حوار مع الشاعر لقمان ديركي: أسهل وسيلة للقضاء على حزب غير فاعل أن تخرج جريدته إلى العلن!

بالرغم من عمله في الكثير من الميادين الأدبية والفنية، متنقلاً من كتابة السيناريو الى التمثيل والصحافة وكتابة القصص القصيرة.. فإن لقمان ديركي قبل كل شيء يقف بين أبناء جيله كشاعر أولاً مع من ظهروا من ملتقى حلب الشعري في أواخر الثمانينات..

يحاول لقمان دائماً في كل مكان يطؤه أن يترك بصمته.. بصمته التي تعني شيئاً واحداً: الإختلاف عن كل ماأتى قبلاً، والنبش في عوالم لم تطأها يد قبلاً.. في رهان صعب...

تنقل كثيراً وتنوعت اهتماماته.. عن الأدب والصحافة وبعض مراحل التجربة، كان لـ «قاسيون» معه اللقاء التالي:

 ماذا عن تجربتك في مجموعة الملتقى الأدبي في حلب، والتي كنت واحداً من المشاركين فيها، وهل ترى أن هذه التجربة كانت هي خاتمة هذه النوعية من التجارب في سورية؟

 جاءت تجربة الملتقى  كنتاجٍ لرياح التغيير في الشعر والقص السوري، لإفراز أسماء جديدة، ولم تأت بقصدية مسبقة، بل جاءت نتيجة لحركة متخمة من الحوارات اليومية،طرحت أسئلة جديدة في الأدب والفن، ونتيجة ظهور بوادر التحرر من هيمنة الأيديولوجيا على الأدب، بعد السبعينات وأوائل الثمانينات، فبدأ الشعر الصافي والعاري من الأيديولوجيا ومن العكاكيز الفنية يطفو إلى السطح، متأثراً بتجارب السبعينات النافرة في سورية ولبنان. توقفت هذه التجربة  في الثمانينات، لكنه أخذ منحى آخر في بداية التسعينات وكنت واحداً من مؤسسي هذه التجربة في مجلة ألف التي أسسها وأطلق فكرتها القاص سحبان سواح وأنا، لم يكن معنا أحد في البداية، ثم التحق بنا محمود السيد ونبيل صالح وأحمد اسكندر سليمان، وأحمد معلا، وخالد خليفة. استقطبت المجلة أسماء مبدعين كثر خرجوا في تلك الفترة، دون انتقائية لم يكن لـ «ألف» وجهة محددة، كان هناك خط عام غير واضح المعالم همه الخروج بنص جديد، مغاير، لا يوجد فيه أي ملمح مما سبق، كان هناك نوع من الاستعجال لتحقيق قفزة على الصعيد الأدبي والفني للحاق بركب الإبداع العالمي والذي كنا متأخرين عنه، لقد كانت تجربة ألف تجربة تحريضية وجديدة، بعد توقفها لم يعد هناك أية تجارب جماعية للخروج بإبداع جديد في الأدب السوري إلاّ إذا اعتبرت ما يسمى بالقصة القصيرة جداً بالتجربة الجماعية.

أما فيما يتعلق بظهور تجارب مماثلة فهذا يرتبط بما يريد أن يفعله الجيل الذي سيأتي بعدنا، هل لديهم الرغبة، هل هناك تفكير بتجارب جماعية حقيقية، هذا يتوقف على هذا الجيل، لكن بالنسبة لجيلنا فبعد أن تبلورت تجربتنا أصبح من الصعب أن تقودنا نوازعنا الفردية إلى تجارب جماعية جديدة.إلاّ في حال خروج تجربة متكاملة وواضحة المعالم.

 الكثير من المتابعين لتطورات الوضع الثقافي السوري في مراحل سابقة يرون أن الأيديولوجيا والأحزاب اليسارية أساءت للثقافة السورية والعربية في مرحلة سابقة وبالرغم من ذلك نستطيع أن نلاحظ أنه بتراجع حركة هذه الأيديولوجيات بكل ما تحمله وتمثله، تراجع المشهد الثقافي السوري؟

 أولاً يجب توضيح أن الأيديولوجيا لا ترتبط كما هو شائع باليسار فقط، ففي مرحلة من المراحل سيطرت الأيديولوجيات بكل تفرعاتها قومية دينية أو شيوعية على الساحة الثقافية السورية، وكانت هذه الحركات تروج لمثقفيها في مرحلة معينة وكانت ابنة تلك المرحلة  أنا شخصياً كنت دائماً فردانياً منذ بدأت بالكتابة ولم أستفد من أحد ولم أستطيع الوقوف داخل تلك الأطر.

