ماذا قالت الدراما السورية في زمن التراجع؟
عمر هيواني عمر هيواني

ماذا قالت الدراما السورية في زمن التراجع؟

تقول حكمة سويدية قديمة: «لو نطقت الحجارة لأضحى التاريخ أكذوبة كبرى». ويفهم من ذلك التاريخ الرسمي الذي دونته الطبقات الحاكمة. كما تقول حكمة إفريقية قديمة: سيبقى الصياد بطلاً إذا بقيت النمور بلا رواة.

ومن هنا فإن تاريخ الشعوب لم يكتب بقلم الرصاص، ولو اعتقدت قوى الهيمنة أنها تستطيع محو التاريخ بالممحاة المدرسية التي صنعوها، لأن التاريخ معمَّدٌ بالنضالات الطبقية منذ آلاف السنين.
أحكام التاريخ قاسية أيها السادة حتى لو طال الزمان، وسيحكم عليكم التاريخ في الصغيرة والكبيرة. في كل فكرة غير صحيحة حاولتم تثبيتها على تلافيف أذهان الناس خلال عقود.
حكمت المعرفة البشرية على بعض تلك الأفكار منذ القرن التاسع عشر، ولكن غبار التراجع في النصف الثاني من القرن العشرين سمح لقوى الهيمنة في الثقافة أن تبث أفكارها بكل قواها. ومن أبرز تلك الأفكار، هي محاربة فكرة التغيير الاجتماعي ونشر اليأس بين الناس حول التغيير.
لم تحدث هذه المحاربة بالشكل المباشر الفج الذي يشبه المبارزة المفتوحة، وإنما جرى التسويق عبر الكوميديا الجذابة التي تحاكي الحياة المحلِّية والشعبية في سورية. والدليل على ذلك: هل هناك من لا يعرف المسلسل الكوميدي «يوميات مدير عام»؟
تقول كلمات أغنية المسلسل الذي بث لأول مرة منذ 25 سنة: عشنا وياما حنشوف. عوجا والطابق مكشوف. تيتي، تيتي، تيتـــــــي. رحتي مثل ما جيـــــــتي. بينما تصور حلقاته بطلاً يحاول إحداث التغيير على الطريقة الدونكيشوتية الفردية، وتكون النتيجة: متل ما رحتي متل ما جيتي، عوجا! أما الفكرة التي لم يقلها المسلسل صراحة، ولكن سوقها بشكل إشارات غير مباشرة: لن يحدث التغيير! عوجا!
اليوم وبعد 25 سنة على البث الأول للمسلسل، هل حقاً هي «عوجا» كما قيل. أم أن أصحابه مارسوا التخدير الفكري الجماعي للناس عبر وسائل الإعلام الجماهيرية؟ وحاولوا القول: ما في تغيير لا تعذبو حالكن! بس اضحكو معنا وتفاعلو مع الكوميديا شوي!
يا ترى ما هو مصير تلك الكوميديا الجذابة اليوم؟ خاصة وأن التغيير يدق كل الأبواب في الحياة ولن يترك أحداً وراءه. فالزمن ليس زمن التراجع أيها السادة، إنه زمن الصعود.

معلومات إضافية

العدد رقم:
936