هشام الباكير هشام الباكير

من التراث الشعوبية

راجت الشعوبية في العصر الأموي وهذا اللفظ المقصود منه كل الناس أو المسلمين من غير العرب والشعوبية تنتقص من شأن العرب وتفضل الأعاجم عليهم.
في بداية الأمر انتشرت بين المسلمين الفرس لأنهم أول من دخل الإسلام من غير العرب ثم ظهر شعوبيون هنود ثم أتراك ثم مولدي الأندلس(الإسبان المستعربون).

والنزعة الشعوبية كانت واسعة وقوية بين الفرس لأسباب عديدة، ومنها أن الفر س أكثر تحضراً من العرب فكان لديهم شعور بالاستعلاء يعمق نزعة التعصب لديهم، والفرس قد دخلوا الإسلام بأعداد هائلة فتشكلت منهم أكثرية عددية بين الموالي الذين اضطهدهم الأمويون، وأيضاً بسبب مساهمتهم  الكبيرة في الثقافة العربية الإسلامية.
لكن النزعة الشعوبية اقتصرت على الوسط الأدبي ولم تشكل خطاً طاغياً في الثقافة  الإسلامية ولم تشمل الفلاسفة أو العلماء والفقهاء وقد شجع البعض على رواية الأخبار التي تعدد عيوب ونواقص الآخرين لتحط من قدرهم وينسب إلى الخليفة هشام بن عبد الملك إنه شجع مثل هذه الأخبار بالرغم من أن الأمويين لم يدعموا الشعوبية لكنهم استفادوا من إثارة النعرات بين القبائل على قاعدة (فرق تسد) وقد نجحت الشعوبية في تشويه تاريخ بعض الشخصيات العربية البارزة وترد هذه الأخبار في كتب المنوعات وهي أدنى أهمية من مصادر التاريخ فتحصي أصحاب العاهات والبخلاء والجبناء من سادة العرب كالحديث عن أبي سفيان أو حكاية وضاح اليمن وزوجة الوليد بن عبد الملك وحتى الترويج لبعض الأحاديث الضعيفة التي تنسب زوراً للرسول (ص) التي تنهي عن محاربة الأتراك أو الأحباش وتمتدح الفرس ومما قاله الشعوبيون ما قاله اسماعيل بن يسار يخاطب امرأة عربية:

واسألي إن جهلت عنا وعنكم
كيف لنا في سالف الأحقاب
إذ نربي بناتنا، وتدسون
سفاحاً بناتكم في التراب

لكن هذه الشعوبية لم يكن لها امتدادات سياسية ولم تتحول إلى فرقة على غرار الفرق الإسلامية برغم مزاعم بعض المستشرقين وبعض القوميين العرب الذين نسبوا كثيراً من الحركات والثورات الاجتماعية إلى نزعة الشعوبية مثل الحركة القرمطية أو البابكية أو الزنج، والمعلوم أن هذه الحركات تشكلت من الفلاحين والفقراء ومن عشائر البدو كما في حركة القرامطة.
أما زعيم «الزنج» فكان علي بن محمد وهو من آل أبي طالب حتى الشعوبية في الأندلس فهي لم تتوجه ضد الدين الإسلامي (كما كان سائداً حينها في الأندلس) وبقيت حالة داخلية.
لم تتعرض السلطة للشعوبية، خلافاً لما فعلت مع أتباع المذاهب الفكرية أو السياسية الأخرى، لكن كثيراً من مؤلفات الشعوبية أو التي تناولت الرد عليهم اندثر أكثرها ولم يصل منها إلا القليل.
ومن الردود التي وصلتنا على الشعوبية بعض كتابات الجاحظ وأبو حيان التوحيدي. وقد تضمنت الدفاع عن العرب من دون الإساءة إلى الشعوب الأخرى، والكاتبان كانا أقرب إلى الثقافة الفكرية منها إلى المزاج الأدبي، وقد كتب الجاحظ رسالة في تفضيل السودان على البيضان وألف ابن الجوزي والسيوطي رسائل مماثلة منها «رفع شأن الحبشان» وبرغم أن التوراة يفسر انحطاط السود عندما يتحدث عن حام بن نوح لكن ابن خلدون يفند هذه الفكرة ويرفضها ولاننسى أنه في مواجهة الشعوبية وجدت أيضاً العصبية العربية ليعبر عنها بعض الشعراء كالمتنبي، ونقول أخيراً إن الشعوبية مقيدة بزمانها فقد انتهت مع العصور الإسلامية ولم يبق الآن شعوبيون كما لم يبق معتزلة أو بابكية، والعصبيات الآن لها بواعث حديثة مختلفة عن بواعث الشعوبية لأنها من نتاج مرحلة تاريخية مختلفة.

-        المرجع: المفكر هادي العلوي

معلومات إضافية

العدد رقم:
282