ربما كان لحضور الأيديولوجيا أو التعدد الأيديولوجي دور في سد الفراغ في المشهد الثقافي أو العكس. عموماً فإن الحركات الأدبية هي إرهاصات للحركات السياسية وهذا ظهر في الكثير من التيارات الأدبية والفنية كرد فعل أو نتيجة، وهذا ما لم نصل إليه فدائماً الأدب مركوب من الأيديولوجيا فالكاتب دائماً هو بوق لحزب أو (زلمة) جماعة ما، أو اتحاد، أو حزب ليظهر حتى يدعمه أحد ويخرجه إلى صفحات الصحف أو الشاشة أكثر من مرة فيعتاد على هذا. ولكن من هو هذا الكاتب؟ هذا الكاتب ليس الماغوط أو أدونيس وليس زكريا تامر أو منذر مصري أو نزيه أبو عفش أو أي اسم آخر من الأسماء التي ليست بحاجة إلى هذا الدعم ولست بصدد ذكر اسماء، لكن الأسماء التي ذكرت على سبيل المثال لا الحصر، هي اسماء استطاعت إثبات حضورها وقوتها دون أية مطية، الكتاب قليلو الموهبة ينشرون لاتجاهات معينة سلطوية أو حزبية لكي يوجدوا غصباً عن رأسنا, هل تريد أمثلة.

 نعم.

 لا يوجد داعي.

هل تعتقد أن جريدة «الدومري» قد استطاعت أن تغطي الفراغ الموجود في الصحافة السورية؟

 برأيي أن جريدة «الدومري» قد فشلت ولم تستطع أن تحقق 10% مما  حققته من نجاح عندما أسسناها، وكان يقف وراء هذا النجاح اختلافها من الداخل عن كل ما ظهر في العالم العربي، ولكن عندما أصبحت مشابهة من الداخل لكل صحافة الوطن العربي فشلت، ولم يعد هم هذه الجريدة هو الإبداع بقدر ما هو أن تخرج إلى الجمهور.

 هل كانت جريدة «الدومري» مشروعاً جماعياً منذ البداية أم أنها مشروع علي فرزات الفردي؟

إنها مشروع علي فرزات حتماً لأنه صاحب الترخيص والفكرة، بالإضافة إلى كونها مدعومة برسوم علي فرزات التي أعطتها ضمان نجاح الانطلاقة الأولى لما حققته رسومه من نجاحات في هذا المجال على مر سنين عمله، وعندما بدأت بالعمل في الجريدة كنت من مؤسسي انطلاقتها، مع عدد من الأسماء مثل نبيل صالح وجورج عين ملك، وكنت أرى أنني من القيمين على مشروع ناجح حتى الأعداد الستة الأولى، واستطعنا جعل الشارع يتلهف لتلقف هذه الجريدة، لتباع بزمن قياسي.

 هل كانت هناك خلفيات سياسية وراء تراجع جريدة «الدومري»، كونها من أوائل الصحف الخاصة؟

