الحلم الأمريكي: العيش في «زاوية»
محمد المعوش محمد المعوش

الحلم الأمريكي: العيش في «زاوية»

يشهد نمط الحياة الأمريكي في المرحلة الماضية، الذي طالما تم الترويج له على أنه حلم الرّفاه والنجاح الفردي- تحولاً بارزاً صار موضوعاً للبحث والصحافة لا يمكن تجاهله. هذا النمط الذي يحكمه منطق التملك الخاص ذو النزعة الاستهلاكية المقترنة بالمنزل الخاص، والسيارة الخاصة، معكوساً في الصورة النمطية التي ارتكزت عليها «هوليوود» والإيديولوجية الليبرالية عالمياً، والمعممة على وعي شعوب العالم طوال العقود الماضية. وهو مؤشر على انتقال الأزمة الاقتصادية المالية إلى المستوى الاجتماعي الثقافي العام.

ظواهر «جديدة»

برزت في الآونة الأخيرة ظواهر في نمط حياة الأمريكيين ممّن يسمون بـ«جيل الألفية» (المولودين ما بين أعوام 1981 و1997) تؤشر على انهيار قدس أقداس القيم الرأسمالية، أي: نمط التملّك الخاص. فبإطلالة على شبكة الأخبار والصحافة الأمريكية «أن بي آر» يمكن إيجاد تغطية واسعة لهذه الظواهر، والتي اعتُبرت تبدلاً جوهرياً في حياة الأمريكيين، كنمط الاستهلاك اليومي، السكن، التنقل واقتناء الأشياء الخاصة. تحول نمط الاستهلاك هذا اعتُبر مثلاً: أنه مهدد لقطاع المطاعم والسكن. واعتبر أنه اتجاه ثقافي يجد أساسه في تيار «المينيمالسيت» (أو التبسيطي)، أي: الابتعاد عن حياة الاستهلاك واقتناء الأشياء، والاقتصار على الضروري، كتيار مضاد للسعي المحموم للخضوع لسيطرة التملّك. بينما اعتبره البعض تعبيراً مباشراً عن الأزمة الاقتصادية وقلّة فرص العمل، وبالتالي، هو تيار «تقشّفي» إذاً، وليس «تبسيطاً» فقط.

السكن المشترك أو «تشارك الزاوية»

بسبب ارتفاع كلفة السكن اتسع نمط جديد- قديم: هو السكن المشترك، في المدن الكبرى الأمريكية كـ«لوس أنجيلوس»، «سان فرانسيسكو» «نيويورك»، «سياتل» و«بورتلاند». هو عبارة عن استئجار سرير فقط، ضمن غرف كبيرة أو صغيرة، بينما المراحيض ومكان الجلوس والمطبخ مشتركة. دليل على توسعه، تدير هذا النمط الجديد من السكن شركات حديثة كـ«بود شير «(Podshare) أو تشارك الزاوية» (أو القرنة) والتي تملك اليوم حوالي 5 مواقع في مدينة لوس أنجيلوس وحدها، وشركة «ستارسيتي» التي تدير 4 مبانٍ في «سان فرانسيسكو». الانتقال إلى هكذا نمط من السكن حسب التقارير: هو بسبب ارتفاع أسعار المنازل التي لا يمكن لـ «جيل الألفية» تغطية تكاليفه، ولا حتى القدرة على استئجار غرفة خاصة لا أكثر في هكذا مدن. ويتراوح آجار «السرير» الواحد ما بين 1300 إلى 2500 دولار أمريكي. يترافق مع هذا النوع من السكن الاستخدام العام لخدمات الغسيل المتوفرة في النوادي الرياضية، كون هذه المساكن المشتركة لا توفر غالباً هكذا خدمات. وأشار المدير التنفيذي لشركة «ستارسيتي» في مدينة «لوس أنجيلوس» «جون ديشوتسكي»، أنّ القاطنين في المباني التي تديرها الشركة: هم من الطلاب أو الباحثين عن العمل، وحتى العاملين بعقود مؤقتة، أو من الذين يحاولون تأسيس شركاتهم الخاصة. العمّال القاطنون في «زاوية» يعملون غالباً في قطاعات مشهورة، كالعامل في شركة تسويق لوسائط التواصل الاجتماعي في «هوليوود» «ستيفين جونوسن» وعمره 27 عاماً، في تناقض فاضح ما بين منتج «هوليود» الذي يصلنا عبر الشاشة، وبين أساس «هوليوود» الحقيقي الذي يجسده «ستيفين» الذي يستأجر طاولة وكرسياً في مكتب للعمل أيضاً، كشكل آخر من الاستئجار الجديد.
هذا النمط من الاستئجار وعدم القدرة على التملك تعمّم ليطال قطاعات أخرى مرتبطة بالسكن، كاستئجار المفروشات، حيث أعلنت شركة «إيكيا» العالمية أنها تجري نقلة للتلاؤم مع ما سمي بالنمط غير المستقر للسكن (المقصود استئجار الغرف أيضاً)، بالتالي، توفير إمكانية استئجار مفروشات. بينما بعيداً عن السكن، أعلنت شركة «راي» التي تبيع المعدات الرياضية والكشفية أنها أيضاً بصدد الانتقال إلى منطق التأجير الذي لم يكن متوفراً سابقاً بهذا الاتساع.

