الإعلام والدراما.. وتلمّس الطريق
سلاف محمد صالح سلاف محمد صالح

الإعلام والدراما.. وتلمّس الطريق

اليوم، سيتطلب منك الأمر بحثاً مضنياً لتجد سورياً واحداً ـ وغالباً لن تجده ـ يستطيع أن يحدد نقاط التوافق بين الواقع الإعلامي والدرامي المصوَّر، والواقع المعاش على الأرض. وقد تكشَّفت ظروف الأزمة عن فشلٍ في التقاط فرصةٍ_ يبدو أنها تضيع _ لإعادة الاعتبار للإعلام كوسيلة نقل موضوعية للواقع الحياتي الممهد إلى أهداف إنسانية مشروعة في المستقبل، ويدل على ذلك أنّ القيَّمين على الإعلام والسينما يوجهون النقد لإعلامهم ربما في محاولة تفشل دائماً للتماهي مع وجهة نظر الشارع.


والنقد الذي نشرع به لا يستهدف برنامجاً بعينه أو دراما أو فناناً بعينه، وإنما الاتجاه العام
العودة إلى الجذور
قد يبدو من الصعب معرفة الأسباب التي أدت إلى الحال الراهنة في الإعلام والدراما، لكن السبب رغم بساطته شديدُ التعقيد، ويكمن في الفصل النظري بين روابط الثالوث (السياسي ـ الاقتصادي ـ الثقافي)، إذ أن الاستقلالية النسبية لكل من أطراف المثلث الثلاثة قد تسبب ضعفاً غير مقصود في الرؤية العامة.
بمعنى آخر، نعرف أن الدولة هي توازن بين مجتمع سياسي ومجتمع مدني. وللدولة أداتان لفرض هيمنتها، الأولى: قمعية مباشرة. والثانية: بتوسيط أيديولوجيا المجتمع السياسي، ونشرها بين أوساط المجتمع المدني، بشكلٍ تبدو فيه الأوضاع والعلاقات الاجتماعية القائمة ثابتةً وقائمة وبدهية بداهة الحياة وغير قابلة للتحول. ويتم ذلك بطريقين:
الهيمنة الحقوقية والثقافية والفلسفية والدينية على (الاتجاهات العامة والتفصيلية لمؤسسات القضاء والدين والتعليم، ورسم فلسفة التعليم المدرسي والجامعي بالأساس، سواءً ما كان منه في القطاع الخاص أو العام، والسيطرة على الإعلام ومؤسسات إصدار الكتب ودور النشر واتحادات الكتاب والأدباء والجمعيات الثقافية والأندية الثقافية..) بل وتفرّدها بها.
إضافةً إلى دور المثقفين المتشرِّبين بحكم الأمر الواقع لأيديولوجيا المجتمع السياسي، وهم في هذا المنحى يؤدّون عفوياً أدوار المثقفين العضويين للمجتمع السياسي في نشر مفاهيمه وآرائه وأيديولوجيته بين الفئات المختلفة للمجتمع المدني، نازعةً دور العامل السياسي في تشكيل الواقع الراهن والرؤى حياله.
لدى الحديث عن الثقافة، فإن الموضوع ينسحب تلقائياً إلى الإعلام والدراما كوجهين وأداتين ثقافيتين لتمرير وتمكين وجهات النظر المختلفة للمجتمع السياسي.
في واقع الإعلام اليوم
لطالما كان الصوت والصورة هما الأقرب والأقدر على الوصول إلى الثقافة الشعبية من التعبيرات الثقافية والفنية الأخرى، ومن هنا تبرز أهمية الإعلام كمنصةٍ لتثبيت مفاهيم الطبقة السائدة. ولربما لا يمكن استثناء سوى قلة قليلة من البرامج الإعلامية والأعمال الدرامية خارج سياق القياد العام الجارف لهذه المفاهيم، والتي غلب عليها في السنوات الأخيرة وعي ووجهات نظر وآراء الليبرالية الجديدة تجاه الحياة وقيمها، ومحاولة فرضها على المجتمع كنمطٍ ومفهومٍ للحياة والإنسان، وتكوين مبادئ أخلاقية وسلوك في الحياة المدنية والفردية، وسلخ الإنسان والمجتمع عن تاريخه.