  لا يوجد .. أي شيء من هذا القبيل، هذا الكلام تحول إلى أسطورة في مرحلة من المراحل، لماذا عندما يتراجع دور جريدة أو تخف مبيعاتها يبدأ الحديث عن دور أمني أو سياسي وراء هذا التراجع. لقد  استطاعت «الدومري» أن تكون مصداقيتها بين الناس، من خلال اجتذابها لكتاب سورية المهمين للإسهام والمساعدة في هذا المشروع. لم  أشاهد مشروعاً أستقبل بهذا الحب، كل سورية أحبت «الدومري» ودعمتها وعلي فرزات لم ينتبه إلى سبب هذا الحب. أنا شهدت كل هذا النجاح، كما شهدت مجيء عدنان فرزات رئيساً للتحرير وتراجع دور «الدومري» مع قدومه، شخص لم يكن له أية خلفيات في الصحافة، هو فقط شقيق علي فرزات، ولأنه لم يكن يعرف أحداً كان يقول من هو صادق جلال العظم أو من هو ممدوح عدوان أو من هو فلان.. إلخ من أعلام الثقافة السورية، فابتعد الكثيرون عن الكتابة في الجريدة، في النهاية كنت سأقبل مثل هذه الآراء لو أنها من شخص له مشروع في صناعة أسماء جديدة أو التأسيس لصحفيين جدد لكنها خرجت من نكرة وغير مطلع على أي شيء من تاريخ الصحافة السورية.

 انتبه علي فرزات لما يحصل، فأعاد أخاه من حيث أتى (الكويت)، وجاء برئيس تحرير جديد هو بسام طالب، لكنني لا أعتقد أنه يمكن نفخ الروح في ميت من هذا النوع، ولقد عدت إلى كتابة صفحتي كنوع من الإخلاص لمشروع (حلم) كنت واحداً من مؤسسيه، أما  الحلم الآن فسيكون في عودة مجموعة من الشباب لنقوم بتأسيس جريدة جديدة قادرة على حمل أحلامنا وطموحاتنا.

  وهل كانت «الدومري» تعد للخروج بصحافيين جدد إلى الشارع؟

  لقد بدأنا خلال المشروع بالتحضير لأسماء جديدة، منهم ترك العمل ومنهم لا زال يكتب، فقد هؤلاء موهبتهم، لقد جاءوا في البداية مع حماس كبير ورغبة للخروج بالجديد لكنهم فجأة ظنوا أنفسهم أنهم أتموا المهنة ولم يعد ينقصهم أي شيء، ففقد الإشراف الحقيقي، وغاب الموجه وأصبحوا أقرب إلى الصحافة الخليجية البراقة من الخارج والتافهة من الداخل، وساد هذا النمط لذلك خفتوا، لكن لا شك أنهم كانوا شباباً موهوبين، أما الآن أقرأ لهم وليس هناك أي تقدم واستطاعوا بقدرة عجيبة أن يضعوا سقفاً لأنفسهم كانوا قادرين أن يتطوروا لكن لم يعد هناك مناخ في الجريدة يحرض على الإبداع، هناك مناخ يحرض على إنتاج أكبر كمية من المواد، وعندما يكون الذي يكتب في جريدة فقط لأنه أرخص من على الساحة عندها، سيقدم مادة رخيصة.

  لماذا تركت الكثير من الأسماء قبل بدء ظهور «الدومري» إلى الأسواق وتتالى خروج عدد من الأسماء بعد ذلك؟

 أنا لم أترك أنا طردت. أما البقية  فكانت نتيجة خلافات عامة، عمن تسال؟

 نبيل صالح نجم الدين السمان مثلاً؟

 نبيل لم يرتح اجتماعياً في الجريدة ولم يرد أن يختلف مع علي فرزات فرغب أن ينسحب بسلام فجاء في أحد الأيام وقدم استقالته، أما نجم فاختلف مع علي فرزات حول مقالة نشرها، الاختلاف حول كلمتين قال له علي أن يحذفهما ولم يكن هناك أي داع لهما وفي المطبعة كنا نشرف على الأفلام فجاء علي ورأى أن ما طلب حذفه لم يحذف فأتلفت النسخ التي طبعت وقرر أن نجم يجب أن يترك فأقاله.

 هل كانت المقالة قاسية؟

 الجنازة حامية والميت كلب، سمعنا الكثير عن حضور الأمن لإتلاف العدد وغيره من كلام أثير عن تدخلات من جهات كثيرة. الحقيقة أنني كنت في المطبعة ولم أشاهد أمن أو غيره، جاء علي غاضباً، ونجم لم يخطئ بل كان سهواً منه، لم نتكلم وصمت الباقي ربما كان الكثيرون يرغبون في أن تظهر هذه الإشاعة. وعلى زماني لم أشاهد أمناً يتدخل في الجريدة.