اقتصاد تشارك أم أزمة؟

اعتبر البعض هذا التحول في نمط حياة الأمريكيين من الجيل الجديد «موضة»، بينما اعتبره البعض تراجعاً للقدرة المعيشية في ظل الأزمة خصوصاً. في دراسة (تشرين الثاني 2018) لـكريستوفر كورتز، جيانغ لي، ودانيال فين، منشورة من قبل شعب البحث، والإحصاء والشؤون النقدية لمجلس الاحتياطي الفدرالي (واشنطن)، تحت عنوان «هل جيل الألفية مختلف؟» (دراسة مقارنة بين الأجيال)، اعتُبر أن الجيل الجديد لا يختلف في أذواقه الاستهلاكية عن الجيل السابق (الأهل) وحتى الأسبق (الأجداد)، بينما المختلف هو تراجع القدرة الشرائية وشح الثروة وديون أكثر.
بالرغم من الوقائع، أطل التبرير الإيديولوجي الرأسمالي عبر العديد من التسميات الجديدة، لإظهار هذا التحول كانتقال في الأذواق والميول، مع عدم قدرتهم على نفي أساسه الاقتصادي. وأهم مصطلح تم «ابتداعه»، هو: أن النمط الجديد من الحياة يعكس «اقتصاد التشارك»، الذي هو بدوره انعكاس لـ«اقتصاد التجربة» أو «اقتصاد الخبرة الحياتية». هذه المصطلحات التمويهية قدّمها العديد من الأكاديميين والباحثين في الغرب، من خلال أخذ رأيهم بهذه التحولات، مثال: البروفيسورة في جامعة فلوريدا «جيل بايبل». ومفهومهم عن اقتصاد التجربة هو: صحيح أن الملكية المعروفة لم تعد موجودة في الجيل الجديد. بينما الشكل الجديد هو: التملّك الرقمي للتجربة «فالجيل الجديد يملك آلاف المشاركات والصور والقصص على مواقع التواصل الاجتماعي» كما عبر «سكايلر وانغ» الباحث في جامعة «كاليفورنيا». مفهوم «تملك التجربة» الوقح إلى حد الضحك، يتعارض بحدة مع تراجع وإقفال العديد من المطاعم المشهورة في أمريكا كـ«آبل بي» التي أعلنت إقفال أكثر من 130 فرعاً لها العام الماضي، والتي لم تقدر على «جذب الجيل الجديد كما السابق».
انتقال هذه الظواهر من أغلب المدن الكبرى لدول الأطراف، إلى عقر دار «الحلم» الأمريكي هو صفعة التاريخ الجديد المحسوسة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
911
آخر تعديل على الإثنين, 29 نيسان/أبريل 2019 13:38