حدث يمر مرور الكرام!!

في الوقت الذي لم تتوقف فيه الانتفاضة ولا زال عشرات الشهداء الفلسطينيين يتساقطون كل يوم، وفي الوقت الذي يشتد فيه الحديث عن العلاقات العربية مع العدو الإسرائيلي، والفهم لهذه العلاقات، وتخرج إلى السطح في كل يوم مشاريع أمريكية أو غيرها عن مفاهيم مثل السلام والتعايش من المنظور الأمريكي.

يوم الاحتفال العاشر من شهر أيار الفائت أفتتح في مبنى شركة الكهرباء القديم في مدينة حلب اللقاء الدولي الرابع (فنانات من العالم) women's art festival  برعاية محافظ حلب السيد أسامة حامد عدي.

وقد فوجئ حضور (لقاء فنانات من العالم) بلوحة داخل الكراس المرافق ليوم الافتتاح بعنوان (صورة من الذاكرة جياشة بالعواطف) (pictures of a memory trail of emotions) لـ (آنجي زايبرخت) وهي فنانة من ألمانيا، رسم داخل هذه اللوحة رمزان لكل من النجمة السداسية العبرية والشمعدان التوراتي، داخل تشكيل  يوحي بمحارق الهولوكوست، وبالقرب منها كتب تعليق على اللوحة (صور أنجي التي تعبر عن بيئتها هي مجموعة من قصاصات ورقية والتي تتواصل مع اهتماماتها الثقافية، وعواطفها وذكرياتها. تعبر أعمالها عن الضغوط بين الثقافات، مستعملة الرموز والقصاصات الورقية، وكأنك أمام حوار مرئي بين ثقافات مختلفة). استفزت هذه اللوحة الموجودة داخل الكراس، والتي تشارك صاحبتها بمجموعة أخرى من الرسومات المعلقة على حائط المعرض مجموعة من الفنانين فاتفق مجموعة منهم على أنه يتوجب القيام بفعل احتجاجاً على اشتراك فنانة في مثل هذه التظاهرة داخل سورية، وكان الاحتجاج بطريقة سلمية ففي اليوم الثالث من فعاليات الملتقى وقف مجموعة من الفنانين ومنهم النحات طلال أبو دان أمام لوحات هذه الفنانة، وعملوا على إنزال هذه اللوحات من على الحائط بصمت، وكتبوا على حرف الإطار (عاشت فلسطين)، في أثناء ذلك دخل منظم اللقاء عيسى توما، وفوجئ بالفعل الذي قام به الفنانون فقرر إغلاق المبنى على كل من فيه، ليستدعي الأمن الجنائي مدعياً أن هناك تخريباً حاصلاً في المعرض وأن الفنانين يعمدون إلى تخريب اللوحات المشاركة، ليتطور الأمر إلى مشادة لسانية بين الفنانين المحتجين على إشراك زايبرخت بما تحمله من مفاهيم في لوحاتها مع منظم المعرض، ليتطور الأمر إلى تشابك بالأيدي. ويحاول عيسى أن يدافع عن الأمر ليقول بأن النجمة السداسية معترف بها في جامعة الدول العربية، إلاّ أن المحتجين لم يقنعوا بكل المحاجات التي قدمها عيسى، وعند مجيء  الأمن الجنائي وقع رجال الأمن في حيرة من أمرهم، فإلى أي جانب سيقفون، في الوقت الذي لم يتوقف فيه عيسى توما عن إجراء اتصالات للخروج مما هو فيه، وتطور الأمر لاحقاً ليتجاوز الأمن الجنائي وتتدخل فيه أطراف عدة مروراً بمحافظ حلب راعي اللقاء، ويكتشف لاحقاً أن الكراس تم طبعه من دون موافقة، فيتساءل الجميع عن كيفية مرور  غلطة كهذه بالرغم من أن لجنة الإشراف والمتابعة تضم عدداً من الأسماء المهمة والتي يصعب أن تمر عليها مثل هذه الغلطة، ومن أعضاء هذه  اللجنة إلى جانب السيد توما، السيدة وفاء قدور عضو المكتب التنفيذي لقطاع الثقافة في حلب، والسيد عادل عيسى رئيس نقابة الفنون الجميلة، وصلاح الدين حنان رئيس دائرة الأبنية والحدائق، والمهندس رضوان الحسن رئيس الدائرة الإدارية في مجلس المدينة، وماهر موقع رئيس جريدة الجماهير، ورضوان فاخوري مدير تلفزيون حلب، فيتحجج السيد عيسى بأنه اضطر لطباعته من دون موافقة لحاجته للانتهاء من هذا الكراس قبل بدء الموعد المحدد للافتتاح، ويتضح أيضاً أن لجنة الإشراف والمتابعة لم تكن مطلعة على أي من المواد الموجودة في الكراس معتبرة إياها أموراً روتينية، ويستمر المعرض، وينتهي الأمر بأن تقوم لجنة رقابية بتغطية الرموز الموجودة في الصورة التي على الكراس، ثم أعيدت لوحات الفنانة الألمانية بكاملها إلى مكانها، وكأن شيئاً لم يكن، وبعد ثلاثة أيام من الحادثة صادف مرور وزير الإعلام لافتتاح مركز إذاعي وتلفزيوني جديد هناك، فذهب وزير الإعلام وحضر المعرض وأثنى على الجهود المبذولة فيه.

