خليل صويلح خليل صويلح

بين قوسين هناك سمكة كبيرة ياسيدي!

هل انتبهتم إلى اختفاء النكتة السياسية من حياتنا اليومية؟
كأن المواطن السوري فقد الأمل من «كركرة» خصر الحكومة كي تبتسم قليلاً وتشاركه الضحك على مشكلاته المستعصية. 

التجهم هو العنوان العريض المتداول في علاقة المواطن بالمسؤول، ما جعل النكتة «البريئة؟» ترفع ضغط المسؤول وتثير غضبه، بدليل أن الصحافة أدارت ظهرها للمواضيع الساخنة على كثرتها، ذلك أن مجرد الاقتراب من «مملكة» أحدهم يستدعي الاستنفار. انظروا إلى الردود الرسمية على المشكلات التي تثيرها الصحافة. لن نجد رداً واحداً يعترف بصواب ما هو مكتوب. أداة النفي هي الأكثر استعمالاً في هذه الردود الحاسمة، وكأن الاعتراف بالخطأ ليس فضيلة في منطق هؤلاء. ثم إذا كانت الأمور على ما يرام، ما سبب كل هذه القوائم التي نقرأها عن كف يد هذا المدير أو ذاك «لأسباب تخص النزاهة»، ولماذا لا يصمد رئيس بلدية أكثر من سنة واحدة فوق كرسيه الدوّار.
كل هذا التسيّب الإداري يواجه بعسف شديد عند أية نأمة مضادة في معركة غير متكافئة.
منذ أيام لفت انتباهي وجود ما يسمى «صندوق الشكاوى» أمام معظم المؤسسات الحكومية، وقررت أنه فارغ، بعد أن ضجر المواطن من الشكوى وغياب النتائج.

هل لاحظتم أنني نسيت النكتة؟
هناك ما يسمى بالنكتة البذيئة التي ازدهرت في سياق الثقافة الشفهية، لتوثيق الحياة السريّة للمجتمع، لكنها تتعرض للإقصاء على الدوام، بسبب قدرتها على محاكاة عيوب مجتمع ما، وملامسة أعماقه النفسية، وهذه تتطور في الشوارع الخلفية للحياة اليومية كنوع من الانتقام لظروف قاهرة يعيشها مجتمع ما.لن نقترب منها لأسباب تخص الحشمة.
يقول مثل عربي قديم «إن الرجال لفي سجن إلى أن يغمرهم الظرف». هذه إذاً، دعوة لاستعادة النكتة إلى حياتنا اليومية الضيّقة، وإعادة الروح إلى «جحا» عربي معاصر، وإلى «أخبار الحمقى والمغفلين» في نسخة جديدة لما كان أنجزه ابن الجوزي قبل قرون، أو الجاحظ وبخلاؤه. فالنكتة ليست مجرد مزحة عابرة، بل اختصاص بحثي كامل. في أمريكا خصصت جامعة وولفرهامبتون قسماً مستقلاً لدراسة تاريخ النكتة وعلاقتها بالطبيعة البشرية على اعتبار أن النكتة الدليل إلى الأوضاع الثقافية والاجتماعية والسياسية لأي مجتمع. وتكشف الدراسات أن أقدم نكتة هي سومرية وجدت مكتوبة في أحد الحمّامات ويعود تاريخها إلى سنة1900 قبل الميلاد. أما ما هي هذه النكتة؟ فيصعب إيرادها بسبب منافاتها للحشمة، وكأن من يكتب اليوم احتجاجاته في الحمّامات العمومية حفيد شرعي لأجداده السومريين.
النكتة السياسية الأولى فرعونية: «كيف ترفع معنويات الفرعون سنوفرو حين يذهب لصيد السمك؟
الجواب: ترمي أحد العمال من دون أن يدري ثم تصيح بأعلى صوتك: هناك سمكة كبيرة يا سيدي».

معلومات إضافية

العدد رقم:
408