رسائل تخرج طلاب قسم الدراسات المسرحية مشاريع بحاجة إلى المتابعة

يعد مشروع التخرج الذي يناقشه طالب الدراسات المسرحية بعد إنهاء فترة دراسته هو الخطوة الأولى في المجال العملي لهذا الطالب أو ذاك. لا يلقى هذا المشروع البهجة نفسها التي يعيشها طلاب التمثيل عند تقديم عرض تخرجهم بل يمر مرور الكرام بسرعة وعفوية، وأحياناً يفاجأ المرء بتخرج عدد كبير من الطلاب بعد أن قدموا مشاريعهم دون أن يعرف إلاّ أقرب المقربين، على الرغم من أن عدداً من هذه المشاريع يحمل خصوصيته التي تؤهله لان يحظى بالدعم والمتابعة.

فقد نال عدد من هذه المشاريع -منذ إنشاء قسم النقد - درجة الامتياز، لكن على الرغم من ذلك فإن  الاهتمام كان دائماً ينصب على نتاج قسم التمثيل  فيما تهمل خصوصية الجانب النظري الذي يقدم في الدراسات أو البحوث قسم  النقد.
في الفترة الأخيرة أثبتت مجموعة من مشاريع التخرج لعددٍ من الطلاب المتقدمين لنيل درجة الإجازة أهميتها وحصل على درجات متميزة ، تنوعت بين إعدادٍ لنصوص مسرحية وتأليف نصوص مسرحية ومشاريع نظرية.
وكانت من آخر الرسائل التي نوقشت في أواخر العام السابق رسالة للطالبة جمانة الياسري بعنوان: الإعداد المسرحي لملحمة المهابهاراتا الهندية (خصوصية المعنى وتميز الشكل) وقد ضمت اللجنة الأستاذة ميسون علي مشرفةً على الرسالة، وعضوية كل من الدكتور نبيل الحفار والأستاذ ممدوح عدوان. نالت الطالبة على بحثها درجة الامتياز، كما أوصت اللجنة بنشر البحث ضمن منشورات وزارة الثقافة.

تعد هذه الدراسة الأولى من نوعها في مجال الدراسات المسرحية المتعلقة بالسرد الملحمي بشكل عام والمهابهاراتا بشكل خاص وذلك بسبب افتقار المكتبة العربية لمثل هذه الدراسات، من حيث التأليف أو الترجمة على الرغم من أهمية الموضوع و التي تنبع من عظمة هذه الملحمة وتأثيرها على الكثير من الحضارات من جهة و أهميتها  بالنسبة للممارسة المسرحية العربية الحديثة. بعد أن أصبح استخدام السرد خياراً واعياً في الفترة التي تلاشت فيها الحدود بين الأنواع المسرحية والقواعد التي تحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض في المسرح، ونتيجة مجموعة من المؤثرات والانفتاح على الحضارات الأخرى والشرقية منها تحديداً، بعد أن سجلت الكثير من المسارح عودة كثيفة إلى الأشكال السردية والتراث الشعبي العالمي من خلال استخدام تقنيات المسرح الملحمي، وهو من سمات توجه المخرج البريطاني بيتر بروك، وعلاقة الكثير من المخرجين بأنواع مسرحية كهذه، وقد أبدى العرب توجهاً شديد الوضوح نحو الأشكال السردية من أجل إيجاد حلول تسمح لها بتجاوز المشكلات التي تعاني، ومن هنا تنبع أهمية هذا البحث.

تضمنت الدراسة المحاور التالية:

1- خصوصية المهابهاراتا وعلاقتها بالحضارة الهندية.
2- البحث عن منهجية لإعداد المهابهاراتا.
3- الإعداد الحكائي للمهابهاراتا/الخصائص الدرامية للملحمة ومسرحة الصراع.
4- ملحمة المهابهاراتا ومسرح العالم اللاتاريخي/الإعداد النصي للمهابهاراتا بين خطاب السرد والخطاب المسرحي.
5- خطاب الإخراج بين مسرحة السرد والترجمة الحضارية.

