استعدوا لقطف التفاح

استعدوا لقطف التفاح

بدأت السينما الغربية تستعيد تاريخ إضرابات الطبقة العاملة في النصف الأول من القرن العشرين! وصدرت عدة أفلام سينمائية في أوروبا وأمريكا في هذا المجال خلال السنوات الخمس الماضية. سنتحدث في هذه المادة عن فيلم أمريكي يتحدث عن فترة الكساد العظيم، والأزمة الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الأول من ثلاثينات القرن العشرين 1929-1933.

 

رواية جون ستاينبيك
الفيلم الروائي «In Dubious Battle» من بطولة وإخراج جيمس فرانكو 2016، فيلم مستوحى من رواية تحمل الاسم نفسه لـلكاتب الواقعي- الخيالي جون ستاينبيك «1902-1968».
يتحدث الفيلم عن حياة العمال الزراعيين في ولاية كاليفورنيا الذين عملوا بشكل موسمي في جني القطن وقطف التفاح وغيرها من الأعمال. ولم يحصلوا سوى على دولار واحد في اليوم لا يكفي ثمن وجبتي طعام. ويصور أحداث إضراب العمال الزراعيين في مزارع التفاح التي كانت شرارة أطلقت موجة من آلاف الإضرابات العمالية في أمريكا.
جاء في نهاية الفيلم: شارك مليون ونصف مليون عامل أمريكي في أكثر من 2000 إضراب على امتداد الولايات المتحدة سنة 1934، قُتل وأُصيب كثيرون واعتقل الآلاف، وأجبرت الإضرابات الكونغرس الأمريكي على إصدار قانون واغنر عام 1935، ونص القانون على حق الطبقة العاملة الأمريكية في تنظيم النقابات والاجتماعات وحق الإضراب عن العمل. كما انتزعت الإضرابات قانون معايير العمل العادلة عام 1938 الذي أقر لأول مرة الحد الأدنى للأجور، وبدل العمل الإضافي، وحدد ساعات العمل الأسبوعية بـ 40 ساعة عمل.
كل ما سبق صحيح، ولكن تخصيص الفيلم عدة مشاهد لمحاربة الشيوعيين من جهة، وكيل المديح للفوضويين ومفتعلي الحوادث ومؤيدي أعمال العنف في الإضرابات من جهة أخرى، يكشف لنا الرسالة السياسية للفيلم وماذا يريد القائمون عليه في هوليوود من وراء ذلك.
ماذا قال البروفيسور هاوارد زين؟
هاوارد زين، بروفيسور ومؤرخ أمريكي صاحب كتاب «القرن العشرين» الذي يتحدث عن التاريخ الأمريكي الإمبريالي بين عامي 1890-2003. وله رأي آخر على نقيض الرسالة السياسية التي يريد الفيلم السابق إيصالها.
تحدث زين في أحد فصول كتابه عن فترة الكساد العظيم، وكيف ولدت مجتمعات لا تعرف المال في قلب أمريكا الرأسمالية، وهكذا كان الطبيب يعالج الناس مجاناً، والصياد يعطي السمك مجاناً، والحلاق يعمل مجاناً والفلاح يعطي محصوله للناس مجاناً... إلخ.
أضرب الناس عن التعامل بالنقود بتأثير أزمة الكساد العظيم، وأخذت «لجان العاطلين عن العمل» على عاتقها تنظيم هذه المجتمعات. اختفت الجريمة عن الوجود، وانتفت الحاجة إلى وجود الشرطة، كما شكلت هذه المجتمعات لجان الحراسة الذاتية على أساس المناوبة، إذ لا يوجد رؤساء هنا، والجميع يشارك في هذه اللجان، وكانت عقوبة الكسولين المقاطعة الاجتماعية، ورفض استخدام العنف في العقوبات، بل عقدت اجتماعات عامة للجميع لمعالجة القضايا والمشاكل العالقة. وشكلت لجان مشابهة لقيادة الإضراب والتظاهر السلمي.
يقول هاوارد زين: إن الإضرابات العمالية كانت في تصاعد منذ 1919، وتضاعفت بعد أزمة 1929، ونشط الشيوعيون في قيادة وتشكيل لجان العاطلين عن العمل في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة، وضمت هذه اللجان 13 ملايين عضو، وتعاظم نفوذ الشيوعيين في النقابات العمالية التي تضم 6 مليون عضو، وكان عدد أعضاء الحزب الشيوعي يفوق الـ 100 ألف عضو.
أورد زين إحصاءات مطولة للإضرابات التي حدثت منتصف الثلاثينات، حيث استطاعت الإضرابات السلمية انتزاع مكسب وراء آخر ومنها: القوانين السابقة التي تحدث عنها الفيلم، حتى وصلت نسبة الإضرابات العمالية إلى 14 ألف إضراب خلال العام 1939.
أغرقت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية الحركة العمالية بالدماء بالمشاركة مع الحركة الفوضوية والفاشية، وأنهت السلطات وجود المجتمعات الرافضة للنقود بالقوة، ثم دخلت الحرب لتنفيس غضب العمال في العدو الخارجي.
محاولة تعميم التاريخ العنيف
هكذا إذاً، فالبروفيسور هاوارد زين يُكذّب الفيلم السابق ببيانات تاريخية جمعها بنفسه، بينما عَتَّمت هوليوود على أهم المحطات خلال الكساد العظيم.
يأتي إنتاج هذا الفيلم في فترة تصاعد الإضرابات العمالية في الغرب، ويبدو أن المؤسسات المالية الكبرى تقرر تعميم التاريخ العنيف لتقول للعمال: هكذا يكون الإضراب، أما النضال السلمي فلا ينفع! ربما سيبدو للبعض أن هوليوود تستعيد تاريخ الطبقة العاملة، ولكنها تحاول تعميم التاريخ العنيف لمنع الناس من تعلم الإضراب السلمي.