 هذا اللقاء الذي ابتدأ قبل أربع سنوات برعاية رئيس مجلس الوزراء الحالي حين كان محافظاً لمدينة حلب، يعد من اللقاءات الفنية المهمة في مدينة حلب، ولم يعد محصوراً في شكل أو إطار اللقاء بل تحول إلى ظاهرة فنية من نوع جديد، واستطاع أن يكون خصوصيته الفنية داخل سورية.  من خلال استضافة عدد كبير من الفنانات من مختلف أصقاع العالم. ومحاولات القيمين على هذه اللقاءات أن تعيد إحياء أماكن قديمة في مدينة حلب من خلال هذه اللقاءات لاحتوائها، فقد سبق وأن اختار السيد عيسى توما صاحب صالة الجسر، ومنظم اللقاءات، كنيسة الشيباني فضاء لاحتواء لقاء سابق لفنانات من العالم، فوجه الأنظار إلى بناء جميل مهمل منذ زمن طويل، وقد اختار هذه السنة شركة الكهرباء القديمة ليقيم اللقاء على أرضها وهي من أقدم المحطات الكهربائية في الشرق الأوسط، كما يستطيع  هذا اللقاء الذي ما زال في أطواره الأولى أن يجمع عدداً كبيراً من الفنانات من عدد كبير من الدول حول العالم، فقد شمل اللقاء هذه السنة فنانات من دول إنكلترا، ألمانيا، إيطاليا، النرويج، جورجيا، الدانمارك، أرمينيا، النمسا، كندا، أمريكا، أستراليا، لبنان، وسورية، ويقدم الكثير من الأنواع الفنية والتجارب الأنثوية، في مجال الفن التشكيلي، المسرح، السينما، وغيرها من الأنواع الأدبية والفنية.

إلاّ أن النظر إلى المعرض ككل وإلى ما حدث يوحي بالكثير من المخبوء فإن الدعم الذي يحصل عليه منظم المعرض الرئيسي صاحب صالة الجسر في حلب يأتي من عدد كبير من الجهات من السفارات والملحقيات الثقافية لعدد من السفارات، بالإضافة إلى الجهات الرسمية التي ترعى هذه التظاهرة، ونستطيع أن نقرأ في كلمة المقدمة الكثير: (إنني أستغرب من بعض المثقفين أن الفن الدخيل يشوه أفكارنا).. (ما أريد أن أقوله أن الاطلاع الواسع يقوي ولا يضعف كما يدعي البعض. ما دمنا واثقين من أنفسنا ومؤمنين بتراثنا، وهذا هو أهم أهداف صالتنا في حلب التي تتمتع الآن بعلاقات واسعة ومتينة في عالم الفن طالما تساءل البعض عن أهدافها. وما أريد أن أقوله لهم أن كل علاقاتنا الدبلوماسية لها هدف واحد في النهاية هو تعليق إبداع فنان حر على الحائط من أجل الجميع. وهل رأيتم غير ذلك) وقد جاءت الجملة الأخيرة بالخط الأسود العريض.

لم تفد نتائج البحث التي قمنا بها على الفنانة الألمانية بأي علاقات أو زيارات مع عدونا الإسرائيلي أو أي من المحاولات الفنية التي تصب في هذا الاتجاه، باستثناء دراسة قامت بها حول الفن العبري دون أن تتجاوز هذه الحدود إلأّ أن القضية قضية مبدأ، ففي مثل هذا الوقت العصيب، وبالتحديد في ال10 من الشهر الفائت حين كانت آلة الدمار الإسرائيلية تعيث فساداً في الأراضي الفلسطينية وتجاوزعدد الشهداء الفلسطينيين أرقاماً تفوق الخيال فما هي الفائدة المرجوة من تعليق لوحة كهذه على جدران مثل هذا المعرض يطمح ليكون حالة فنية قد تقترب من العالمية، وكيف مر هذا الأمر دون الضجيج الإعلامي كذلك الضجيج الذي أثير حول طرد القنصل الأمريكي من مطعم في باب توما.                             

معلومات إضافية

العدد رقم:
177