسمبر 2019 13:27