الصحافة الساخرة
عبد الرزاق دحنون عبد الرزاق دحنون

الصحافة الساخرة

الجريدة –كما في لسان العرب- سَعَفَةٌ (غصن) من سَعَف النخل. وكان العرب يُجرّدونها من خُوصها (أوراقها)، ويُعالجونها ويتخذونها للكتابة، مثل كتابتهم في الرَّقّ (الجلد). وفي الحديث الشريف, أنّ القرآن كُتب في جرائد. وأحمد فارس الشدياق هو الذي أطلق على الدورية اليوميّة اسم الجريدة، وسُميت أيضاً الصحيفة. والجريدة مطبوعة دورية تصدر عادةً يوميةً أم أسبوعيةً.  

 

وقد ظهرت الجريدة أول ما ظهرت في أوروبا، في هولندا وألمانيا والبندقية، ثم انتشرت في معظم بلدان العالم. وظهرت في العالم العربي في عهد محمد علي في مصر في عام 1828 باسم «الوقائع المصرية» ناطقةً باسم الحكومة تنقل الأخبار وتتضمن المقالات، وممن أسهم في تحريرها رفاعة الطهطاوي وأحمد فارس الشدياق والشيخ محمد عبده. ثم ما لبثت أن ظهرت الجرائد في بيروت ودمشق وسواها من المدن العربية.        

الكلب

قالت العرب:  إن  كلباً وقف  بباب  إسكافي, وأطال الوقوف, نهره صانع النعال قائلاً: ما فائدة وقوفك ببابي, ابحث عن  قصاب؟  إلا أن الكلب تمهل, وراح  يحشر أنفه  هنا وهناك, يُبعثر  النعال المشدودة على قوالب الخشب  المنقوعة في الماء, فما كان من الإسكافي   إلا أن  استشاط غضباً, فرمى الكلب بخف , فأوجعه جداً, فجعل الكلب ينبح من ألم  ممض,  فقال له أصحابه من الكلاب: أكل هذا من خف؟ فقال: لا يعلم ما في الخف إلا الله والإسكافي.                                                                                                                                    

لا شيء في يده, أوجعه الضرب فنبح, هذا من حقه. آثم من يمنع كلباً موجوعاً من النباح, وآثم من يكمم أفواه الكلاب. في تلك الأيام كان الإسكافي يعمل النعال من جلد الحيوان يُخيطه بيده ويشده على قالب الخشب. ومن هنا قالت العرب: اشدد يديك بغرزه. يُضرب المثل في حثّ  المرء على إتقان عمله, وقد استعيرت كلمات هذا المثل من رفيقنا الإسكافي، الذي كان يصنع النعال ويشدُد يديه بغرزها.

جريدة الكلب

وكلب الإسكافي استحضر  كلب صدقي اسماعيل الذي اكتسب حرية النباح بعرق الجبين, وكان صدقي إسماعيل يشدد أصابعه بغرز جريدته،  وظلَّ كلبه ينبح  لأكثر من ربع قرن في سبيل حرية  الإنسان والحيوان. واستمر نباحه متقطعاً بقلم رفيق دربه غازي أبو عقل.  جريدة الكلب:  تصدر بنسخة واحدة يكتبها صدقي اسماعيل بخط يده في أوقات القيلولة مع نفس الأركيلة. يرسم عنوانها, ينظم كل ما فيها شعراً ساخراً عميقاً لاذعاً, يستعرض فيه ما يخطر على باله كله من شؤون الأدب والسياسة. كانت جريدة الكلب تصدر دون ترخيص، ودون اعتراف بوجود سلطة الدولة،  التي تُعطل  الجرائد التي تتحداها، أو تكممها وتمنعها من النباح. أصدر صدقي اسماعيل جريدته، عندما رأى أول ديكتاتورية تقام على رؤوس العباد في سورية بعد الاستقلال. لقد شعر باشمئزاز من التصرفات المجنونة والمزيج العجيب من القسوة المتناهية, وكان لابد من عمل شيء ما، لكشف هذه المتناقضات, فكانت جريدة الكلب التي كُنت تستعيرها ولا تُعيدها.

معلومات إضافية

العدد رقم:
808