«السوري الأسمر.. ابن الفرات» يعود إلى المنبع!

«السوري الأسمر.. ابن الفرات» يعود إلى المنبع!

تتحدد هوية الإنسان الحقيقية بما يتبناه فكراً، ويعبر عنه قولاً وفعلاً، وهذه الأخيرة هي الأهم، فالممارسة الحياتية هي المحدد الفعلي لمصداقية الشخصية الإنسانية وتموضعها في المجتمع والحياة.

يمثل مفهوما «الهوية والانتماء» النواة والركيزة الأساسية لتكوين الشخصية. والمرجعية التي توجه وتحدد سلوك الفرد وخياراته الحياتية، وتتيح له تحديد مواقفه من القضايا العامة المختلفة، إضافة إلى تشكيل نظرته لذاته وللعالم.
«أبو سلام» شاعرنا ورفيق دربنا الذي فاضت روحه في الأيام القليلة الفائتة، حدد هويته مبكراً، وأثبت قولاً وفعلاً في مسيرة حياته القصيرة والغنية، أنه شخصية وطنية اجتماعية وشعبية كبيرة، لها وزنها في الشارع السوري الذي اختبر مواقفه وسمع أشعاره النابضة بالحياة والمقاومة والأمل وتفاعل معها بصدق وإخلاص.

«الخط الأحمر..»

«هاي هويتي سوري أسمر.. وهاي عيوني لأجلك تسهر.. يا وطني أفديك بروحي.. وأنت عندي الخط الأحمر»، تكثف كلمات الشاعر البسيطة والنابعة من القلب الكثير. تحدد بوضوح تخوم الانتماء والخطوط الحمر، مكملاً بجملٍ قصيرة وكلمات بسيطة واضحة بأنه «ليس مندساً ولا مأجوراً عند أحد، وحقوقه يضمنها دستور البلاد، فهو مواطن له حقوق يعرفها، منها التظاهر والهتاف، والوقوف بوجه الفساد الذي ضرب البلاد والعباد». هل يوجد أوضح من هذا الانتماء الذي جاء معبراً عمّا يعتمل في قلوب جموع السوريين؟. لم تُخطئ بوصلة الشاعر في تسليط الضوء على وجه من يعمل ضد مصالح الأكثرية ومصالح البلاد، بل كشف العلاقة التي تجمعهم: «عميل ومحتل وفاسد.. ثلاثة منبعهم واحد». بالمقابل يحدد بدراية كاملة الجهة التي لها الحق في الاعتراف بالقوى السياسية والاجتماعية المختلفة وتقييم أدائها وفعاليتها: إنها الشارع، والشارع وحده: «وحضن الشارع بينا يكبر».

«حرام دمنا حرام..»

قد تكون الهوية الثقافية أحد أهم مرتكزات هوية الشخصية الوطنية، ولكن ذلك لا يكفي. فالشخصية الوطنية مسؤولة اجتماعياً، ومتفانية في مسؤوليتها. تُبرز قوة الشخصية وإمكاناتها، وقدرتها على العطاء لنفسها ولكل المحيطين بها، عندما تعي أهمية قيامها بوظيفة اجتماعية، فيصبح من الضروري أن ترتبط بواقع المجتمع ومشاكله وقضاياه المختلفة، وإلّا تنفصل عن الحياة وتصبح عديمة القيمة وبلا فائدة.
انسابت كلمات أبو سلام، وتناولت قصائده مواضيع عديدة وعناوين مختلفة، عبّر من خلالها عن التزامه بقضايا الناس ومشاكلهم الحياتية، فحدود قصيدته تجاوز ما هو فردي. تحدث ببساطة وواقعية مدهشة، مع الناس وعنهم. وكشف عن وعي طبقي عميق ووضح رؤية التزامه السياسي والفكري، «دم السوري على السوري حرام»، وأكَّد على إمكانية مداواة الجروح والخروج من عنق الزجاجة: «نداوي كل جروح البارح.. ما بينا حدا رابح.. وخسارة تموت الأحلام».
ضبط أبو سلام إيقاع قصائده على معاناة السوريين وهمومهم من موقع الرفض والرغبة في تحقيق التغيير والسير قدماً نحو الأفضل، فاستقبلوها برحابة صدر لقربها من وجدانهم الجمعي، وما تحمله من قيم. «أوف.. أوف.. أشأمر الأوف.. هذا الشعب عظامه سيوف.. هو القدر، هو البحر، هو الأرض هو الحجر.. هو اليتحدا الخوف..».

النهر المرصَّع بالعشق

ثمة ما يشبهنا في القصيدة، ليس فقط لأنها لصيقة الواقع، بل لأنها تبث رسائلها من مواقع مختلفة ومتنوعة وتسمح للمتلقي أن يبث صوته من خلالها. هنا تتحول الفكرة الى حالة اجتماعية شعبية. «لا تشمتي يا مواسم.. سيأتي النهر.. مرصع بالعشق.. يغمز للشواطئ.. يهمس للحقول.. لا ينام الجسر».
كان الراحل غزير الإنتاج، وظَّف موهبته وأشعاره بمواضيع مختلفة، منها الوطني والسياسي والاجتماعي والثقافي.. إلخ، لذلك من الصعب حصر جميع العناوين والمواضيع المختلفة والمتنوعة التي تناولها في قصائده المختلفة. تميَّز بحضور إيجابي فعال، وطريقة خاصة في الأداء والإلقاء وكاريزما شعبية مؤثرة.
شارك أبو سلام في المئات من المهرجانات والأمسيات الشعرية، منشداً قصائده الوطنية والطبقية في مختلف المدن والقرى والبلدات السورية، إضافة إلى مشاركته في العديد من المهرجانات الوطنية الفلسطينية. له العشرات من الأغاني الشعبية الفراتية، وله ما لا يقل عن 100 أغنية ملحنة، كما أنه ساهم في كتابة أغانٍ وأشعار لبعض المسلسلات، منها مسلسل خان الحرير، حيث غنت فيه الفنانة أمل عرفة، كلمات أغانيه التي رددها السوريون، منها «حلو طولك والعيون، وعلى كيفك، ويا ريتك.. إلخ» ومسلسل فنجان الدم البدوي، وقد أدى دور الشاعر البدوي فيه. وله ديوان شعر مطبوع بعنوان «لا» ومئات التسجيلات على مواقع التواصل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
945
آخر تعديل على الإثنين, 23 كانون1/ديسمبر 2019 13:43