وقد تناولت جمانة الياسري في بحثها إعداد «جان كلود كاريير » و «بيتر بروك»، لهذه الملحمة الهندية العظيمة، باعتبارها تجربة شديدة التميز، سواء أكان من حيث خصوصية المهابهاراتا كملحمة، أو من حيث منهجية عملية الإعداد ذاتها، وغاية الذين قاموا على إعدادها .
حظي الجهد الذي بذله كل من كاريير و بروك على هذه المادة النصية باهتمام كبير من النقاد والمسرحيين في أنحاء العالم كافة، ولم يكن هذا الاهتمام ناتجاً عن تميز العمل الذي قام به المعدان فحسب، وإنما لأن عملهما هذا يجيب عن مجموعة من التساؤلات المتعلقة بكيفية التعامل مسرحياً مع مادة سردية ملحمية ضخمة، والسبب الكامن خلف هذا النوع من الكتابة، التي تعيد صياغة مادة حكائية ذات خصوصية، بهدف نقلها من جنس أدبي معين إلى جنس أدبي آخر، آخذة بعين الاعتبار الاختلافات الثقافية المرتبطة بالحضارة التي ستتلقى كل واحدة منهما.
وبسبب ندرة المراجع العربية والأجنبية حول الموضوع، تطلب هذا النوع من العمل الإشكالي، أي مسرحة المهابهاراتا، البحث و الربط بين مختلف عناصره ضمن عملية استنتاجية قامت بها الباحثة، بهدف الوصول إلى نتائج تنطلق من الممارسة نفسها، أي من نص كاريير وعرض بيتر بروك، لتحدد فيما بعد علاقتها بالنظرية، والمقصود هنا تلك التي تتناول علاقة الأنواع السردية بالمسرح، مستعينة بالأدوات الخاصة بتحليل الخطاب السردي. وقد توصلت الياسري في نهاية دراستها إلى أن الإعداد المسرحي للمهابهاراتا، نجح في تحقيق الغاية الحقيقية منه، وهي أولاً البحث عن آفاق جمالية جديدة، وثانياً إمتاع المتلقي الغربي بصرياً، فقد انتقلت ضرورة المسرح الاجتماعية في الغرب، ولم يبق منها إلاّ الهاجس الجمالي، على صعيد النص أو العرض، وذلك بالرغم من قدرة المهابهاراتا فعلاً على مخاطبة واقع الإنسان المعاصر، المليء بالحروب والصراعات. فالعلاقة مع الحياة، تشكل مبرراً لبحث جمالي يتفوق عليها، في مختلف التجارب المسرحية الحديثة، التي راحت تحتفل بطقس عالمي، محولة الفضاء على الخشبة، إلى مكان عبادة من نوع جديد، بمعنى اقتراب الأداء من سلوك المتعبد، في الوقت نفسه الذي يضع فيه الممثل مسافة بينه وبين المادة «المعبودة»، كما هو الحال في إخراج بيتر بروك للمهابهاراتا، حيث نتفرج على عولمة لمفهوم الثقافة، وبحث على صعيد الجوهر المشترك بين البشر، الشيء الذي يؤدي إلى العودة إلى الديني، والطقسي، والاحتفالي في المسرح.

عود على بدء
 إن البحوث المقدمة داخل جدران المعهد المسرحي لا تزال تسعى لتحظى باهتمام أكبر لترى النور وتعرف بشكل أكبر لدى الباحثين والدارسين المسرحيين، وبالإضافة إلى البحوث النظرية المتميزة التي تقدم والتي تعالج مواضيع قلما لامستها أقلام النقاد والمنظرين المسرحيين فإن خريجي قسم النقد يقدمون في كثير من الأحيان نصوصاً مسرحية بعضها معَّد وبعضها مؤلف ويمكن أن تسد الفجوة في الكتابة المسرحية التي بدأنا نشهد حديثاً حولها في الفترة الأخيرة وربما بتسليط الضوء على هذه المشاريع  أو المتميز منها قد يبدأ الشارع  الثقافي يلاحظ تواجد هؤلاء الأشخاص أي خريجي قسم النقد سابقاً- الدراسات المسرحية حالياً - أكثر وتفعيل دورهم في مؤسساتنا الثقافية في الاتجاهات كافة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
178