  هل ترى أن تجارب الأحزاب في الصحافة قادرة على أن تخرج بشيء نوعي جديد أم ستكون استمرارية لصحافة سرية امتدت لأربعين سنة؟

  عادة الجرائد السرية تكون مثيرة بينما الجرائد السرية في الفترة السابقة لم تكن مثيرة، وأنا كنت مستغرباً لماذا كانت تمنع أو تحظر ولا يسمحون لها بالظهور إلى العلن، أعتقد أن أسهل شيء للقضاء على حزب من هذه الأحزاب غير الفاعلة هو أن تسمح لجريدته بالظهور إلى العلن، وهذا ما حصل، سيكتشف القارئ أنهم لا يختلفون عن غيرهم، فالصحف التي ظهرت إلى العلن لا تختلف عن سواها، ولن تستطيع أن تفعل شيئاً، كلها متشابهة نفس الجرائد تفتح جميع الجرائد لتجد خطيب بدلة يكتب فيها، عندما ستظهر أحزاب أو تيارات جديدة عندها ربما ستخرج صحافة جديدة أو مغايرة لما هو سائد وهذا تفاؤل وليس بالضرورة تحقق هذا التفاؤ.

 هل ترى في المنظور القريب في الصحافة الخاصة أي أمل في الخروج بالصحافة من أزمتها؟

 المشاريع الجديدة متشابهة فأصحاب المشاريع الصحفية الجديدة لا علاقة لها بالصحافة لكن لديهم الرغبة في أن يصنعوا جريدة، والمشكلة أنهم يأتون بأصدقائهم والمشكلة أن كلاً منهم يأتي بأصدقائه ومعارفه، ليأتي ويصير رئيس تحرير وهكذا لن نخرج بصحافة تقرأ إحدى المطبوعات الجديدة فتقرأ أسرة تحرير لا تعرفهم أمهاتهم، لا علاقة لهم بالثقافة، من هم هؤلاء؟

 ما رأيك بجريدة «قاسيون»؟

 جيدة  (يضحك) وأعتقد أنه لا يجب أن تسألوا في مقابلاتكم ما رأيك بالجريدة؟ طبعاً سيجيب من تسأله هذا السؤال بأنها جيدة ماذا سيقول وفر على القارئ هذه النمرة الصحفية.

 بعد أعمالك في الشعر والمسرح والتلفزيون ما هي مشاريعك القادمة؟

 بدأت بكتابة مجموعتين قصصيتين، أقرب إلى المذكرات، تحت عنوان أولي هو «وثائق محرفة» وسوف ينجز قريباً وهو أقرب إلى المذكرات، له علاقة بالكثير من القصص والأشخاص التي عشتها في حياتي وهي أقرب إلى القصص الكوميدية.

 انطلاقاً من النوع الذي تكتبه ما هو النوع الأدبي لروح العصر؟

 

  لا يوجد نوع محدد، فمثلاً خليل صويلح كتب قبل فترة رواية جديدة هي «وراق الحب» وهي رواية ممتعة وجميلة جداً لا تستطيع أن تقول أن هذا ليس وقتها، وإن خرج أي كاتب بعمل جيد مهما كان نوعه لا تستطيع أن تقول أن هذا ليس وقته، لدي رغبة في أن أكتب رواية ساخرة، المهم أن تكتب أدباً مهماً وأن تنتهي من الأدب والرواية التاريخية مع احترامي لمن خرج بنتاج مهم في هذا المجال هم عملواً بأشكال ومضامين معينة ونحن علينا أن نخرج بنتاجنا المختلف، لا أعرف هل تستمتع من قراءة رواية فيها فلاح وإقطاعي من عصور تجهلها. القارئ هو من يحدد ماذا يجب أن يكتب وهذا لا يتطلب إلاّ أدباً مهماً فقط. الناس الذين يقرأون أصلاً قلائل وليسوا كثراً، وهؤلاء الأشخاص الذين كانوا يقرأون امتنعوا عن القراءة، نستطيع أن ندعو أولئك الذين يقرأون روايات عالمية أن يتابعوا ما يكتب من روايات وأدب محليين.                                                                                      ■■

معلومات إضافية

العدد رقم:
182