قَصص لا ترويها هوليوود مطلقاً

قَصص لا ترويها هوليوود مطلقاً

ربما يعرف البعض منكم البروفيسور «هاوارد زين» من ولاية ماساتشوستس الأمريكية، بينما لا يعرفه الكثيرون، إنه كاتب مسرحي ومؤرخ، اشتهر كمناهض للحروب الأمريكية منذ نهاية الأربعينات حتى حرب العراق 2003.

حصل هاوارد زين على درجة الدكتوراه من جامعة بوسطن  وأصبح بروفيسوراً فخرياً في قسم العلوم السياسية بالجامعة، عُيّن رئيساً لقسم التاريخ والعلوم الاجتماعية، في كلية سبيلمان في جورجيا سنة 1956، ودَرّسَ التاريخ والحقوق المدنية في جامعة بوسطن بين عامي 1964 – 1988 وحصلت مؤلفاته على جوائز عديدة.
رحل زين عن عالمنا تاركاً أكثر من 20 مؤلفاً، منها: مسرحياته السياسية التي استوحى شخصياتها من التاريخ الشعبي الأمريكي، وكتبه المخصصة لمناهضة الحرب، والعنصرية، مثل: العبودية الجديدة 1964 – أمريكا بعد الحرب 1973 -  هيروشيما نهاية الصمت 1995 – حول الحرب 2001 – الإرهاب والحرب 2002.

التاريخ الشعبي لأمريكا
من أشهر كتبه هو: «التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية» الذي يتحدث عن الفترة بين قدوم كريستوفر كولومبوس عام 1492 حتى سنة 1970 أثناء حرب فييتنام.
لم يتحدث زين في هذا الكتاب عن مهارات كولومبوس الاستكشافية أو تقاليد المغامرات البحرية، أو بطولات الجنرالات، بل تحدث عنهم بصفتهم غزاةً، تحدث عن الناس الذين كانوا ضحاياهم، وضحايا الحكومات المتعاقبة في أمريكا، وكيف سُمّيت المذابح التي ارتكبت بحق الهنود الحمر وكل الحروب وأعمال القمع، التي خاضتها الولايات المتحدة «ضرورة من أجل التقدم»!
التاريخ الحقيقي، هو تاريخ الناس، تاريخ الصراع بين السكان الأصليين والغزاة الأوروبيين، الصراع بين العبيد والأسياد، بين العمال والرأسمالية والعنصرية، تاريخ إبادة شعب الشيروكي والحرب الأهلية وغزو المكسيك، وولادة الصناعة الرأسمالية واضطهاد النساء الصغيرات.
التاريخ، هو: قبور الضحايا، في تلك الأحداث، تاريخ الذين أعدموا من أجل حق العمل، دموع الغضب التي تطل علينا من الماضي لتخبرَنا: أن يستمر الغضب الشعبي في العصر الراهن. يجب أن نفهم هذا التاريخ، حتى نعرف ماذا تفعل الحكومات المعاصرة.

شاهد على القرن العشرين وما بعده!

سنة 2003 أصدر هاوارد زين كتاباً بعنوان «القرن العشرين»، هو فصول إضافية، صدرت ككتاب ثانٍ استمراراً للتاريخ الشعبي للولايات المتحدة، ولكنه كتاب مستقل وليس جزءاً ثانياً، من ضمنها: فصل عن رئاسة كلينتون، وفصل عن الانتخابات الرئاسية لعام 2000 و«الحرب على الإرهاب». كتب زين: إن الكتاب إهداء إلى أطفال هذا القرن.
يتحدث الفصل الأول الذي يحمل عنوان «الشعب والإمبراطورية» عن الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ضد الشعوب من أجل التوسع، وكيف تبلورت الإمبريالية الأمريكية عبر الاحتلال العسكري، والاحتلال التجاري للعالم.
خصص زين صفحات مطولةً للحديث عن الحرب الأمريكية الاسبانية الكوبية 1898 – 1901، وكيف قام الجنرالات ورجال السياسية والملاكون العقاريون، ورجال الأعمال وإمبراطورية الإعلام، بتوجيه غضب العمال اليومي، وكسر حركتهم الإضرابية والزجّ بهم في حرب خارجية لتنشيط الاقتصاد الأمريكي الراكد وبالتالي تصريف البضائع المكدسة.
أثناء الحديث عن هذه الحرب، قدّم زين شرحاً عن حياة الطبقات الاجتماعية، في الولايات المتحدة، وصراعهم ضد بعضهم، بشكل يشبه المنهج الذي كتب به ماركس كتابه «الثامن عشر من برومير» من جهة، وموضحاً من جهة أخرى كيف حققت الحرب هدفها السياسي والاقتصادي الاجتماعي، بتخفيض القدرة الشرائية لأجور العمال، وكسر الحركة الشعبية في الولايات المتحدة، وكوبا على حد سواء، عبر تمييع انتفاضة الاستقلال الكوبية وتنفيس غضب الحركة الإضرابية لعمال أمريكا، وشق صفوفها، وتكديس الثروات في أيدي النخبة السياسية والمالية والعسكرية.
تتحدث الفصول الأخرى، عن: الحروب الأمريكية ضد شعوب العالم في القرن العشرين وعرض للسياسة الأمريكية، والصراع الطبقي فيها، تلك القصص التي لا ترويها لنا هوليوود، وتساهم إمبراطوريات الإعلام العالمية في التعتيم عليها،  حيث تتعامل الرأسمالية مع الثقافة بحساب المصالح، فالإنتاج الثقافي الذي يخدمها يجري ترويجه، أما ذلك الإنتاج الثقافي، الذي يقف ضد مصالحها فتعمل على التعتيم عليه، والتشويش على أصحابه، تلك هي قصة تلك المآسي اليومية، التي ذاقها الناس بمرارة وغضب، حدثت في النصف الغربي للكرة الأرضية، هي معاناة تشبه معاناة الناس في سورية، وكأنّ هاوارد زين كان شاهداً على الحرب السورية قبيل حدوثها، رغم أنه رحل عن عالمنا سنة 2010.

معلومات إضافية

العدد رقم:
795
آخر تعديل على السبت, 28 كانون2/يناير 2017 21:23