استعدوا للعودة إلى حيفا!
لؤي محمد لؤي محمد

استعدوا للعودة إلى حيفا!

يفتّش كفّي ثانية، فيصادر حيفا التي هرّبت سُنبلة، ويا أيّها الكرمل، الآن تُقرع أجراس كل الكنائس، وتعلن أنّ مماتي المؤقّت لا ينتهي دائماً، أو ينتهي مرّة، أيّها الكرمل، الآن تأتي إليك العصافير من ورق، كُنتَ لا فرق بين الحصى والعصافير، والآن بَعْثُ المسيح يؤجّل ثانية، أيّها الكرمل، الآن تبدأ عطلة كل المدارس. يقول لي جدي دوماً بأنّ حيفا أجمل مدن العالم! أنا لم أرَ حيفا، وجدّي لم يرَ أي مدن العالم! محمود درويش في قصيدة: النزول من الكرمل، تصرخ حيفا.

مدينة حيفا

حيفا واحدة من أكبر وأهم مدن فلسطين التاريخية، سكنت منذ أيام الفينيقيين والكنعانيين. ولم يظهر اسم حيفا حتى زمن الإمبراطورية الرومانية، ودعاها الصليبيون حيفا أو خيفاس أو خيفس. 

كما ورد ذكر المدينة في معجم البلدان لصاحبه ياقوت الحموي، والذي ذكر أن أصل التسمية مأخوذ من حيفاء، وهي من الحيف بمعنى الجور والظلم. وفي القرن الخامس هجري ذكرها الرحالة ناصر خسرو وقال: بها نخل وأشجار وعمال يعملون على السفن البحرية المسماة الجودي. 

رسائل غسان كنفاني 

«عائد إلى حيفا» رواية للأديب الفلسطيني غسان كنفاني، تعتبر من أبرز الروايات في الأدب الفلسطيني المعاصر. صدرت عام 1969، وترجمت إلى العديد من اللغات، منها: اليابانية والإنكليزية والروسية والفارسية. وهي مجموعة قصص لغسان كنفاني تتحدث حول كفاح الشعب الفلسطيني.

تكمن القيمة الأساسية لهذه الرواية في مسألتين:

القيمة التاريخية: حيث نكتشف في كنفاني، إرادة البحث التي لا تنتهي بل تدفعه إلى البحث الجدي عن أساليب جديدة، بشكل دائم.

القيمة النضالية: نكتشف مع كنفاني، كيف تأسست مدرسة جديدة في الأدب الفلسطيني، بل والأدب العربي، هي محاولة الكتابة نصاً للواقع المتحرك، وعلامة ثورية في تاريخ فلسطين. 

عائد إلى حيفا، ربما تكون في نصها عملاً أدبياً روائياً، إلّا أنها تجربة عاشها غسان كنفاني وعاشها كل فلسطيني، تجربة جُرح وطن، وعذاب إنسان عانى قهراً وظلماً وحرماناً وتشرداً، ويحمل أمل العودة إلى ذاك الوطن الساكن في الوجدان، إلى فلسطين. 

في «عائد إلى حيفا» يرسم غسان كنفاني الوعي الجديد الذي بدأ يتبلور بعد نكبة 1948. فسعيد وزوجته صفية العائدان إلى مدينتهما حيفا التي تركا فيها طفلهما منذ عشرين سنة تحت ضغط الحرب، يكتشفان أنّ الإنسان في نهاية المطاف قضية، وأن فلسطين ليست استعادة ذكريات، بل هي صناعة للمستقبل. 

لغسان كنفاني مجموعة قصصية أخرى تتحدث عن مدينة حيفا، وهي مجموعة «عن الرجال والبنادق» الصادرة عام 1968. القصص التي تدور أحداثها في مدينة حيفا أثناء ثورة 1936 في فلسطين، التي اندلعت ضد الاستعمار البريطاني وضد المشاريع الصهيونية في فلسطين. 

في «عائد إلى حيفا»، وفي «عن الرجال والبنادق»، اللتان كتبهما الشهيد كنفاني قبل 50 سنة، تبدو صورة مدينة حيفا أثناء ثورة 1936 ونكبة 1948. وتبدو صورة الشعب الفلسطيني الذي لم يهدأ نضاله. وتنتصب إرادة الشعب الذي سيعود إلى مدينته حيفا في قادم الأيام. 

علم يرفرف أعلى المدينة

في منتصف العام 2050، ستجري انتخابات بلدية إلى مجلس مدينة حيفا، ويتنافس حزب عمال المرفأ مع حزب عمال النفط وحزب العمال الزراعيين وغيرهم على مقاعد المجلس. 

المناشير تملأ المدينة: السلطة للشعب، السلطة للمنهوبين. ومنعت مفوضية الانتخابات حق الترشح والانتخاب عن الأحزاب الصهيونية. وعقدت الاجتماعات الجماهيرية العامة في المصانع والمزارع والمرافئ. وتعزف الأغاني الوطنية في كل مكان. 

وهناك على قمة جبل الكرمل، علم يرفرف أعلى المدينة، علم يرفرف على مبنى مجلس مدينة حيفا. علم فلسطين الذي انتصر على الكيان الصهيوني وطبيعته العدوانية، وانتصر على بقايا النظام الرسمي العربي. 

قطار دمشق – حيفا

في ربيع العام 2050، تستعد مدينة دمشق لاحتفالات انطلاق أول قطار على سكة حديد دمشق – حيفا. ومن هناك، إلى يافا والقدس وغزة والنقب. قطار ترفرف من نوافذه رايات السلم العالمي ورايات المنهوبين، رايات السوريين والفلسطينيين.

وتقام في أماكن المعارك الوطنية القديمة متاحف وطنية وتماثيل الشهداء وأبطال معارك التحرير والمقاومة، وتتحقق نبوءة الشهيد غسان كنفاني التي كتبها عام 1969 بالعودة إلى حيفا منتصرين.

النزول من الكرمل

كأن الأحبّة دائرةٌ من طباشيرَ

قابلةٌ للفناء وقابلة للبقاء.

وها نحن نحمل ميلادنا مثلما تحمل المرأةُ العاقرُ الحُلُما

وها أنتَ مئذنة الله حِيناً

وقبّعة لجنود المظلاّت حِيناً

وها أنت يا كرملي كلُّما

جرّدتني الحروبُ من الأرض أعطيتَني حُلُما.

وها أنا أعلن أن الزمان تغيّرَ:

كانت صنوبرةٌ تجعل الله أقربْ

وكانت صنوبرة تجعل الجرح كوكبْ

وكانت صنوبرة تُنجب الأنبياءْ

وتجعلني خادماً فيهمُ

أيّها الكرمل المتشعِّب في كل جسمي

لماذا تحمّلني كل هذي المسافاتِ

والبحرُ فاصلةٌ بيننا؟

أحبّ البلاد التي سأحبْ

أحب النساء اللواتي أحبْ

ولكن غصناً من السرو في الكرمل الملتهبْ

يُعادل كل خصور النساء

وكلّ العواصم

أحبُّ البحار التي سأحبُّ

أحبُّ الحقول التي سأحبُّ

ولكنَّ قطرةَ ماءِ على ريش قُبَّرّة في حجارة حيفا

تعادل كل البحار

معلومات إضافية

العدد رقم:
924
آخر تعديل على الثلاثاء, 06 آب/أغسطس 2019 01:29