إن ادعاء الإعلام والدراما اليوم تمثيلهما لشرائح المجتمع المختلفة بحيادية وموضوعية دون حضور واضح لموقفٍ سياسي، لا يجعلهما بعيدين عن العملية النقدية، وإنما بالعكس، إذ أن الادعاء ذاته يدفع بالنقد إلى البحث عميقاً عن الموقف الكامن فيهما تجاه الحياة نفسها، إذ أن افتعال الأحاسيس لن يفتعل المضمون، فكثيراً ما يُلحظ أن أعمالاً بأكملها قد أُنجِزت لأنه أُرِيد لها أن تنجز، ولأهداف _ إن طرحنا مسألة الربح جانباً هنا_ تتعلق بإعادة إنتاج الواقع ذاته بعلاقاته الاجتماعية ذاتها وتسيده كحقيقة مطلقة. وهو ما بات يتم التركيز عليه بشكلٍ أعطى للإعلام والدراما مظهراً تهريجياً كشف عن مضمون انتهازي (بريء، غير بريء) أو مستنكف في أفضل الأحوال.
عند انطلاقنا لتقييم المشهد الإعلامي والدرامي ينبغي تحديد المقدمات التي ينطلق منها الإعلام والدراما:
من الطبيعي أن تنطلق تلك المقدمات من الواقع الموضوعي.
ثم علينا تتبع وجهات النظر التي يتم تبنيها فيهما (موضوع رفع سعر الخبز ورفع الدعم عن المشتقات النفطية مطلب شعبي ـ صورة المرأة في الدراما من حيث أنها كيان تابع فاقد الأهلية دون زوج ـ حصر المقاومة وقيادتها في فئة اجتماعية معينةـ سلخ الماضي عن الحاضرـ ..).
لتخرج أخيراً في الهدف المقصود الذي يفرض تسيّد شكل العلاقات الاجتماعية كحالة أبدية.
غير أن تتبعاً لآراء الشارع، سيلحظ رغبة الناس بشكلٍ آخر من الفن والإعلام، وهو ما يعكس في جوهره رغبةً بواقع (وجداني) آخر لا يحققه إعلام ودراما اليوم اللذين انتهجا إما الشعبوية أو الانفصامية أو اتجاهات عدمية أخرى، أضف إلى استشعار رغبات مضمرة عند الناس تتطلع إلى تغيير في مختلف قطاعات الحياة، لكن المهم، أن التتبع سينتهي إلى استنتاج الفشل في محاولات الترميم الجارية في شكل العمل الدرامي والإعلامي.
في الحلول
إن أية لحظة تاريخية_ اجتماعية ما، ليست لحظة منسجمة، فهي تحمل في طياتها جميع التناقضات التي أنتجتها، غير أنها توسم بالاتجاه المسيطر من التناقض، وتكمن المسألة في تحديد من يمثل الطرف الرادع للقوى التجديدية والتقدمية التوَّاقة للإفراج عن طاقاتها الكامنة. وفي إعادةِ المسألة إلى جذرها الأول (السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي) يُمكن الخروج بنتيجة، أن تسيّد فئة أو طبقة ما على المشهد الثقافي برمته لا يمكن أن يخلق وضعاً جديداً على الساحة الإعلامية والدرامية، ولن يتحقق التغيّر المطلوب سوى بالدفع من قبل القوى التقدمية في المجتمع تجاه شكل علاقات اجتماعية جديدة، وتسيّد أيديولوجياتها المنحازة إلى فئات الشعب ـ المجتمع المدني ـ وفق مبدأ (تجدد القديم) اصطلاحاً بإعادة المكانة لتراث بأكمله لا يحتاج إلى إثبات أنه على قيد الحياة، وأن كل ما في الأمر هو الحاجة إلى صقل عناصره الحية لتعيد للثقافة الوطنية مكانها الطبيعي بين أبناء مجتمعها. وهو ما يتطلب سعياً مُخلصاً دون تعصب نحو ثقافةٍ جديدة مستمدةٍ من الماضي، ستنتج بالضرورة إعلاماً ودراما جديدين في شكليهما ومضمونيهما المصقولين.