قاعدة بيانات الشتات

قاعدة بيانات الشتات

استطاعت الحرب أن تغير الأحاديث اليومية لأي غريبين (أو غريبتين) عن بعضهما يجلسان في المقعد الخلفي من سرفيس في المدينة، -بعد مكالمة هاتفية مع أحد الأبناء على النت تتضمن تقبرني شو اشتقتللك، ودفي حالك منيح يا أمي، شو خلصت دورة اللغة؟- إلى: شو البركة وين ابنك؟

 ويبدأ تبادل المعلومات حول طرق العيش في شتات السوريين والمقارنات بين الدول التي انتشروا فيها، ليتدخل ثالث معبراً عن أن دولة ثالثة غير التي هرب إليها أبناء المتحدث الأول -وهي الدولة الموجود فيها أحد أبناءه- تتميز بمييزات مختلفة، ولنستنتج أن قاعدة البيانات العالمية حول أفضليات الدول المقصودة بالهجرة هي كبيرة وواسعة، ويصبح الحديث نوعاً من المقارنات التفصيلية، المتضمنة كيفية الوصول براً وبحراً وغرقاً وسقيعاً، وربما جوعاً وضياعاً، وتكلفة الوصول الكلية من سورية إلى هناك، وكيف تم الحصول على المال الذي غالباً ما يكون ثمن العقار(شقا العمر) أو ديناً، وكيفية الحصول على الإقامة ومدة الحصول عليها وما يحصل في مخيمات الوصول، ونوع الإعانات التي يحصلون عليها والمبالغ المقدمة كإعانة، ونوع العمل أو الدراسة التي يحاولون الحصول عليها (رغم أن البعض لا يريدون سوى الوصول).

ويتشعب الحديث إلى المعاناة التي يتعرض لها الأبناء في الشتات ومقارنتها مع الواقع في سورية، بين متحسر على غياب ابنه، وحزين لأن الوضع السيئ هو ما يدفع هؤلاء الشباب إلى الهرب، وبين مبتهج لأنه أنقذ أحباءه من قبضة الموت، ومقارنة بين الفرص الضائعة ههنا والفرص المفتوحة أما المتفوقين من أبناءنا، وتقدير «الغرب» للمواهب والطاقات، ذاك الذي نفتقده (ليس أثناء الحرب فحسب) منذ زمن طويل.

لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الأحاديث التي تدور بين غرباء في السرفيس أو على موقف الباص أو أمام دور المازوت، بل تعداه إلى مادة دسمة تغذي العديد من المواقع الالكترونية، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي. وأصبحت مشاركة مثل هذه المواد على الصفحات الشخصية للمتفاعلين نوعاً من الخدمة التي يؤدونها إلى من يحبونهم ويودونهم، ناهيك عن صفحات تخديم قواعد البيانات هذه التي يشرف عليها مهاجرون أسبقون في دول الشتات، أو «أدلاء» محليون ما زالوا يقيمون ههنا، ويحاولون لعب دور الدليل الحقلي لتسهيل أمور العابرين لحقل الألغام هذا.

يتغير الحديث أحياناً ليأخذ مساراً مختلفاً في كيفية العودة، وكيف يمكن العودة دون الهوية الشخصية التي يرفض دول المقصد إعادتها إلى السوريين، وكيفية الهروب عودةً إلى سورية، وطرق الحصول على عمل بعد العودة وفقدان كل أمل في الحل لا هناك ولا هنا، واستقبال الباقين في سورية للعائد بمزيج من (الله يصلحك ليش رجعت؟ ومنيح اللي رجعت اشتقنالك)، وترتيب لسهرات «شتات الداخل السوري» أي من تبقى  في سورية من الأهل والأصدقاء، في نوع من الفرح الوجودي، بوجود من تبقى ممن تعرفهم وتثق بهم على سطح الكرة الأرضية.

وينتهي كل حديث دوماً برغبات عارمة طافحة بانتهاء الحرب وكل كوارثها، على أمل بناء حياة من جديد، على أنقاض كل ما تم تدميره، ليكون الأمل في مستقبل يشع بكل أمنيات السوريين هو ما تبقى لنا ولأبناءنا، ويسأل الجميع: متى نصل إلى الحل السياسي؟ كفانا حرباً.

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
788